جرت العادة أن تتولّى الأمهات ترتيب منازلهن وشراء ملابس العيد لأطفالهن وإعداد الكعك والحلويات والقهوة صبيحة العيد، والتحضير لاستقبال الأهل والأقارب. إلّا أنّ أجواء العيد هذه لا تعيشها جميع الأمهات، على غرار الممرّضات منهن، اللواتي لا يستطعن ترك المرضى لقضاء العيد مع عائلاتهن.
زيّنت القابلة القانونية أنوار منيزل (30 عاماً)، وهي أمّ لسارة (ثلاثة أعوام)، قسم الولادة في أحد المستشفيات الخاصة في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، حيث تعمل، بالبالونات، لتشعر بفرحة العيد نظراً لغيابها عن المنزل خلال أيام عيد الأضحى. تقول لـ"العربي الجديد": "جئتُ للعمل تاركة زوجي وطفلتي نائمين. اشتريت كعك العيد لزميلاتي في القسم"، مشيرة إلى أن زوجها متفهم لطبيعة عملها، وقد اعتادت ابنتها على ذلك.
واعتادت منيزل على العمل في العيد وقد تركت ابنتها مع زوجها. لكن الممرضة جيهان عاصي (25 عاماً)، وهي أم ليوسف (عام واحد)، فلا تستطيع الاستعانة بزوجها الذي يعمل في مختبر في المستشفى نفسه. تقول لـ"العربي الجديد": "تركنا طفلنا لدى شقيقتي، وقد يكون من الصعب فعل ذلك خلال العيد، لكن هذا ما تتطلبه مهنة التمريض، وآمل أن يعوض الله جميع الأمهات وخصوصاً العاملات والممرضات".
بدورها، تحكي الممرّضة أميمة شحادة (34 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، عن تفهّم زوجها لطبيعة عملها، علماً أنّ هذا ليس العيد الأول الذي تقضيه في عملها في مستشفى خاص وسط مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، منذ 12 عاماً، وتقول لـ"العربي الجديد": "ما يهوّن علي غيابي عن أطفالي الثلاثة في العيد هو عشقي الحقيقي لعملي في مهنة التمريض، وإن كان يُحزنني فعلاً غيابي عن أطفالي". وتشير إلى أنّهم "هذا العام بكوا ولأول مرة بهذه الحرقة، لأنني لن أكون معهم في كل أيام العيد، وخصوصاً أنني عادة ما أجعل أجواء العيد مختلفة، وأرتب لهم ملابسهم".
انطلقت شحادة إلى عملها عند الساعة الخامسة صباحاً أي قبل استيقاظ أبنائها، بعدما حضّرت لهم ملابس العيد. تقول متأثرة: "قبّلتهم قبل أن أخرج للعمل وهم نيام. أحمد الله أن زوجي يبذل جهداً في غيابي ليفرحوا بالعيد. لكن ما في اليد حيلة. هو عملي الذي أحب. ولو عادت بي الأيام إلى الوراء لاخترت مهنة التمريض مجدداً. وهنا في المستشفى، يشجعنا المسؤولون ويتفقدون حالنا في العمل ويمنحوننا التقدير".
تعوض معايدات المرضى ومرافقيهم للممرضات غيابهن عن عائلاتهن في العيد. تقول شحادة: "تبادلت والمرضى ومرافقيهم عبارات التهاني بالعيد. يسعدني اهتمامهم بنا كممرضات، فهذه لفتة جميلة منهم تخفف عني، وخصوصاً أن غالبية أيام العيد منذ سنوات أقضيها في العمل".
وكما تُقدّم الأمّ رماح الخطيب (33 عاماً)، الكثير لأطفالها، تهتمّ بأطفالها المرضى في المستشفى. تعمل في قسم الأطفال الخدج، وتهتم بالأطفال الموضوعين في الحضانات، وكأنهم أطفالها. قضت ساعات العيد الأولى مع أطفالها على عجل، كما واجهت امتعاضهم بسبب غيابها عنهم باقي ساعات اليوم.
تقول الخطيب، التي تعمل في مهنة التمريض منذ تسع سنوات، لـ"العربي الجديد": "هؤلاء الأطفال الخدج لا يجيدون التعبير عن حاجاتهم. بالطبع سأعتني بهم بكل حُب. وعندما أعلمت أطفالي باضطراري إلى العمل، حزنوا. لكنني صنعت لهم كعك العيد وعايدتهم قبل أن أتوجه إلى العمل في المستشفى عند ساعات الظهيرة. وغالباً ما أقضي عيداً في العمل والعيد الآخر في المنزل. في النهاية، هذا عملي الذي يحتم علي العمل حتى في العيد كبقية الممرضات سواء كانوا أمهات أو لا".
يعدّ قسم الولادة والخدج في المستشفيات من الأقسام الأساسية. لذلك، من الصعب على إدارات المستشفيات تجاوز مسألة الغياب الكامل والدائم لهؤلاء الممرضات، وحتى المتزوجات خلال فترة العيد أو المناسبات. لكن غالبية الحلول الوسط تبدأ بسؤال الممرضات الأمهات عن إمكانية الدوام من عدمه، أو جعل بعض المناوبات قصيرة، لتقضي الأم بضع ساعات في العمل وأُخرى مع عائلتها، بالإضافة إلى إعفاء من يداومن في عيد الفطر من الدوام في عيد الأضحى والعكس.
في هذا السياق، يؤكد أحد المشرفين في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة البيرة، وسط الضفة الغربية، هو فهيم علي، لـ"العربي الجديد"، أنه "يجب أن يكون الممرضون والممرضات موجودين في المستشفيات خلال المناسبات والأعياد، لأن الطواقم الطبية بشكل عام هي خط الدفاع الأول لخدمة الناس والمرضى. لكن ما نستطيع فعله هو خلق توازن لصالح الأمهات. فمن تداوم في هذا العيد تُعفى من الدوام في العيد المقبل. كما نتفهم إعفاء بعض الأمهات اللواتي لا يقدرن على العمل أيام العيد لظروف معينة. لكن بشكل عام، لا بد من العمل أيام العيد، وهن دائماً ما يلبين نداء المهنة ونقدر لهن ذلك".
في مستشفى آخر متخصص بالتوليد في مدينة البيرة، لا يبدو على الممرضة العزباء الوحيدة سهى تعمري (23 عاماً)، أي استياء من جراء العمل في العيد، وقد منحت زميلاتها الأمهات قضاء إجازة العيد مع أطفالهن. تقول تعمري لـ"العربي الجديد": "لا يوجد ضغط عمل في أيام العيد عموماً في المستشفى، وفي حال ارتأت الإدارة أن أكون على رأس العمل عوضاً عن زميلاتي الأمهات فلا بأس، ولا أشعر بغضب من جراء دوامي. من الجيّد مساندة زميلاتي الأمهات في العيد ومنحهن عيداً جيداً بصحبة أطفالهن".