دروس دعم دخول المدارس العليا... بيع الأحلام في المغرب

04 اغسطس 2024
دروس الدعم ضرورية لكثير من طلاب المغرب (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

تحوّلت دروس دعم  الطلاب المتفوقين في البكالوريا المقبلين على امتحانات ما يعرف في المغرب بالمدارس والمعاهد العليا ذات الاستقطاب المحدود، إلى تجارة رائجة. وتضم المدارس والمعاهد العليا كلية الطب والصيدلة، والمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، والمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية، والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية.
وأورد أحد الإعلانات التي انتشرت أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي: "دخول المدارس العليا حلم كثيرين منذ الصغر. اليوم يمكن تحقيق هذا الحلم. برنامج شامل يغطي جميع جوانب الامتحانات. دعم مستمر خطوة خطوة حتى تحقيق النجاح"، ويقول إعلان آخر: "المستقبل يبدأ هنا. يتطلب النجاح استعدادات وتحضيرات متقنة. نحن نساعد في تحقيق حلمك".
وتفضل أسر مغربية أن يلتحق أبناؤها بمؤسسات الاستقطاب المحدود بدلاً من الجامعات الحكومية، معتقدة أنها تضمن مستقبلاً أفضل، وفيما تعمل مئات من مراكز الدعم والمعاهد والمدارس الخصوصية على إعداد الطلاب، يشتكي أولياء من ارتفاع أسعار الحصص.

تحولت امتحانات المدارس والمعاهد العليا إلى تجارة رائجة في المغرب

وكان لافتاً قبل موعد الامتحانات التي عقدت في نهاية يوليو/ تموز الماضي، انتعاش سوق دروس الدعم والتحضير التي تقدمها مراكز ومعاهد خاصة، وبلغ سعر الحصة الواحدة 500 درهم (50 دولاراً).
يقول محمد الحنصالي، من مدينة سلا، لـ"العربي الجديد": "اضطررت لتخصيص موازنة خاصة لتسجيل ابني في إحدى مؤسسات التعليم الخصوصي بعدما باتت دروس الدعم ضرورة لاجتياز امتحانات ولوج معاهد ومدارس الاستقطاب المحدود. رهان النجاح في امتحانات هذه المؤسسات بات يضغط على الأسر المغربية".
ويقول الطالب زياد الشرقاوي لـ"العربي الجديد"، إن "حصص الدعم تشكل العمود الفقري للظفر بمقعد في كلية الطب والصيدلة، إذ يتعين على الطلاب الحصول على تدريب جيد يؤهلهم لاجتياز الامتحانات التي تتطلب مستوى عاليا من التحصيل العلمي والمهارات الأكاديمية".

يرى طلاب وأهالٍ أن مؤسسات الاستقطاب بعد البكالوريا أفضل في الجامعات الحكومية (فاضل سنّا/ فرانس برس)
ينظر إلى مؤسسات الاستقطاب على أنها أفضل من الجامعات الحكومية (فاضل سنّا/فرانس برس)

وترى القيادية في الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة لنقابة "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب"، حليمة شويكة، أن تقديم حصص دعم لتلاميذ البكالوريا الذين يرغبون في دخول المدارس العليا، هو "تعبير عن هاجس كبير لدى الأسر التي ترغب في تأمين مستقبل أبنائها، بعدما كانت واكبتهم خلال سنوات الدراسة الثانوية بدروس دعم أيضاً للحصول على معدلات مرتفعة تسمح لهم باجتياز امتحانات المعاهد العليا".
وتضيف لـ"العربي الجديد"، أن "الهاجس الذي تعيشه الأسر يعود إلى الخلل الكبير في منظومة التعليم التي تضّخم أهمية النقاط والمعدلات على حساب التكوين المعرفي. حتى أن التلاميذ الذين يحصلون على معدلات عالية في البكالوريا يجدون أنفسهم في حاجة إلى ساعات دعم للحصول على المعرفة الملائمة لاجتياز هذه الامتحانات. هذا دليل على غياب الجسور المعرفية في المنظومة التعليمية، وعلى أن شهادة البكالوريا لا تؤهل للتعليم العالي بشكل كافٍ، وهذا الوضع له انعكاسات سلبية تتمثل في إرهاق الأسر، وغالبيتها ذات دخل متوسط، بتكاليف دروس الدعم التي تزداد سنوياً، وانتعاش سوق سوداء للدعم يخترقها عدد من الانتهازيين والسماسرة الذين يستغلون هواجس التلاميذ وخوف الأسر على مستقبل أبنائها".
في السياق، يقول رئيس "المنتدى المغربي للحق في التربية والتعليم" هشام الهواري لـ"العربي الجديد": "انتشار ساعات الدعم الخصوصية مؤشر على وجود ظواهر أخرى ترتبط بها كنتيجة أو سبب. لا شك في أن نمط العيش العصري لم يعد يتيح للأسر أن تتوارث وسائل الإنتاج أو الحرف والمهن كما كان يحصل حتى عهد قريب، فظفر الأولاد بمورد رزق يؤمن المستقبل ويوفر أسباب العيش الكريم أصبح يرتبط أكثر بمستواهم الدراسي وكفاءاتهم وقدراتهم ومهاراتهم التي لا شك أنها ستكون محط اختبار من قبل المؤسسات الجامعية والمدارس العليا، ويجعل ذلك الآباء والأمهات مستعدين لدفع المال لإعداد أبنائهم لاجتياز امتحانات مؤسسات الاستقطاب بعد البكالوريا".

ويضيف أن "هذا الاستعداد صار محل استغلال من شبكات التعليم الخاص، وأمام تراجع التوجيه المدرسي الذي يفترض أن يسدّ الفجوات بين ما يُقدم من محتوى في البكالوريا والتعليم الجامعي أو التكوين المهني، تقدم هذه الشبكات عروضاً تستغل ضعف المعلومات وحالة اللايقين السائدة لدى الطلاب. كما أن المؤسسات الجامعية والمدارس العليا لا تصدر إطارات مرجعية لامتحاناتها تبين ملامحها ومواضيعها وأهدافها، ما يجعل المرشحين يقبلون على هذه الامتحانات من دون امتلاك رؤية واضحة. وفي ظل هذه الضبابية يُساق الأهل إلى كل من يدعي الخبرة والتجربة في تحضير الامتحانات في طقس موسمي تباع فيه الوعود والأحلام".

المساهمون