يُكافح مرضى السرطان في لبنان واقعاً صعباً يتأرجح بين معاناة المرض وأزمة النزوح القسري، تحت وطأة ظروف معيشية واقتصادية مزرية وعدوان إسرائيلي متواصل يدفع آلافاً منهم إلى ترك منازلهم. اللبناني أحمد فحص كان يظن أنه لن تلمّ به طامة أكبر من إصابته بالسرطان، حتى بدأ فجأة، وبينما كان في العمل ذات يوم، القصف الجوي الإسرائيلي يستهدف بلدته النبطية في جنوب لبنان. وحين رأى الرجل الذي يمتلك نشاطاً اقتصادياً صغيراً الفوضى الشائعة حوله، أدرك أنه لا بد أن يرحل هو وأسرته.
وقال فحص خلال تلقيه علاج السرطان في معهد نايف باسيل للسرطان في المركز الطبي بالجامعة الأميركية في بيروت، بينما كانت شقيقته تجلس بجوار سريره: "كنا قاعدين ببيوتنا ولدينا شغل، هلأ (الآن) ولا شيء". ولم يكد يكمل الجملة حتى دمعت عيناه وحاول ألا يجهش بالبكاء.
ولم يعد فحص، وهو أب لمراهقين وكان يمتلك أربعة ورش للحام في النبطية، الآن يعرف متى سيتمكن من العودة إلى منزله فحسب، لكنه أيضاً لا يعرف إلى متى سيستطيع الحصول على العلاج من سرطان ساركوما النادر الذي يؤثر في النسيج الضام في ذراعه اليسرى. وقال إنه كان يذهب إلى بيروت لتلقي العلاج لمدة ثلاثة أيام ثم يعود إلى المنزل، أما الآن مع اندلاع الحرب، فقد اضطر إلى النزوح. وأضاف: "كنت بأجي لهون (آتي إلى هنا بيروت) ثلاثة أيام وقت العلاج إجمالاً وباروح عند عيلتي شوية".
مرضى السرطان في لبنان: تكاليف مرهقة
ويوجد آلاف من مرضى السرطان في لبنان ضمن أكثر من مليون شخص فروا من منازلهم، وكلهم يكافحون من أجل النجاة. أحمد فحص الذي فرّ مع عائلته إلى أنطلياس في جبل لبنان لم يكن معه إلا 4500 دولار فقط، وهو مبلغ يتناقص سريعاً. ويعتمد الآن على صندوق دعم مرضى السرطان التابع لمعهد نايف باسيل للسرطان، وهو مبادرة خيرية أُطلقت في عام 2018 لمساعدة مرضى السرطان، وتقدم الآن أيضاً دعماً إضافياً إلى النازحين.
وقال إن العلاج مكلف، ولولا مساعدة المركز الطبي لما كان سيستطيع تحمل نفقاته. ولكنه يشعر بالقلق من نفاد التمويل. وقال إنهم إذا عادوا إلى منازلهم ستتحسن الأمور، لكن إذا ظلوا نازحين فسيكون تحمل الكلفة مستحيلاً.
ووفقاً لأرقام وزارة الصحة اللبنانية، فإن أكثر من 2500 نازح مصاب بالسرطان اضطروا إلى البحث عن مراكز علاج جديدة بعد توقف ثمانية مستشفيات على الأقل في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت عن العمل بسبب القصف الإسرائيلي. وكان علاج السرطان مكلفاً أصلاً في ظل نظام الرعاية الصحية في لبنان الذي مرّ بظروف صعبة في السنوات القليلة الماضية بسبب الأزمة الاقتصادية.
من جهته، قال مدير معهد نايف باسيل للسرطان، علي طاهر، إنّ المعهد يعاني الآن من ضغوط شديدة وعلاج المرضى النازحين يواجه صعوبات أكثر، منها صعوبة الحصول على سجلاتهم الطبية وعدم القدرة على التواصل مع أطبائهم السابقين. وأضاف طاهر: "ما عنا (ليس لدينا) بنية تحتية بالدولة بشكل مظبوط، وما عنا أدوية (عقاقير) بشكل موجود للكل، وبعده لهلأ شوية أحسن من قبل... ما عنا السجلات تبعهم، فيه مشكلة كتير أساسية (في القدرة على التواصل) مع الأطباء السابقين".
ونزحت غزالة نداف (67 عاماً)، من قرية دبل في جنوب لبنان. وتعيش الآن مع شقيقها في بيروت، وقد فقدت مساعدة الصيدلانية السابقة وظيفتها ولم تعد قادرة على تحمل تكاليف علاجها من السرطان النخاعي المتعدد لمدة شهرين. وقالت: "أنا مبدئياً عم باجي باتعالج هون. خيي (شقيقي) بيهتم فيا بيجي من الجنوب باقعد عنده... صار فيه نزوح وحرب وخلاني عنده من النازحين من الجنوب نحن من دبل على الحدود الإسرائيلية".
وتابعت: "كل تلات شهور عندي فحص دم (100 دولار)، بأصير أجمع من هون ومن هون كي أصير أعمل العملية، لأعمل فحص دم بس". وأضافت أنها تحتاج أيضاً إلى عملية زرع نخاع عظمي تكلف 50 ألف دولار، وهي تكلفة لا تتحملها.
رئيسة ومؤسّسة صندوق دعم مرضى السرطان للبالغين، هلا الدحداح أبو جابر، قالت إن مرضى السرطان النازحين يضطرون إلى الاختيار بين الضروريات الأساسية وعلاجات الأمراض التي تهدد الحياة، وكثيرون منهم لم يعد بإمكانهم تحمّل نفقات العلاج. وأضافت: "السرطان لا ينتظر، إنه ليس مرضاً يمنحك الوقت، إنه قاسٍ".
(رويترز، العربي الجديد)