"قرنقعوه" قطر... توطيد العلاقات الاجتماعية بين الأطفال والجيران
أسامة سعد الدين
- تهدف الاحتفالية إلى تعزيز المودة والألفة بين الأجيال، وتشجيع الأطفال على الصيام، مع الحفاظ على العادات القطرية وتعزيز التكافل الاجتماعي.
- تطورت "القرنقعوه" من احتفالات محلية إلى مهرجانات كبرى تشمل جميع أفراد المجتمع، مع جهود وزارة الثقافة القطرية للحفاظ على هذا الموروث وتعزيز الهوية الوطنية.
في منتصف شهر رمضان، يحيي أهل قطر ليلة "القرنقعوه"، مؤكدين تمسكهم بتراثهم وعاداتهم وموروثهم الشعبي، وتبدأ الطقوس بعد صلاة المغرب والإفطار الرمضاني، إذ يخرج الأطفال من منازلهم، ويطوفون على بيوت الحي "الفريج"، طالبين المكسرات وأصناف الحلويات التي يعدها الأهالي خصيصاً لهذه المناسبة.
ويزين هذا الطقس الرمضاني ترديد الأطفال المشاركين من الجنسين، والذين يرتدون الملابس التقليدية، الأهزوجة الشعبية التي تمجد كلماتها الجود والكرم، وتقول "قرنقعوه. قرقاعوه.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكّة يودّيكم.. يا مكّة يا المعمورة.. يا أمّ السلاسل والذهب يا نورة.. عطونا من مال الله.. يسلم لكم عبد الله، عطونا دحبة ميزان.. يسلم لكم عزيزان.. يا بنية يا الحبابة.. أبوكي مشرع بابه.. باب الكرم ما صكه.. ولا حط له بوابة".
ويهدف استمرار الاحتفال بـ"القرنقعوه" عبر الأجيال إلى تعريف الناشئة بعادات قطر المتوارثة، وقيمها الراسخة التي تبث روح المودة والألفة والمحبة، وتحافظ على مبادئ التآخي والتواصل والتعاضد.
وحول دلالات وأهداف هذا الاحتفال الرمضاني السنوي، يقول الباحث الشعبي خليفة السيد المالكي، لـ"العربي الجديد"، إن "القرنقعوه" عادة شعبية تراثية، وهي عبارة عن مكافأة للمسحر الذي اختفى دوره منذ زمن، والذي لا يتقاضى أجراً عن عمله، فيقصد في هذه الليلة بيوت "الفريج"، ليحصل على الأغراض التي جهزها له الأهالي، مثل الثوب أو الإزار أو الغترة أو العقال، إضافة إلى "القريضات"، وهي المكسرات الخاصة بـ"القرنقعوه"، وكانت قديماً تشمل الجوز و اللوز والفول السوداني والنخّي (الحمص المسلوق)، والتين المجفف، وحلويات "المقاريع" والملبّس و"التشاكليت" التي تشبه الشوكولا الطرية، فضلاً عن الشوكولا المعتادة.
يضيف المالكي: "هناك هدف آخر من القرنقعوه كعادة متوارثة، وهو تشجيع الأطفال على استمرار الصيام حتى نهاية الشهر، ومكافأتهم على صومهم نصف رمضان. بعد المغرب، يطرق الأطفال أبواب البيوت القريبة، وكل فتاة أو صبي منهم يحمل في عنقه (الخريطة)، وهو كيس يعلق في العنق، ويصنع عادة من القماش المطرز، بهدف ملأها بـ(القريضات) وغيرها من أنواع المكسرات والحلوى، وبعض الجدات والأمهات يضعن ضمن القريضات التي يوزعنها على الأطفال مبلغاً مالياً، ولا يكتشف الأطفال المال إلا بعد انتهاء جولتهم، وفتح الخريطة، فلا يعرفون من الذي وضع لهم الريالات".
