استمع إلى الملخص
- **صعوبة الحياة اليومية والتواصل**: يعاني المهجرون من انعدام الكهرباء وصعوبة شحن الهواتف، مما يعقد التواصل ويصعب تنبيه بعضهم إلى الأماكن الخطيرة، ويواجهون صعوبة في الحصول على المساعدات الغذائية.
- **التهجير المتكرر وصمود الأهالي**: تعيش العائلات حالة نزوح متكرر بسبب القصف، ويرفض العديد منهم الانتقال إلى جنوب القطاع تعبيراً عن صمودهم ورغبتهم في البقاء على أرضهم.
تتفاقم معاناة أهالي شمال قطاع غزة، في ظل الاستهداف الإسرائيلي المتواصل كل التجمعات البشرية، ما يدفعهم إلى الابتعاد عن المدارس أو أية تجمعات، واللجوء إلى المباني المدمرة وسط خوف وجوع.
يعيش سكان المنطقة الشمالية المحاصرة في قطاع غزّة حالة تأهب في ظلّ الحاجة إلى الهرب المستمر، وسط انعدام الأمان، بعدما صنّف جيش الاحتلال الإسرائيلي المنطقة بالكامل منطقة قتال، ليُحاصر الأهالي في منطقة غرب مدينة غزّة. ويلاحق القصف المتواصل أحياء تضم نازحين في منازل مدمرة عند أطراف منطقة غرب مدينة غزّة ومدارس الإيواء.
توسع القصف الإسرائيلي في المنطقة الشمالية ليطاول مدارس المهجرين، وقد استهدف أخيراً مدرسة الفلاح في منطقة عسقولة شرق مدينة غزّة، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، والتي تضم قرابة 2500 مهجر من مختلف مناطق القطاع، ما أسفر عن سقوط ثلاثة شهداء وأكثر من 35 جريحاً، وهرب المهجرون من المدرسة إلى الشوارع حيث قضوا ليلهم.
القصف على مدرسة الفلاح كان الثالث الذي استهدف مدارس في المنطقة الشمالية خلال أسبوع واحد، وتلا استهداف مدرسة ذكور صلاح الدين الواقعة في حي الرمال يوم 16 يوليو/تموز الجاري، ثم مدرسة القاهرة الحكومية في الحي نفسه وسط مدينة غزّة في 17 من الشهر الجاري.
وأصبح الغزّيون في المنطقة يبتعدون عن المدارس أو حتى التجمعات القريبة منها في محاولة لتجنب الاستهدافات الإسرائيلية، وصاروا يتوجهون إلى الشوارع والمنازل الآيلة إلى السقوط والمدمرة جزئياً، في ظل منع وصول الخيام إلى الشمال وعدم وجود منطقة آمنة، في الوقت الذي رفض فيه كثيرون الانتقال إلى جنوب قطاع غزّة رفضاً لترك الأرض وتعبيراً عن صمودهم.
نجا فادي فلفل من القصف الإسرائيلي على مدرسة الفلاح في منطقة عسقولة القريبة من حي الزيتون حيث يقيم وعائلته، هو الذي كان يقف على بعد عشرات الأمتار من الاستهداف، حاملاً طفلته التي سقطت من بين يديه وأصيبت برأسها ويدها جرّاء القصف، وعولجت في مستشفى المعمداني وهو يحملها والدماء تسيل عليه، ثم عاد لأخذ زوجته وأبنائه للمبيت في الشارع قبل الانتقال إلى منزل شبه مدمر للإقامة فيه مؤقتاً.
لم تحصل العائلات في شمال قطاع غزة على أية خيام منذ نحو 6 أشهر
يشير فلفل إلى سقوط حوالي مائة شهيد من عائلته منذ بدء العدوان، عدا عن المفقودين والمعتقلين، من بينهم شقيقه، أثناء اقتحام الحي في مارس/آذار الماضي. ويرفض عدد كبير التوجه إلى جنوب القطاع رغم تدمير منازلهم في حي الزيتون، أحد أكثر الأحياء التي تعرضت للإبادة. يقول فلفل لـ"العربي الجديد": "الناس في غزّة محاصرون من كل الجهات، عدد كبير من الذين نزحوا اعتقلوا عند الحواجز الإسرائيلية في منطقة نيتساريم، على الرغم من أن الاحتلال كان يعلن أن الطرقات التي سلكت آمنة، بالإضافة إلى عدم اعتقال الغزيين المتوجهين جنوباً. رفضتُ وكثيرين التهجير، كنا نبتعد عن القصف مئات الأمتار حتى نبقى قرب الأرض. حتى لو أصبحت رماداً، نريد البقاء هنا". يضيف: "نعيش مع أصوات القصف الإسرائيلي المفاجئ. وخلال الشهر الأخير، يعاني جميع الناس في المنطقة. فضلاً عن الجوع والعطش ونقص الأدوية، يحاولون الابتعاد عن التجمعات، بالإضافة إلى عدم تشكيل تجمعات في الشوارع والمدارس خشية قصفها، إذ يرغب الاحتلال في ارتكاب مجازر جماعية. أصبحنا نبتعد عن كل تجمع رغم حاجتنا الماسة إلى البقاء مع بعضنا والشعور بالأمان الجماعي".
