اليمن: فقراء يموتون بالتدافع على الصدقات الزهيدة

صنعاء

ياسر حميد

avata
ياسر حميد
ياسر حميد
20 ابريل 2023
مأساة في صنعاء عشية العيد.. 85 قتيلاً جراء تدافع خلال توزيع مساعدات
+ الخط -

فاجعة جديدة نكأت الجُرح في العاصمة اليمنية صنعاء، بوفاة نحو 85 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات، في حادث تدافع حشود من المواطنين أمام أحد المراكز للحصول على مساعدات مالية زهيدة تُوزّعها إحدى المؤسسات التجارية على المحتاجين والفقراء قبل حلول عيد الفطر.

ووقعت الحادثة المأساوية في حدود الساعة الثامنة من مساء الأربعاء، بعد أن تجمّع حشود من المواطنين في مدرسة حكومية بمنطقة باب اليمن وسط العاصمة صنعاء، استخدمها أحد التجار نقطة لتوزيع المعونات المادية بشكل عشوائي. وبعد الحادث طوّقت الشرطة المكان، ومنعت من الاقتراب منه حتى صباح الخميس.

وبلغت الحصيلة النهائية لحادثة التدافع 85 قتيلاً فيما أصيب أكثر من 322 آخرون بجروح بينهم 50 في حالة حرجة، وفق تصريحات مسؤول أمني حوثي لوكالة فرانس برس، فيما ذكرت سلطات الحوثيين أنّ 78 توفوا و77 أصيبوا بجروح بينهم 13 حالتهم حرجة وصلوا إلى مستشفى "الثورة" الحكومي. وأوضح بيان لوزارة الصحة بصنعاء التابعة للحوثيين، أنّ الكثير من حالات الإصابة عانت من كدمات ورضوض وعوز أكسجين غادرت المستشفى بعد تلقيها الرعاية الطبية.

وأفادت مصادر طبية وشهود عيان "العربي الجديد"، بأنّ من بين الضحايا أطفالاً ونساء، مشيرة إلى أنّ مستشفى "الثورة" الحكومي القريب من موقع الحادثة، امتلأ بجثث الضحايا فوق طاقته الاستيعابية، وتم نقل بعضهم إلى مستشفيات أخرى، وأوضحت أنّ "بعض الجثث كانت وجوههم شديدة الزرقة والسواد، وبعضهم أصيب بالاختناق، وآخرون حدثت لهم كسور متفرقة".

وتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، فيديوهات وصوراً للضحايا في إحدى باحات مستشفى حكومي وعلى الأرض بمكان الحادث، في حين بثت وسائل إعلام الحوثيين فيديوهات توثق التدافع الذي حصل في البوابة التي دخل منها الضحايا، بالإضافة إلى مشاهد لأكوام من ملابس وأحذية الضحايا وهي متكدسة بمسرح الحادث المأساوي.

علي سويد أحد سكان صنعاء القديمة حيث وقعت حادثة التدافع، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "الناس تداولوا قبل أيام في معظم أحياء المدينة أنّ تاجراً مشهوراً سيوزع مبلغاً قيمته خمسة آلاف ريال يمني (ما يعادل نحو 9 دولارات أميركية) على الجميع دون أي كشوفات مسبقة، مما جعل الكثير من المحتاجين يتدفقون إلى المكان المحدد، لثقتهم بالتاجر لأنه يفعل ذلك سنوياً".

وأضاف: "بدأ بعض الناس يتدافعون قبل أذان المغرب (قبل نحو ساعتين من الحادثة) وبعضهم أفطر في المكان، وكان مقرراً أن يبدأ توزيع المساعدات المالية بعد صلاة العشاء مع الانتهاء من الإفطار، وعندما فتحت بوابة المدرسة تدافعوا بالدخول وحينها وقعت الكارثة".

من جانبه أفاد مصلح التهامي، أحد الناجين من الحادثة: "كنت أعمل مثل كل يوم في بيع الماء بالقرب من باب اليمن، وعلمتُ أنّ تاجراً يوزّع مساعدات العيد فاتجهت إلى المكان، وقبل أن أدخل من البوابة كانت الأصوات تتعالى أن هناك أشخاصاً يتم دهسهم وقد تكدسوا في المدخل".

وتابع، في حديث لـ"العربي الجديد"، "سمعت إطلاق نار في الهواء لتفريق الناس، حاولت الفرار لكنني سقطت على الأرض ووجدت نفسي تحت أقدام الفارين، أصبت بجروح بسيطة ونجوت، كان المشهد مخيفاً ومرعباً وتُرك الكثير من المصابين لوقت طويل دون إسعاف، كان هناك زحام شديد".

إجراءات سلطات الحوثيين

تركزت روايات سلطات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عن أسباب حادثة التدافع في سوء التنظيم الذي رافق محاولة توزيع المساعدات، وبطريقة غير مباشرة حمّلت المسؤولية للتاجر الذي تبنى ذلك، في الوقت الذي لم تصدر النتائج الأولية للتحقيقات التي بدأتها السلطات عن الأسباب الحقيقية وراء سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا، والذي مازال يثير تساؤلاً واسعاً في أوساط اليمنيين.

