يتجهّز فلسطينيو قطاع غزة لاستقبال شهر رمضان بتزيين واجهات المنازل والمحال التجارية والممرّات الفرعية بالأضواء الملوّنة وأحبال الزينة، إلى جانب عرض التجّار والباعة مختلف المنتجات الغذائية والتموينية، ومكملات الطعام، والحلويات التي يتميّز بها شهر الصوم.
وتتزيّن مداخل الأسواق والبسطات الصغيرة بأحبال ومُعلّقات الزينة، فيما تنتشر بسطات بيع الفوانيس والزينة، وأحبال الإضاءة، والألعاب النارية التي يلهو بها الأطفال في الفترة المسائية، كذلك منتجات الزينة القماشية والبلاستيكية الجديدة ذات الطابع الرمضاني، الخاصة بتجهيز السفرة وأماكن استقبال الضيوف.
وتُعطي تلك الأجواء والمعروضات انطباعاً خاصاً ومختلفاً عن أسواق قطاع غزة، المنتشرة من الشمال حتى الجنوب، مع استقبال شهر رمضان. إذ تكتسي الأسواق بحُلّة مختلفة، ويتمّ عرض أغراضاً خاصة بشهر الصوم، تميّز أيامه عن باقي أيام العام، وتشجّع المتسوّقين على اقتنائها وتجربتها.
الفلسطيني ممدوح زين الدين، وهو صاحب محل عِطارة في سوق الزاوية الشعبي، يُجهِّز أصناف المواد الغذائية استقبالاً لشهر رمضان، على أمل لفت أنظار الزبائن، وقد رفد محله الصغير بأصناف يكثر استخدامها خلال أيام الصوم، كالتمور والفواكه المجفّفة وأصناف البقوليات والبهارات، فيما كان حريصاً على عدم المبالغة في توفير البضائع، حتى لا يقع مجدداً في فخّ ضعف الحالة الشرائية.
ويقول البائع زين الدين، وهو يعيل أسرة مكوّنة من أربعة أفراد، لـ"العربي الجديد"، إنّه يستغلّ الموسم الرمضاني للإيفاء بمستلزمات أسرته، خاصة في ظلّ زيادة المتطلبات اليومية تزامناً مع تردي أوضاع الأسواق بفعل جائحة كورونا، وتأثيراتها السلبية على مختلف القطاعات. ويأمل زين الدين أن تخيب شكوكه ومخاوفه أن يكون هذا الموسم مشابهاً للمواسم السيئة السابقة.
على مداخل الأسواق، يضع عدد من الباعة أصناف المكسرات النيئة والزبيب والتمور داخل أوان معدنية، وهي تدخل في عمل بعض الأكلات الرمضانية، فيما يحمل الباعة المتجوّلون كراتين تضم باقات الأوراق العطرية الخضراء، كالجرجير والبقدونس والنعناع والزعتر والفجل، وتكثر عربات بيع الكعك والخبز البلدي وأصابع "القرشلة" والبسكويت الملوّن.
وتتميّز المحال التجارية داخل الأسواق، مع استقبال شهر رمضان، بزيادة عرض أصناف المخللات بمختلف ألوانها وأنواعها، وتصفيفها بشكل شهي ومُغر، فيما تضمّ تلك المحال مختلف المنتجات الخاصة بشهر رمضان، ومستلزمات وجبتي السحور والإفطار، مثل: التمر، قمر الدين، الفواكه المجفّفة، المربى، الزيت، اللحوم المُعلبة والمُصنّعة، الأجبان والألبان بأنواعها، البقوليات، حلاوة الطحينية، وغيرها من أصناف التسالي.
ويزداد مع حلول شهر الصوم عرض العصائر الصناعية المُجهّزة مسبقاً بأطعمة الفواكه المختلفة، إلى جانب المشروبات الغازية، والعصائر الرمضانية الطبيعية، أو قرون الخروب وأوراق "الكركاديه" التي يتمّ تخميرها بالماء، وهي مشروبات يحبذ أهالي القطاع تزيين سفرتهم الرمضانية بها.
