قتل الأقارب... ظاهرة في ليبيا

15 مايو 2021
انتقام وقسوة في إيقاع الجريمة (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يبرز اليوم في المشهد الليبي العام نوع جديد من جرائم القتل يتمثّل في قتل الأقارب، وسط مطالب بإنزال أقصى العقوبات بمرتكبي هذا النوع من الجرائم التي تُعَد واحدة من نتائج الفوضى الأمنية في البلاد. ولم يمرّ أسبوع على إقدام شقيقَين على قتل شقيقهما وأسرته في مدينة كاباو غربي ليبيا، حتى استيقظت مدينة إجدابيا في الشرق على فاجعة أخرى أقدم في خلالها والد على قتل طفلته بغمرها بالماء الساخن بعد تعذيبها بالضرب.

وعلى خلفية الحادثة الأخيرة، أغلق عدد من المواطنين المحتجّين طرقات رئيسية في مدينة إجدابيا احتجاجاً على مقتل الطفلة رابحة خالد عبد الحميد على يد والدها، مطالبين بإنزال أقصى أنواع العقوبات في حقّه. ووفقاً لبيان صادر عن مديرية أمن إجدابيا، فقد أقدم الوالد بحسب اعترافاته على قتل طفلته البالغة من العمر ثلاثة أعوام من خلال وضعها في حوض ماء ساخن لمدةّ تقارب الساعة، بعدما عذّبها بالضرب قبل أن يتمّ إسعافها. أضاف بيان المديرية أنّ الطفلة التي وصلت إلى مستشفى المدينة وهي حيّة، كانت تعاني من حروق في كامل جسدها بنسبة 90 في المائة، ما أدّى إلى وفاتها.

وقبل أسبوع فقط، شهدت بلدة كاباو الجبلية، مقتل رجل وكامل أسرته بما في ذلك طفلان، على يد شقيقَيه، وذلك على خلفية شجار وخلافات حول عقار يعود للأسرة. وبعدما أعلنت مديرية أمن طرابلس القبض على الشقيقَين بالإضافة إلى شخص ثالث استعانا به لارتكاب الجريمة، عرضت المديرية عبر صفحتها الرسمية اعترافاتهم جميعاً بتفاصيل الحادثة، ما دفع عشرات المواطنين إلى التجمّع في ساحة ميدان الشهداء في العاصمة طرابلس للمطالبة بضرورة إنزال أقصى العقوبات في حقّهم.

وبعد تداول خبر الحادثة وانشغال الرأي العام في بلدة كاباو بها، طالب المجلس الأعلى للدولة في ليبيا السلطات القضائية بضرورة محاكمة الجناة ومعاقبتهم، إذ رأى في بيان أنّ الحادثة التي وُصفت بـ"البشعة" من الظواهر الغريبة عن الليبيين. وقد أكّد المجلس الأعلى أنّه عازم على متابعة الواقعة، لكنّ الناشط المدني الليبي عقيلة الأطرش يعدّ البيان "مجرّد حبر على ورق، لإيهام الرأي العام بأنّ سلطات البلاد حاضرة وتتابع". ويتساءل الأطرش في حديث إلى "العربي الجديد"، عن "موقف المجلس الأعلى من حادثة إجدابيا"، قائلاً إنّ "الجرائم في ازدياد ومظاهرها باتت تأتي بأشكال جديدة، إذ إنّ البلاد لم تعرف قتل الأقارب من قبل".

وفي جنوب ليبيا، ناشد أهالي سبها السلطات في البلاد بضرورة "التدخل السريع" لحمايتهم من سطوة العصابات التي نشرت الجريمة، مؤكدين في بيان لهم أصدروه أخيراً أنّ "أعداد الضحايا المتزايدة لجرائم القتل التي تُسجَّل كل يوم في مدينة سبها، هي أكثر بكثير من ضحايا وباء كورونا".

وفي متابعة لهذه الجرائم التي تُصنَّف ظاهرة، عبّرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا (أهلية)، عن إدانتها مقتل الطفلة رابحة وكذلك مقتل أسرة بكاملها في كاباو، لافتة إلى أنّ هذه الحوادث تأتي كذلك في ظلّ تفلّت أمني وانتشار للسلاح وإفلات من العقاب. وقد عبّرت اللجنة عن تطلعها إلى دور فاعل للجهات الأمنية والقضائية بالقصاص العادل من الجناة، في حين أكدت أنّ التساهل مع العنف الأسري الذي يستهدف الأطفال والنساء يساهم في تكرار مثل هذه الجرائم البشعة والتي تمثّل صدمة للمجتمع الليبي.

وفي سياق متصل، يدعو أستاذ علم الاجتماع الليبي عبد العزيز الأوجلي إلى "تكثيف دراسة الظاهرة والبحث عن أسبابها"، مع إقراره بصعوبتها لارتباطها بنتائج حالة الاحتراب التي شهدتها البلاد طيلة عقد من الزمن. ويشير الأوجلي لـ"العربي الجديد" إلى "قاسم مشترك بين هذه الحوادث ويتمثّل في حالة الانتقام والقسوة في إيقاع الجريمة، إمّا بواسطة الحرق أو الانتقام من كامل الأسرة"، شارحاً أنّه "شكل جديد لم يُعرف في الجرائم السابقة المنتشرة على نطاق واسع منذ أعوام". ويرجّح الأوجلي أن تكون "أسباب ظهور هذا الشكل الجديد من جرائم القتل متعلّقة بآثار الحرب وما تنتجه من تفسّخ أسري واضطرابات نفسية وعوامل اقتصادية خلقت حالة من عدم التوازن الأسري والاجتماعي"، مؤكداً "ضرورة إعادة الروادع الاجتماعية التي شكّلت سداً منيعاً لحصانة المجتمع في السابق، من قبيل هذه الجرائم".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويذكّر الأوجلي بحادثة شبيهة أقدم في خلالها شقيق على قتل شقيقته أمام أحد الأسواق في طرابلس، فحرقها وترك جثتها ملقاة في الشارع في مجاهرة كبيرة بالجريمة والانفلات، معيداً الأسباب إلى "تراجع أهمية الحاضنة الأسرية والاجتماعية". تجدر الإشارة إلى أنّ مديرية أمن طرابلس كانت قد أعلنت في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، عن إلقاء القبض على شاب أقدم على قتل شقيقته ورفيقتها أمام أحد المحال التجارية الكبيرة في وسط طرابلس، قبل أن يقدم على حرقها. وأشارت إلى أنّه برّر جريمته بوجود خلافات بينه وبينها.

المساهمون