عيد الفطر في الأردن: خريطة طريق لأفراح معنوية وروحية فقط

21 ابريل 2023
تأثرت الأسر الأردنية بميزانيات شهر رمضان وارتفاع أسعار الأغذية (دومينيكا زارزيكا/ Getty)
+ الخط -

يستقبل الأردنيون عيد الفطر هذا العام في ظل أوضاع مادية صعبة، بعد شهر رمضان الذي شهد تخصيص العائلات ذات الدخل المحدود موازنات كبيرة لتوفير الغذاء. ويترافق ذلك مع نسبة فقر تناهز 23 في المائة، وضعف في القيمة الشرائية للدينار بسبب التضخم، ما يعني أن أفراح هذا العيد ستكون معنوية وروحية لدى أسر كثيرة بعيداً عن المظاهر المادية التي تضع الابتسامة على وجوه الأطفال والأقارب.

قضايا وناس
التحديثات الحية

تقول عبير علي، وهي ربّة منزل وأم لخمسة أطفال، لـ"العربي الجديد": "تعتمد أسرتي على راتب زوجي، وهو موظف حكومي. وقد تأثرت بموازنة شهر رمضان وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فيما لا يمكن الاستغناء عن أشياء كثيرة خلال العيد، مثل الحلويات التي اعتدنا أن نصنعها في المنزل، كما أن شراء ملابس جديدة للأطفال أمر لا يمكن التغاضي عنه، لكننا لن نشتري ملابس جديدة هذا العام بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعاني منها على غرار غالبية الناس". وتخبر أنها تقضي عادة اليوم الأول من العيد مع عائلتها في العاصمة عمان، وتزور الجيران والأصدقاء وبعض ذوي الأرحام، ثم تذهب في اليوم التالي إلى أقارب زوجها في المحافظات.

لن تستطيع الأسر الاستغناء عن حلوى العيد (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
لن تستطيع الأسر الاستغناء عن حلوى العيد (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

أيضاً، يقول محمد الزعبي، وهو موظف حكومي على غرار زوجته، وتتألف عائلتهما من ثلاثة أطفال، لـ"العربي الجديد": "العيد يوم لفرح الأطفال، ونحن نبذل قصارى جهدنا لمحاولة إضفاء الفرح في هذا اليوم، ورسم الابتسامة على وجوه أطفالنا". يضيف: "وضعنا المادي مقبول، ونستطيع الإيفاء بالاحتياجات المطلوبة للعيد مثل الحلويات التي نحضرها ونشتريها جاهزة من السوق، إضافة الى الملابس، لكن إمكاناتنا لا تسمح بالسفر من أجل قضاء العيد في أماكن سياحية داخل البلاد، مثل العقبة أو خارجها ضمن عطلة تستمر 4 أيام". ويشير الزعبي إلى أنه يقضي وأسرته اليوم الأول من العيد مع الأهل والأقارب خارج العاصمة عمان، حيث يجتمعون لتبادل التهاني وتنفيذ زيارات، وفي اليوم الثاني يعودون الى منزلهم للسلام على الجيران والأصدقاء، و"وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في تخفيف واجبات تبادل التهاني عن الناس وقللت الزيارات. أيضاً يمكن خلال اليومين الثاني والثالث من العيد التنزه إذا كان الطقس مناسباً".
أما محمد أبو شيخة، وهو موظف في القطاع الخاص، فيقول لـ"العربي الجديد": "أضحت أولوياتي الأساسية مع أفراد عائلتي شراء سلع غذائية تجسيداً لمقولة أصبحت حياتنا يوماً بيوم. ومن سابع المستحيلات التفكير بشراء أي حلويات للعيد أو حتى أساسيات لأن لا قدرة لنا على فعل ذلك في ظل الأوضاع المعيشية السيئة والرواتب المتدنية التي تمنعنا من شراء احتياجات العيد". يتابع: "إذا قررنا شراء ملابس للأطفال سنقصد المحلات الأوروبية المستعملة (البالة)،  فالوضع لم يعد سهلاً والرواتب لا تكفي والديون والأقساط والبنوك كلها فعلت الكثير معنا، لذا سيختلف هذا العيد بالنسبة لنا عن العام الماضي بسبب ضعف القدرة الشرائية وحتمية تخفيف ما يمكن من مواد وسلع التي سنجلبها بحسب احتياجات البيت، فالعيد لم يعد يتسع للفرحة الكبيرة".