وحول الفرق بين احتفال "القرنقعوه" حالياً وفي الماضي، يوضح الباحث الشعبي أنه "قديماً كان الأطفال يرتدون ملابس تقليدية، فالذكور يلبسون الثياب البيضاء الجديدة، ويرتدي بعضهم (السديري) المطرز، ويعتمرون فوق رؤوسهم (القحفية)، أما الفتيات فيرتدين فوق ملابسهن العادية (الثوب الزري)، وهو ثوب مطرز بخيوط ذهبية، ويضعن (البخنق) فوق رؤوسهن، ويتزينّ ببعض الحلي الخليجية، أما اليوم، فتنظم المهرجانات، أو يحتفل الأهل في البيوت، ويعزمون الجيران على موائد تحوي ما لذ وطاب من المأكل والمشرب، يزينونها بحلويات عصرية. قديما كان أهل الخور (شمال)، يحتفلون بالمناسبة نهاراً حرصاً على عيالهم، فتبدا الاحتفالات بعد العصر، وليس بعد المغرب، بسبب عدم وجود الكهرباء".
ولا يقتصر إحياء ليلة القرنقعوه على الأطفال والبيوت والفرجان، وإنما يمتد إلى الجهات العامة والخاصة، والمؤسسات والشركات والأندية، والتي تتفاعل مع المناسبة بطرق مختلفة من خلال مهرجانات وكرنفالات، وتأتي في مقدمتها المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا"، والأسواق والمجمعات التجارية، والمناطق السياحية، مثل جزيرة اللؤلؤة، وكورنيش الدوحة، وسوق واقف، وسوق الوكرة القديم، وتبدع كل مؤسسة أو جهة في توزيع سلال وأكياس "القرنقعوه" على الصغار من مختلف الجنسيات، لإدخال السرور والفرح على قلوب الأطفال.
وانطلقت مساء الاثنين، 18 مارس/ آذار، فعاليات "سوق القرنقعوه" التي تنظمها وزارة الثقافة القطرية في مقر "درب الساعي"، ويحاكي السوق أجواء "الفريج"، وهو الحي القطري القديم بتصاميمه المميزة التي تتماشى مع هذه المناسبة التراثية التي تعكس عراقة وأصالة التقاليد والعادات الراسخة في ذاكرة أبناء الوطن.
ويضم السوق 80 محلاً تعرض وتبيع مجموعة متنوعة من مستلزمات "القرنقعوه"، فضلاً عن المأكولات، وتشكيلة واسعة من البضائع، ويحظى بإقبال جماهيري لافت، كما تتضمن فعالياته مسابقة "القرنقعوه"، إلى جانب التفاصيل التراثية، مثل "المسحر"، و"الحناية"، و"حزاوي رمضان"، وفقرات من الألعاب الشعبية التراثية، بجانب فعالية "المطوع".
وتهدف وزارة الثقافة من خلال إقامة سوق "القرنقعوه" إلى تعزيز الهوية الوطنية، ومواكبة أجواء شهر رمضان، إضافة إلى المحافظة على الموروث والعادات والتقاليد القطرية، وتبث وسائل الإعلام المحلية، المرئية والمسموعة، مع انتهاء الثلث الأول من رمضان، أغنية "القرنقعوه" التي لحنها ملحن النشيد الوطني القطري الموسيقار عبد العزيز ناصر (1952- 2016)، وتعدد الأغنية الأماكن والمدن القطرية، من الوكرة والدوحة والخور والذخيرة والريان وغيرها.
وتعود تسمية "القرنقعوه" إلى وصف شهر الصوم باسم "قرة العين"، ويقال إنه بمرور الزمن تحورت الكلمة وصارت "قرنقعوه"، وإنها كناية عن قرع الأطفال للأبواب في تلك الليلة، كما يُعتقد أن أصولها ربما ترجع إلى تقليد الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وفقاً لبعض الكتب التاريخية.
ورغم كونها عادة تراثية قديمة، لا يزال القطريون، وجميع الخليجيين، متمسكين بإحيائها، ومع تطور الزمن أخذ الاحتفال بها طابعاً أكثر عصرية، وأصبحت الاحتفالية عادة تحرص المؤسسات الحكومية والخاصة على إحيائها. وتشترك دول الخليج في الاحتفال بانتصاف شهر رمضان، وفق الموروث الشعبي لكل بلد، وباختلاف المكان تختلف الأهازيج والمسميات، فتسمى الليلة في سلطنة عمان "القرنقشوه"، وفي الكويت والمنطقة الشرقية بالسعودية "القرقيعان".