يعيش المهجرون في المنطقة الشمالية إذاً، حالة من الترقب الدائم لأصوات الانفجارات في ظل انعدام الكهرباء وصعوبة شحن البطاريات لشحن هواتفهم، في ظل وجود ألواح قليلة من الطاقة الشمسية. أمر يُصعِّب إجراء الاتصالات، عدا عن تدمير الكثير من شبكات الاتصال في المنطقة. وكلما وقعت مجزرة في المنطقة، تحاول العائلات في المنطقة الجنوبية الاتصال للاطمئنان على من بقي من أفرادها وذويها في الشمال، من دون أن تتمكن من ذلك بسبب ضعف الشبكة وقلة الإمكانيات. ويصعب التواصل بين الأهالي في المنطقة الشمالية، هم الذين يحاولون تنبيه بعضهم إلى عدم الاقتراب من الأماكن الخطيرة أو التي تشهد قصفاً إسرائيلياً. ويصعب عليهم تناقل أخبار وصول المساعدات الغذائية، رغم قلتها".
يُقيم عدد كبير من المهجرين من المناطق الشرقية وشمال القطاع في منازل آيلة إلى السقوط في منطقة غرب مدينة غزّة، وتحديداً في أطراف حي الرمال من الاتجاه الغربي وحي النصر ومخيم الشاطئ وحي الشيخ رضوان، وهي آخر المناطق التي هجروا إليها. وأصبح عدد كبير يتبع نظاماً يومياً يتضمن التناوب على النوم ليلاً خشية حصول أي قصف مفاجئ، لضمان القدرة على إخلاء المكان بسرعة.
اعتادت العائلات في غزّة التنقل من منطقة إلى أخرى. ولدى الوصول، توضع الفرش والملابس في الخيام أو المدارس أو منازل الأقارب مؤقتاً. لكن مؤخراً، أصبحت العائلات تربط الأكياس التي تضم حاجياتها ولا تفرغها لأنها تتوقع النزوح في أية لحظة، في ظل القصف الإسرائيلي المستمر، كما تقول حليمة الريان (58 سنة). وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد": "نزحنا خلال الشهر الأخير خمس مرات، بعد تدمير أجزاء من حي التفاح شرقي مدينة غزّة، ثم إلى مدارس المدينة التي شهدت قصفاً إسرائيلياً بالإضافة إلى محيطها، وغيرها. نحن الآن في منطقة قريبة من ميناء غزّة، نعيش في منزل مدمر فيه غرفة يبدو أنها لحارس المنزل. حولنا دمار ولا شيء غير رائحة البارود". تضيف: "نعيش حياة لا تشبه حياة البشر. حتى الحيوانات يمكن أن تصنع جحوراً تتخذ منها مساكن آمنة. لكننا نلاحق في كل مكان بهدف قتلنا. خلال نزوحي المتكرر، لم نلاحظ وجود خطر أو أي رجل عسكري أو أي شخص يحمل سلاحاً أو رصاصة واحدة. مع ذلك، نحن هدف للاحتلال الإسرائيلي الذي يرغب في قتلنا. على الرغم من ذلك، فإن صمودنا في المنطقة يمنعه من احتلال قطاع غزّة بالكامل".
لم تحصل العائلات في شمال قطاع غزّة على خيام منذ حوالي ستة أشهر، في ظل غياب أي دور لمؤسسات دولية في تلك المنطقة، من بينها "أونروا" التي أعلنت أنها خارجة عن الخدمة في المنطقة الشمالية، وبالكاد تدخل مساعدات غذائية محدودة لا تكفي المهجرين. كما أن الاحتلال الإسرائيلي هو من يصدر الأوامر بإدخال المساعدات الغذائية إلى المنطقة الشمالية، ويمنع إدخال الخيام إلى المنطقة حتى لا تكون هناك تجمعات، رغبة منه في استمرار تنفيذ عملياته العسكرية في المنطقة. وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، لا يزال الاحتلال يمنع المساعدات عن المنطقة الشمالية التي تعيش كارثة إنسانية، بما فيها الخيام والمواد الطبية والأدوية، وسط مطالبة بإخلاء المنطقة في مقابل تصميم العائلات على البقاء فيها، وخصوصاً بعد ندم الكثير من المهجرين في جنوب القطاع على تركم المنطقة الشمالية.
من جهته، نزح مصطفى أبو مراد أكثر من عشر مرات من منزله في مخيم جباليا، وهو موجود في إحدى الخيام التي صنعها من خلال جمع بعض الأقمشة من بين ركام المنازل المدمرة. يشعر بحزن كبير لأنه جمع الكثير منها وهي تعود لعائلات غزّية ربما أصبح بعض أفرادها شهداء تحت الأنقاض. يقول لـ "العربي الجديد": "الخيمة التي صنعتها رديئة جداً. لكن أعلم أنها مرحلة مؤقتة. إما الموت جرّاء القصف أو الجوع أو المرض أو البقاء على قيد الحياة. أعيش وعائلتي ضغطاً نفسياً كبيراً. نهرب من منطقة إلى أخرى. نشعر أننا ملاحقون كأننا في فيلم بوليسي، حيث يريد رجال الأمن قتلنا بأي ثمن، كما لو أننا ارتكبنا جريمة كبيرة، علماً أننا نحاول الصمود في أرضنا".