بعد إعلان ولاية كيرلا، جنوب الهند، وفاة شخصين من جراء إصابتهما بفيروس نيباه (Nipah)، بدأت السلطات تعزيز التدابير الطبية بهدف رصد أي إصابات جديدة خشية انتشار الفيروس، وعمدت إلى إغلاق المدارس والمكاتب في منطقة كوزيكود (تتبع ولاية كيرلا)، حيث تفشى المرض، كما أنشأت مناطق احتواء في المنطقة، بالإضافة إلى إخضاع 76 شخصاً كانوا على اتصال بالمصابين عن كثب للرقابة.
وفيروس نيباه ليس جديد الظهور في الهند. ويعد تفشي الفيروس هو الرابع في ولاية كيرلا. وكان عام 2018 الأكثر فتكاً، إذ سجلت 18 حالة مؤكدة مخبرياً وخمس حالات مشتبه بها، وتوفي 17 مصاباً. في هذا السياق، عادت المخاوف لدى المواطنين والسلطات في الهند. إلا أن منظمة الصحة العالمية أعلنت الثلاثاء الماضي أنّه لم يتم اكتشاف حالات إصابة جديدة بالفيروس منذ 15 سبتمبر الماضي في كيرلا.
ما هو فيروس نيباه؟
أدرجت منظمة الصحة العالمية فيروس نيباه مع فيروسات إيبولا وزيكا وكوفيد-19 على قائمة الأمراض العديدة التي يجدر أن تحظى بأولوية في مجال البحوث العلمية نظراً لقدرتها على التسبب في حدوث وباء عالمي. وتنتج عدوى فيروس نيباه عن الإصابة بـ"مرض مصدره الحيوان" وينتقل إلى البشر عن طريق حيوانات مثل الخنازير وخفافيش الفاكهة، بحسب منظمة الصحة العالمية. كما يمكن أن ينتقل المرض عن طريق أطعمة ملوثة أو عن طريق التعامل مباشرة مع شخص مصاب.
وتحدث حالات تفشي المرض سنوياً تقريباً في مناطق في قارة آسيا، لا سيما في بنغلادش والهند.
ويعد فيروس نيباه من الفيروسات الحديثة نسبياً، وظهر لأول مرة في عام 1998 بين مربي خنازير في ماليزيا وسنغافورة. وحمل اسم القرية التي اكتشف فيها. وتشير الدراسات إلى أنه لم يكن واضحاً سبب بدء الخنازير في نقل العدوى، ثم تبين أن الخفافيش حملت هذا الفيروس من الخنازير ونقلتها إلى الإنسان.
وتفيد دراسة أجريت على نحو 248 حالة إصابة بفيروس نيباه بأن حوالي ثلث هذه الحالات أصيبت بالعدوى من الإنسان، ما يعني إمكانية أن ينتقل الفيروس من شخص إلى آخر. لذلك، يخشى العلماء من ظهور سلالة متحورة شديدة العدوى من الخفافيش.
وعلى الرغم من أن فيروس نيباه يسبب عدوى مميتة، إلا أنه ما من دليل على أنه يحتمل أن ينتشر على نطاق واسع خارج المناطق التي يتلامس فيها الناس أو مواشيهم مع الخفافيش المصابة.
ويقول الطبيب المتخصص بالأمراض الجرثومية يوسف رحال، لـ"العربي الجديد": "نيباه من الفيروسات التي تنتشر في بعض المناطق في جنوب آسيا، وما من أي سبب علمي لانتشاره في تلك المنطقة. لكن من غير المستبعد أن يظهر في أماكن أخرى". يضيف: "يعدّ فيروس نيباه من الفيروسات ذات المنشأ الحيواني، ما يعني أنه ينتشر بين الحيوانات، وأظهرت الدراسات أن الفيروس ينتقل عبر الخفافيش".
وتتشابه أعراض الإصابة بالفيروس مع العديد من الفيروسات ذات المنشأ الحيواني، على غرار ارتفاع درجات الحرارة. إلا أن الجانب الأخطر في فيروس نيبياه أنه يتسبب في حصول تورم في الدماغ، ما قد يؤدي إلى الوفاة. وبحسب مجلة "The Nature" الطبية، أدى تفشي المرض منذ ظهوره إلى تسجيل حوالي 300 حالة إصابة وأكثر من 100 حالة وفاة، في حين تم الإبلاغ عن أكثر من 600 حالة إصابة بشرية بين عامي 1998 و2015، وفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية.
انتقال الفيروس؟
تثار علامات استفهام حول كيفية انتقال الفيروس من الخفافيش إلى الإنسان، ومدى إمكانية أن ينتقل الفيروس من إنسان إلى آخر. ويقول أخصائي أمراض الدم كمال الزين لـ"العربي الجديد": "يمكن لفيروس نيباه أن ينتقل من شخص إلى آخر، وعادة ما تفرض بروتوكولات منظمة الصحة العالمية ضرورة عزل المناطق التي يثبت احتوائها على الفيروس، بسبب انتقاله من شخص إلى آخر". يضيف: "ينتقل الفيروس من خلال الاتصال المباشر بإفرازات المصاب، سواء من خلال البول، الدم، أو حتى من سيلان الأنف أو اللعاب. لذلك، فإنه بمجرد تأكيد الإصابة، يعزل المريض عن محيطه العائلي ويخضع للعناية الطبية".