تقتصر أفراح العيد لدى أسر كثيرة على تلك المعنوية والروحية (دومينيكا زارزيكا/ Getty)
تقتصر أفراح العيد لدى أسر كثيرة على تلك المعنوية والروحية (دومينيكا زارزيكا/ Getty)

بدورها ترى ميرفت العبادي، وهي أم لطفلتين وتعمل في القطاع الخاص، في حديثها لـ"العربي الجديد": "تحتاج فرحة العيد إلى مال وشراء مستلزمات وملابس، فيما يواجه غالبية المواطنين الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتسد المداخيل فقط الاحتياجات وأقساط القروض. وكنا نأمل في أن تتفق الحكومة مع البنوك على تأجيل أقساط هذا الشهر، إذ نسدد شهرياً القسط الخاص بثمن الشقة الذي يستنزف جزءاً كبيراً من دخلنا". وتوضح أن "العيد يحتاج الى مصاريف ومبالغ مالية وهدايا تقدم لأقارب الرجل من الإناث في الأعياد، وقد استطلعنا الأسواق ولمسنا صعوداً كبيراً في أسعار الألبسة تمهيداً لتأمين ألبسة لطفلتي لدى قبض الراتب، وذلك بالحد الأدنى من الأموال، أما شراء ملابس العيد للكبار فلم تعد أولوية". وتشير إلى أن "العيد يتسبب في ضيق لبعض العائلات والأسر المستورة، لأن مداخيلهم لا تكفي لتسديد إيجار لبيت ودفع فواتير الماء والكهرباء والهاتف، فلا يتبقى شيء لمستلزمات العيد، لكنهم لا يظهرون ذلك، والناس يجب ألا تنخدع بحركة المواطنين في الأسواق، إذ يعود كثيرون إلى بيوتهم من دون شراء ما يلزمهم من ملابس".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي لـ"العربي الجديد": "الوضع الاقتصادي للأفراد أو الأسر والمجتمع عموماً يؤثر كثيراً على سلوك الناس في الأعياد المرتبط بشراء احتياجات العيد أو صلة الأرحام وتقديم الهدايا. والوضع الاقتصادي صعب جداً على عدد كبير من الأردنيين الذين يواجهون الفقر والبطالة، فيما لم تعد الرواتب تكفي احتياجات المتقاعدين إضافة الى ذوي الدخل المحدود من الفقراء والذين يتلقون معونات مالية من صندوق المعونة الوطنية والصناديق الأخرى من أجل سدّ رمقهم واحتياجاتهم الأساسية، ولا مكان فيها لترف الانفاق".
يضيف: "لا يتجاوز دخل حوالى ثلاثة أرباع الأردنيين من العاملين والمتقاعدين 500 دينار (700 دولار)، وهؤلاء لن يفرحوا بالعيد إلا معنوياً وروحياً، ويجب أن يتحلوا بالحكمة في استقبال العيد. وكما يقول المثل الشعبي: على قد لحافك مد رجليك، لذا لن نرى زيارات وعيديات وصلة رحم في هذا العيد كما في السابق، ويجب أن يتقبل الجميع أعذار الآخرين، ويلتمسون الأعذار لهم فغالبيتهم من الطبقة الفقيرة التي تعاني من صعوبات معيشية، ويصعب أن يقدموا عيديات، حتى أن بعضهم لا يملكون أموال التنقل من محافظة إلى أخرى. وتبقى المشاكل الأكبر محاولة إسعاد الأطفال ضمن قدرات مادية المحدودة، وعدم وجود مؤسسات خيرية كبيرة توفر كسوة العيد لأطفال أسر فقيرة، باستثناء مبادرات فردية ذات تأثير محدود على المجتمع. وغالبية دخل الأسر يذهب في رمضان إلى الطعام، وهناك صعوبة لاقتراض أموال من أبناء المجتمع فالمعاناة عامة إذا استثنينا الطبقة الغنية وبقايا الطبقة المتوسطة والتي تشكل فئة قليلة. ويرى الخزاعي أن "الفقراء في الأردن سيواجهون مشكلة عدم شراء ملابس في العيد، فيما ستقتصر الحلويات على ما هو غير مكلف".

المساهمون