مأساة جديدة عاشها لبنان منذ ليل أمس السبت حتّى ساعات الفجر الأولى، بعد غرق زورق قبالة ساحل طرابلس (شمال)، على متنه زهاء 60 شخصاً من جنسيات لبنانية وغيرها، حاولوا الهروب نحو قبرص بطريقة غير قانونية.
وتمكّنت القوات البحرية التابعة للجيش اللبناني من إنقاذ 45 شخصاً من ركاب قارب الموت الجديد، وانتشال جثّة طفلة، كما انتشلت في وقت لاحق 5 جثث قبالة جزيرة الفنار- رمتين، ولا يزال البحث جارياً عن مفقودين، بينهم أطفال ونساء وشباب.
وأوضح قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني، العقيد الركن هيثم ضناوي، خلال مؤتمر صحافي، صباح الأحد، أنّ "المركب الغارق صُنع في عام 1974، وطوله عشرة أمتار وعرضه 3 أمتار، والحمولة المسموح له بها هي 10 أشخاص فقط. لم يكن هناك سترات إنقاذ، ولا أطواق نجاة".
وشدّد ضناوي على أنّ "الجيش حاول منع المركب من الانطلاق، ولكنّه كان أسرع منا. حمولة المركب لم تكن تسمح له بأن يبتعد عن الشاطىء، وقائد المركب قام بتنفيذ مناورات للهروب من الخافرة بشكل أدّى إلى ارتطامه. عدد الناجين بلغ 45 شخصاً، واليوم لدينا 5 جثث إضافة إلى الطفلة التي توفيت أمس، ومن الممكن أن يكون هناك مفقودون، وسنقوم بتحقيقٍ شفّاف في الحادثة".
وأثارت الفاجعة حالة استنكار وغضب عارم في الشارع اللبناني، وسط تضارب المعلومات حول أسباب غرق الزورق، ففي حين يقول بعض الأهالي إنّه "إغراقٌ متعمّد للمركب"، أعلن الجيش اللبناني في بيان أمس، أنّ "المركب تعرّض للغرق نتيجة تسرّب المياه إليه بسبب ارتفاع الموج والحمولة الزائدة".
وأضاف البيان: "عملت القوات البحرية بمؤازرة مروحيات تابعة للقوات الجوية وطائرة (سيسنا) على سحب المركب، وإنقاذ معظم من كانوا على متنه، وقُدمت لهم الإسعافات الأولية، ونُقل المصابون منهم إلى المستشفيات، وتتواصل العمليات براً وبحراً وجواً لإنقاذ آخرين ما زالوا في عداد المفقودين. تمَّ توقيف المواطن (ر.م.أ) للاشتباه بتورطه في عملية التهريب".
وعملت سيارات إسعاف تابعة للصليب الأحمر اللبناني بالتوازي مع إسعاف الجمعية الطبية الإسلامية على نقل الناجين المصابين إلى المستشفيات، وكشف مصدر خاصّ لـ"العربي الجديد"، أنّ "عدد المهاجرين يمكن أن يكون أكبر من 60 شخصاً، ولا يزال هناك مفقودون".
بغصّةٍ، يروي الشاب إبراهيم الدندشي (18 سنة)، تفاصيل المأساة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "أبحث عن والدتي (36 سنة) وأختي (9 سنوات) وأخي الصغير (4 سنوات). لقد غادروا هرباً من مآسي هذا البلد، هي ليست قصة تهريب غير قانوني، وإنّما مجموعة أقرباء وأصدقاء اتفقوا على ترك لبنان والبحث عن الحياة والأمان خارج الحدود".
وفي اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أبدت واحدة من أهالي الضحايا امتعاضها الشديد، وقالت: "لقد فقدتُ أولاد عمّي ونساءهم. لا يمكنني وصف المأساة، نحن نعيش حالة صدمة وخيبة، وكأنّه كُتب علينا نحن أهل الشمال، أن نعيش الأحزان والمآسي على الدوام".
وفي فيديو متداول، أطلق أحد الناجين صرخة ردّد فيها "كلّنا ضحايا هذه السلطة. أريد الهرب من لبنان طالما هم موجودون فيه. سأعيدها مرة رابعة وخامسة وعاشرة، إذ لا يمكنني العيش طالما سياسيّو لبنان موجودون. واحد منّا بدّو يموت أو بدّو يهاجر. يا هنّي يا نحنا".
وكان روّاد مواقع التواصل الاجتماعي قد غرّدوا عبر وسم (#طرابلس)، معربين عن أسفهم لما وصلت إليه حالة لبنان وشعبه، حيث بات المواطنون والمقيمون يرمون أنفسهم في عرض البحر هرباً من الفقر والعوز والجوع.