وقال القيادي الحوثي وعضو المجلس السياسي محمد علي الحوثي، في تغريدة على "تويتر": "كما بلغنا من معلومات أولية أنّ التاجر (...) قام باستخدام الشارع الضيق الذي يرتفع عن مستوى السور بمتر ونصف تقريباً، والدخول من البوابة إلى الفناء بدرج ونتج عنه الاكتظاظ مع فتح البوابة وحصل التدافع".

إلى ذلك، وجّه رئيس المجلس السياسي للحوثيين (مجلس حكم الجماعة) مهدي المشاط، بتشكيل لجنة من الداخلية والأمن والمخابرات والقضاء والنيابة، للتحقيق في حادثة التدافع. وعقب ذلك زارت اللجنة المكونة من عدد من المسؤولين الحوثيين مكان الحادثة، وقالت إنها ستقوم "باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعرفة أسباب ما حدث"، وفق ما نقلت وسائل إعلام الحوثيين.

من جانبه، اعتبر متحدث وزارة الداخلية بحكومة الحوثيين عبد الخالق العجري، أنّ الحادث بسبب تدافع مواطنين أثناء التوزيع العشوائي لمبالغ مالية من قبل بعض التجار دون التنسيق مع وزارة الداخلية، ومن دون تنظيم". وأضاف في بيان: "تم ضبط اثنين من التجار القائمين على الموضوع، وتم التحرك لجمع الاستدلالات الأولية وإجراء التحقيقات حول القضية للوصول إلى جميع ملابسات وتفاصيل الحادثة".

وأعلن رئيس هيئة الزكاة التابعة للحوثيين العامة، شمسان أبو نشطان، تقديم مليون ريال يمني (الدولار يساوي 530 ريالاً يمنياً) لكل أسرة من أسر ضحايا التدافع، والتكفل بعلاج جميع المصابين في المستشفيات ودفع مبلغ 200 ألف ريال لكل مصاب، بحسب تصريح نقلته قناة المسيرة الحوثية.

مأساة اليمنيين

تكشف الحادثة جانباً من المعاناة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون بسبب الحرب المستمرة في البلاد منذ ثماني سنوات، وتردّي الوضع الإنساني والمعيشي، إذ يحتاج نحو 17 مليون يمني (ثلثا السكان) لمساعدات إنسانية عاجلة. وحمّلت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الحوثيين المسؤولية عما وصفتها بـ"مذبحة صنعاء".

وقال وزير الإعلام بالحكومة اليمنية، معمر الإرياني، إنّ "المسؤول عن مذبحة صنعاء هو من نهب الخزينة العامة والاحتياطي النقدي والإيرادات العامة للدولة، وأوقف صرف مرتبات الموظفين منذ 8 أعوام، ومن عطّل القطاع الخاص، وقوّض فرص العمل لعشرات الآلاف من العاملين، تاركاً إياهم دون أي مصدر للدخل لإعالة أسرهم".

واتهم الإرياني الحوثيين، في تغريدة على "تويتر"، بنهب الغذاء من أفواه الجوعى، والتضييق على منظمات الإغاثة، ومنع التجار وفاعلي الخير من توزيع الصدقات على المحتاجين، ونهب الزكاة، وأموال الأوقاف، وفرض الرسوم والجبايات غير القانونية. وقال: "تركوا ملايين اليمنيين تحت مستوى خط الفقر، وبمعدلات هي العليا عالمياً في البطالة والفقر والبؤس والمجاعة".

من جانبه، علّق رئيس منظمة "سام" اليمنية، توفيق الحميدي، بالقول إنّ "هذه الجريمة تعكس مشهد الجوع والقهر الذي أوصل الحوثيون الناس إليه في اليمن. مشهد انتظار الأطفال فرحة العيد ثقيل جداً ولا يحتاج للكثير من الذكاء لتلخيصه"، مضيفاً في تغريدة: "يجب أن تتوقف الحرب وأي سلام يجب أن يكون لأجل الشعب المقهور المسكون بذلّ الجوع".

ذات صلة

الصورة
أجواء عيد الأضحى في تعز (عبد الناصر الصديق/ الأناضول)

مجتمع

شهد اليمن في عيد الأضحى هذا العام مظاهر فرح متعددة وأجواء مختلفة، لا سيما مع التقدم الحاصل في مجريات الملف الإنساني وبينها فتح طرقات.
الصورة
تظاهرات الدعم لغزة/من التظاهرة التي خرجت أمس في عمّان دعماً لغزة (العربي الجديد)

سياسة

خرجت اليوم الجمعة، تظاهرات الدعم لغزة وفلسطين في عدد من العواصم والمدن العربية، وتحديداً في الأردن والمغرب واليمن، ولا سيما بعد صلاة الجمعة.
الصورة
اليمن (عبد الناصر الصديق/ الأناضول)

مجتمع

عاد وباء الكوليرا للانتشار في مناطق واسعة من اليمن، في ظل تداعيات حرب مستمرة منذ نحو عشر سنوات، ما يهدد بمضاعفة معاناة الكثير من السكان الذين يعيشون الفقر.
الصورة
سفرة العيد في بلدة جبالا السورية (العربي الجديد)

مجتمع

يُحافظ نازحون سوريون على تقليد متوارث يطلقون عليه "سُفرة العيد"، ويحرصون على إحيائه داخل مخيمات النزوح برغم كل الظروف الصعبة، وذلك فرحاً بالمناسبة الدينية.
المساهمون