ويشير الزين إلى أنه ما من بيانات واضحة حول كيفية انتقال الفيروس من الخفافيش وتحديداً خفافيش الفاكهة، والتي تنتمي إلى عائلة Pteropodidae. إلا أنه من المرجح أن السوائل التي تخرج من هذه الخفافيش المريضة والتي تلامس أنواعاً معينة من الفاكهة تؤدي إلى انتقال الفيروس. لذلك، يطالب الأطباء بضرورة اتباع الإجراءات التي وضعت خلال فترة وباء كورونا، والتي تتعلق بغسل الفاكهة جيداً وتعقيمها.
وتفيد الأستاذة المساعدة في الهندسة الجزيئية بجامعة "صان شاين كوست" جوان ماكدونالد، لصحيفة الغارديان البريطانية، بأن "مجرد تبول الخفافيش المصابة بالمرض التي تجلس على قمم الأشجار على الفاكهة، ينتقل الفيروس ويصاب الأشخاص الذين يتناولون الفاكهة بالفيروس".
وبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، تم تأكيد انتقال الفيروس من إنسان إلى آخر. فبين عامي 2001 و2008، فإن ما يقرب من نصف الحالات المبلغ عنها في بنغلادش على سبيل المثال، جاءت بسبب انتقال العدوى من إنسان إلى آخر نتيجة للعاملين الذين يقدمون الرعاية للمرضى المصابين، وهو ما دفع المنظمة إلى إدراجه على قائمة التهديدات الوبائية التي تحتاج إلى بحث وتطوير عاجل.
عوارض مختلفة
لا تختلف عوارض الإصابة بفيروس نيباه عن الإصابة بأي فيروس آخر ذي منشأ حيواني. وبحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركية، تبدأ العوارض عادة على شكل حمى وصداع، وألم في العضلات والقيء والتهاب الحلق. ويمكن أن تتبع ذلك دوخة، نعاس، تغير في مستوى الوعي، وأعراض عصبية تشير إلى التهاب المخ الحاد.
كما يعاني بعض الأشخاص، على الأرجح، من التهاب رئوي غير نمطي ومشاكل تنفسية حادة، من بينها ضيق التنفس الحاد، ويحدث التهاب في المخ ونوبات في حالات الإصابة الشديدة، تتطور إلى الغيبوبة خلال 24 إلى 48 ساعة.
وقد تحدث الوفاة لدى ما يقارب 40-75 في المائة من الحالات. ولوحظت آثار جانبية طويلة المدى لدى الناجين من عدوى فيروس نيباه، بما في ذلك التشنجات المستمرة وتغيرات في الشخصية.
ماذا عن العلاجات؟
يقول رحال إنه لا يوجد أي لقاح ضد هذا الفيروس، ولا حتى علاج للمرضى. وعادة ما تكون العلاجات عبارة عن تناول بعض أدوية الأجسام المضادة، وخافض للحرارة، وغيرها، كما يتوجب على المريض أن يرتاح. وبحسب مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يمكن تناول مضادات الفيروسات على غرار "ريمديسيفير"، إذ أظهر قدرة على العلاج الوقائي بعد التعرض للفيروس، وقد يكون مكملاً للعلاجات المناعية. كما تم استخدام عقار ريبافيرين لعلاج عدد قليل من المرضى في ماليزيا.
ماذا حدث خلال الفاشيات السابقة؟
أدى تفشي فيروس نيباه لأول مرة عام 1998 إلى إصابة ما يقرب من 300 شخص في ماليزيا، ما أسفر عن وفاة أكثر من 100 شخص، ودفع إلى إعدام مليون خنزير في محاولة لاحتواء الفيروس، بحسب ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية. وانتشر المرض أيضاً في سنغافورة، وتم تسجيل ما لا يقل عن 11 حالة إصابة ووفاة واحدة بين عمال المسالخ الذين كانوا على اتصال بخنازير مستوردة من ماليزيا.
ومنذ ذلك الحين، تم تسجيل المرض بشكل رئيسي في بنغلادش والهند. وأبلغ كل من البلدين عن أول ظهور عام 2001. وتحملت بنغلادش العبء الأكبر خلال السنوات الأخيرة، وتوفي أكثر من 100 شخص بسبب فيروس نيباه منذ عام 2001. وأدى تفشي المرض في الهند إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً قبل السيطرة عليه.
وتضاعفت الأمراض الحيوانية المصدر، تلك التي يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر، خلال السنوات الماضية. وبحسب صحيفة الغارديان، فمن غير المستبعد أن هناك عوامل عديدة تلعب دوراً في ذلك، إذ تزيد الزراعة الصناعية من خطر انتشار مسببات الأمراض بين الحيوانات بينما تؤدي إزالة الغابات إلى زيادة الاتصال بين الحياة البرية والحيوانات الأليفة والبشر. كما حذر العلماء من أن أزمة المناخ تزيد خطر انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ، ومن المتوقع حدوث 15 ألف حالة من الفيروسات التي تنتقل بين الأنواع على مدى الخمسين عاماً المقبلة.