واختار بعض أصحاب المحال بيع حلوى القطايف، وهي الحلوى الأكثر شعبية في شهر رمضان، وقد بدأوا بنصب الأفران المُسطّحة الخاصة بإنضاج عجينتها السائلة، إلى جانب بيع علب القَطر وأصناف الحشوات المكوّنة من "جوز الهند، القرفة، عين الجمل، الزبيب، اللوز"، وغيرها من الحشوات الخاصة بذوق كل زبون. ويقول "الحلونجي" سعد الزايغ إنه "يركض خلف لقمة العيش"، حيث يُحَوِّل نشاطه في بيع الحلويات المنوّعة طيلة أيام السنة، إلى الاقتصار على بيع القطايف في شهر رمضان، تماشياً مع طلب السوق، إذ يتّجه الناس إلى شرائها في شهر رمضان على وجه الخصوص.
ويُلاحظ في الأسواق انخفاض أسعار السلع والمنتجات، كذلك أسعار الزينة والإضاءة والشخصيات الرمضانية، وفقاً لقاعدة "العرض والطلب"، إذ تكتظ الأسواق بتلك المنتجات، وتشهد تنافساً بين الباعة على تقديم الحملات وعروض الأسعار المخفضة.
ويرجع ذلك التنافس في تقديم الأسعار إلى سببين رئيسيين، الأول يكمن في أمل التُجّار تعويض الخسائر التي لحقت بهم جرّاء الإغلاق المتواصل وحالة التخبط وعدم الاستقرار بفعل أزمة كورونا، فيما يتلخّص السبب الثاني برغبتهم في بيع الكميات مقابل أيّ نسبة ربح وإن كانت بسيطة، بدلاً من استمرار تكدّسها في المخازن.
وتحاول الفلسطينية سمية أبو جزر، وهي ربة بيت، استغلال الساعات المتبقية قبيل بدء شهر رمضان لتوفير الأساسيات الخاصة بالمطبخ، إلى جانب شراء بعض الزينة لإدخال البهجة إلى قلوب أطفالها. وتقول: "زوجي يعمل في تنجيد الكنب، وملتزم بسداد دين شهري متراكم منذ فترة طويلة، بفعل خسارة تعرّض لها بفعل الأوضاع العامة، إلاّ أننا نحاول صنع أجواء خاصة بشهر رمضان، على الرغم من سوء الأحوال الاقتصادية".
وتشهد أسواق قطاع غزة ارتباكاً ملحوظاً بفعل عدم استقرار الأوضاع العامة نتيجة تفشي فيروس كورونا، والإجراءات المشدّدة التي اتخذتها الجهات المُختصّة مؤخراً، ومنها إغلاق الأسواق الأسبوعية، وبدء الحظر الليلي الساعة الثامنة مساءً، إلى جانب منع حركة المركبات أيام الخميس والجمعة والسبت، ما أدّى إلى شلل الحركة الشرائية خلال فترات الحظر.
واختلف شكل الأسواق بعد الإغلاق الكلّي الذي تمّ فرضه بعد اكتشاف أولى الإصابات بفيروس كورونا داخل المجتمع، في أغسطس/ آب 2020، إذ تمّت إعادة فتح الأسواق وفق آلية جديدة، تمّ من خلالها منع إغلاق الطرقات بالعربات التي تجرّها الحمير والأحصنة والتكاتك، فيما فرض على أصحاب المحال التجارية الالتزام بمساحة محدّدة أمام محالهم، لضمان التباعد، ما أعطى ملمحاً جديداً وواسعاً لطرقات الأسواق والشوارع المؤدية إليها.
ويأتي اكتظاظ الأسواق بمختلف أصناف البضائع والمنتجات والمعروضات والزينة في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمرّ بها أكثر من مليوني شخص، وذلك بفعل تواصل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أربعة عشر عاماً، إلى جانب عدم انتظام صرف الرواتب، وعدم صرفها كاملة، وأيضاً ارتفاع الفقر والبطالة، ووصولهما إلى نسب غير مسبوقة.