#طرابلس افقر مدينة على البحر المتوسط..وفيها بنفس الوقت أغنى أثرياء العالم مثل ميقاتي والصفدي…
— هنادي جرجس - Hanady gerges (@HanadyGerges) April 24, 2022
غالبية سكانها فقراء وبعضهم يضطر في كل مرة للهرب عبر الزوارق معرضين حياتهم لخطر الموت للحصول على فرصة النجاة في بلد آخر.
لو #طرابلس عندها القدرة تحكم نفسها بنفسها وعندها سلطة محلية وميزانية محلية ما كنا شفنا هالمآسي عم بتطارد طرابلس بالبر والبحر.
— Joy Lahoud 🇱🇧✊🫡 (@joylahoud) April 24, 2022
يحق لطرابلس ان تزدهر ولشعبها ان يتنفّس، بعد عقود من الحرمان والاهمال.
الفدرالية أفضل ما قد يحصل لطرابلس.
المحزن في ما حصل في #طرابلس ان لا احد سيحاسب ولا احد سيقال وتبقى الدمعة دمعة اهالي الضحايا وغداً كارثةٌ أخرى
— Wadih AL-ASMAR | وديع الأسمر (@walasmar) April 24, 2022
مش مافيا السلطة مجرمة..
— Hady Jaafar (@Hadyjaafar) April 24, 2022
كل واحد رح يرجع ينتخبهم مجرم#طرابلس
pic.twitter.com/3fpjWWOeEn
على الصعيد الرسمي، أعلن رئيس مجلس الوزراء، نجيب ميقاتي، الحداد الرسمي يوم غد الاثنين على ضحايا الزورق، وتابع مع قائد الجيش العماد جوزاف عون ملف البحث عن ركاب الزورق، مقدماً العزاء لذوي الضحايا، ومتمنياً للمصابين الشفاء، والعودة السالمة للذين لا يزالون في عداد المفقودين.
وقال ميقاتي إنّ "الإسراع في التحقيقات لكشف ملابسات الحادث مسألة ضرورية لمعرفة حقيقة أسباب الحادث المؤلم"، وتمنّى على المواطنين "الشرفاء ألا يقعوا ضحية عصابات تستغل الأوضاع الاجتماعية لابتزازهم بمغريات غير قانونية".
من جهته، تفقّد وزير الأشغال العامة والنقل، علي حمية، ليل أمس، أعمال الإنقاذ، واصفاً الحادثة بـ"الفاجعة الكبرى التي أصابت لبنان بأكمله، وأبناء طرابلس المفجوعون هم أهلنا وتعجز الكلمات عن التعبير ووصف الحادث المأساوي الذي أصابنا جميعاً في هذا الوطن". وأكّد حمية أنّ وزارته "لا تفرّق بين جنسيةٍ وأخرى بالنسبة للغرقى، فهم جميعاً أبناؤنا مهما اختلفت أعراقهم، والمهم أن ننقذ أرواحاً غرقت في البحر ومن واجبنا مساعدتهم".
كذلك توالت ردود الفعل الرسمية والشعبية تجاه الكارثة الإنسانية التي حلّت بعاصمة الشمال، إحدى أفقر المدن في المنطقة وأشدّها بؤساً وحرماناً، وهي التي لا تسلم من الفاجعة تلو الأخرى، فيغرق سكّانها وأهلها عند كلّ محطةٍ بموتٍ محتّم سواء في عرض البحر أو على أرض الوطن.
#طرابلس ❤️ pic.twitter.com/yEbzDKDusP
— ziad itani (@ZiadItanioff) April 24, 2022
لما إنسان يكب حالو عالخطر ليهرب من الفقر والقهر والتعتير يعني صار الموت أهون من العيشة بهالبلد!
— Rebecca (@Rebeccabikhalil) April 23, 2022
الله يلعن كل زعيم وصّلنا لهون#طرابلس
طرابلس التي شهدت شوارعها ثورة محقّة
— واصف الحركة (@WasefHarake) April 23, 2022
على الحرمـان القاتـل هي أكـثر الشــوراع
التي يُظلم أبناؤها، تارة من فقر مقصـود
وتـارة غرقـًا هربـًا من ظلـمٍ لـم يعـد يطـاق.
مرة جديدة يدفع أهلنا في طرابلس ثمن
السرقـة والنهـب والحرمـان الذي أهدتـه
المنظومة والزعامات الحزبية لهم#طرابلس pic.twitter.com/QvBNsrfDxZ