يومياً، يعمل أدهم أبو شقفة (29 عاماً) مدة 12 ساعة كعامل توصيل طلبات (دليفري) على دراجة نارية تعود ملكيتها إلى مكتب توصيل الطلبات الذي يعمل لديه، ويجول غالبية شوارع مدينة غزة؛ تلك المصنفة صفراء من حيث الخطورة (تمنع الحركة فيها إلّا للضرورة، ووفق إجراءات السلامة، مع استمرار إجراءات التقصي واحتواء التفشي)، وتلك المصنفة حمراء (بسبب انتشار الفيروس وتشهد إجراءات للتقصي واحتواء الانتشار على مدار الساعة)، على الرغم من المخاطر. لكنّه يقول إنه يشعر بسعادة خلال هذه الفترة.
منذ بداية العام الجاري، لم يتمكنّ أبو شقفة من الاستمرار في عمل واحد مدةّ أكثر من شهر واحد. وزاد الطين بلّة مع انتشار فيروس كورونا، علماً أنه حاصل على شهادة في مجال المحاسبة، وينتظر حاله حال آخرين، التعيينات الحكومية بعدما نجح في الاختبار الذي يجريه ديوان الموظفين العام. ويأمل أن يحالفه الحظ ويعيّن في الوظيفة الحكومية بعد ثماني سنوات من التخرج.
يقول لـ "العربي الجديد": "العمل في ظل الخطر ليس غريباً في غزة. بشكل عام، عملت في مهن كثيرة وتحت القصف الإسرائيلي في بعض الأحيان. صحيح أن فيروس كورونا خطير جداً، لكنني أحرص على اتباع كل إجراءات السلامة والتعقيم خلال نقل الطلبات". ونظراً إلى توقّف عمل المياومين في الكثير من المنشآت التجارية والصناعية وغيرها، ينشط عمال توصيل الطلبات على الرغم من تفشي كورونا. فهذا العمل متوفر في الوقت الحالي، حتى أن البعض يعملون حتى ساعات متأخرة غير آبهين بالذهاب إلى مناطق بعيدة. لكن هناك فرصة للعمل في الوقت الحالي بعد أيام صعبة قضوها في منازلهم".
وبحسب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمّال في قطاع غزة، سامي العَمصّي، فإن 160 ألفاً من العمال المياومين تضرّروا بصورة مباشرة أو غير مباشرة منذ بداية أزمة كورونا وانتشارها في القطاع منذ 24 أغسطس/ آب الماضي، ووصول حالات الإصابة إلى 2658، منها أكثر من 1700 ما زالت نشطة حتى 25 سبتمبر/ أيلول الجاري.
في يوليو/ تموز الماضي، كان محمد حمودة، صاحب مكتب توصيل طلبات، يفكر في تقليص عدد الدراجات النارية في ظل ضعف الإقبال على الطلبات. لكن تفشي كورونا دفعه إلى الاستعانة بعشرين شخصا يعملون نحو 14 ساعة يومياً على دراجات نارية يملك المكتب خمسا منها. ويقول إنه يحتاج يومياً إلى علبة كمامات وزجاجتين من المعقمات ومواد منظفة للدراجات.
معظم العاملين لدى حمودة خريجون جامعيون لم يحصلوا على فرصة عمل من قبل، عشرة منهم متزوجون ولديهم أطفال. حالياً، يعملون ساعات طويلة ويتنقلون بين مختلف المناطق في غزة والشوارع الضيقة. ويُلاحظ أن معظم الطلبات تتركز على تأمين الطعام والخضار، إذ يخشى الأهالي التنقل بسبب كورونا.
ويقول حمودة إنّ "غزة مدينة مليئة بالتناقضات؛ نسعى من جهة إلى توفير فرص عمل إضافية للشباب العاملين في مجال توصيل الطلبات، ولا نريد أن يؤدي الأمر إلى انتشار الفيروس وتعطّل باقي المهن من جهة أخرى. وفي مدينة غزة 15 مكتب "ديلفري" يعتمد أصحابها على الدراجات النارية، وتوفر عملاً لما لا يقلّ حالياً عن 500 عامل، يعملون في الوقت الحالي إما لحساب مكتب أو لدى المطاعم. لكن في جميع الأحوال، يعد هذا إيجابياً إذ يمنح فرص عمل للشباب".
إلى ذلك، يعمل الشقيقان نادر (25 عاماً) وإيهاب (23 عاماً) مسعود في مكتب "دليفري" وسط مدينة غزة، على الرغم من إقامتهما داخل منطقة الشيخ رضوان، وهي من المناطق التي صنفتها وزارة الصحة بالحمراء في ظل ارتفاع نسب الإصابة بفيروس كورونا فيها لأكثر من 250. استعان نادر بدراجة والده النارية، فيما يعمل شقيقه إيهاب (23 عاماً) على دراجة نارية يملكها صديقه، على أن يتقاسما الأرباح معاً، بعد دفع النسبة المتفق عليها لصاحب المكتب.
يقول إيهاب لـ "العربي الجديد": "درست التمريض فيما تخصص شقيقي نادر في الهندسة، من دون أن نجد عملاً. ولأننا نحبّ الدراجات النارية، عرض علينا العمل في مكتب لتوصيل الطلبات، علماً أن الطلب كبير في الوقت الحالي. لذلك، بدأت العمل وشقيقي مستفيدين من الظروف الحالية. ونحرص كثيراً على اتباع إجراءات السلامة والوقاية وعدم الاقتراب من أحد". من جهته، يقول نادر إن نصف الطلبات هي لجلب الخضار والفاكهة وبعض اللوازم المنزلية من البقالة، أو وجبات طعام جاهزة من المطاعم، إضافة إلى الأدوية وبعض الأدوات الصحية والمعقمات، وأحياناً نقل بعض الأغراض المنزلية لأقارب الزبائن. ويتابع: "نواجه صعوبة عند التنقل في مخيمات قطاع غزة وبعض المناطق الحمراء. حتى أن عائلاتنا تشعر بالخوف علينا وإن كنا نلتزم باجراءات الوقاية. هناك تسهيلات من الحواجز التي تشرف عليها الشرطة في غزة. وحتى في حال شنت إسرائيل حرباً على القطاع، سنستمر في العمل".