يعدّ فقراء العراق وذوو الدخل المحدود الأكثر تضررا من العواصف الترابية شبه المستمرة، والتي تتسبب في شلل شبه تام لعجلة الحياة في البلاد، فهم مضطرون رغم الأحوال الجوية السيئة وما يرافقها من تحذيرات للخروج بحثاً عن قوتهم اليومي.
ومنذ بداية فصل الصيف، تشهد المحافظات العراقية موجات متتابعة من العواصف الترابية الكثيفة، تتركز في الأنبار ونينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، وأجزاء من إقليم كردستان، فضلا عن العاصمة بغداد وأغلب المحافظات الجنوبية، تتسبب أحيانا بانعدام تام للرؤية، فضلا عن حالات اختناق، تجاوزت 4 آلاف حالة، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة.
وعلى الرغم من استمرار الموجات الترابية، وما تسببه من تعطيل للحياة، وخطر الاختناق، فإن الفقراء يجبرون على الخروج من منازلهم، بحثا عن العمل.
ووفقا للطبيب المقيم في مستشفى "مدينة الطب" بالعاصمة بغداد، أحمد الطائي، فإن "أغلب حالات الاختناق التي تصل إلى المستشفى أثناء العواصف الترابية هي من طبقة العمال وأصحاب البسطيات (الذين يبيعون في الشوارع)، وسائقي سيارات الأجرة"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الفئة تكون عرضة للاختناق بشكل كبير، حيث إنهم رغم التراب الكثيف فإن أعمالهم تحتّم عليهم البقاء في الشوارع لساعات طويلة، ما يجعلهم عرضة للاختناق، كما تم تسجيل حالات وفاة بينهم".
وحذّر المتحدث هذه الفئة "من خطورة استمرار العمل في العراء خلال تلك العواصف"، معتبرا ذلك "خطرا على صحتهم، كما أنه قد يسبب لهم أمراضا في الجهاز التنفسي".
من جهته، أكد أبو عبد الله، وهو رجل خمسيني، يعمل في محطة لبيع الغاز في بغداد، إنه "لا حل إلا الخروج إلى العمل مهما كانت حالة الجو".
وقال أبو عبد الله، لـ"العربي الجديد": "أنا وعائلتي نعتمد على هذا العمل فقط للحصول على قوتنا اليومي، فلا دخل لدينا سواه. أعرف أن خروجي للعمل يتسبب بتأثيرات خطيرة على صحتي، وقد نقلت في إحدى المرات إلى المستشفى بسبب تعرضي للاختناق، لكنني مع ذلك أرتدي الكمامة وأخرج إلى عملي مع كثافة موجات التراب".
وأضاف: "نحن الفقراء وذوي الدخل اليومي طبقة معدومة في المجتمع، ليس لدينا دخل، ولا نحصل على عطل رسمية أو استراحات، ولا نملك أي دعم أو تعويض مالي في حال لم نستطع الخروج إلى العمل لأي ظرف كان، ولا يمكننا في الوقت ذاته أن نرى أطفالنا يجوعون ونبقى جالسين في البيوت".
ولا تحصل هذه الفئة على أي رواتب إعانة اجتماعية، ولا أي تخصيصات، على الرغم من أنهم بأمسّ الحاجة إليها. ووفقا لمسؤول في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فإن "الوزارة تمنح مرتبات (مبالغ بسيطة) لذوي الاحتياجات الخاصة والأرامل وممن ليس لديهم معيل، فقط"، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "التخصيصات المالية لتلك الإعانات لا تكفي لإدخال أي شريحة أخرى معهم، فهي تخصيصات ضعيفة، ولا توجد أي زيادة بها على الرغم من مطالبة الوزارة بذلك".
وأكد أن "الحكومة والبرلمان لا يفكران بهذه الشريحة، وقد رفضت الدراسات والمطالبات التي قدمتها الوزارة لمنح هذه الطبقة دفعات إعانات أو مرتبات بسيطة".
واضطرت الحكومة بسبب العواصف الترابية إلى تعطيل الدوام ليومين في أغلب دوائرها ومؤسساتها، وتوقيف الرحلات الجوية في المطارات، فضلا عن تأجيل الامتحانات في المدارس والجامعات.
وتوقعت هيئة الأنواء الجوية العراقية، مُجدّدا، حدوث عواصف ترابية بدءاً من الأسبوع المقبل. وذكر بيان للهيئة أن "البلاد على موعد مع العواصف الترابية ابتداء من يوم الأحد المقبل، كما أن درجات الحرارة سترتفع بعموم البلاد".
وعلى الرغم أن العراق يعد من البلدان الغنية بالنفط، إلا أنه يعاني من نسب مرتفعة للفقر. وقد توقعت الحكومة، في وقت سابق، ارتفاع النسبة إلى 25 في المائة، في وقت تؤكد إحصاءات غير رسمية أن النسب الحالية أكبر بكثير مما تعلنه الجهات الرسمية.
وتتفشى في المجتمع العراقي البطالة وعدم توفر فرص العمل للخريجين الجامعيين، وأصحاب الشهادات العليا، وغيرهم، ممن تعدهم الحكومات المتعاقبة بإجراءات للمعالجة، إلا أنها لم تحقق أي نتائج.
وتسبب الفساد المستشري بشكل واسع في البلاد في جرّها إلى أزمات اقتصادية ومالية خطيرة، لا يمكن الخروج منها بسهولة، شملت كافة مفاصل الحياة، كالكهرباء والماء والنظام الصحي، وغيرها، وانعكست بشكل سلبي على معيشة المواطن، الذي يعاني غلاء غير مسبوق في الأسعار، مقابل عدم توفر فرص للعمل لفئات واسعة داخل المجتمع.