عيد الجزائر... طقوس ومبادرات وجرح فلسطيني
- الجمعيات الأهلية تدعم العائلات الفقيرة بتوزيع ملابس العيد على الأطفال، وتعزز الجزائر تضامنها مع الشعب الفلسطيني من خلال جمع التبرعات، مما يعكس روح التضامن الوطني.
- رغم الاحتفالات، يسود شعور بأن الفرحة ليست مكتملة بسبب الأوضاع في غزة، مما يضفي غصة على الاحتفالات ويبرز التضامن الجزائري مع القضايا العربية.
شهدت المدن والبلدات في الجزائر عشية عيد الفطر طقوساً وأجواء خاصة برزت من خلال الحركة النشطة في الأسواق ومحلات بيع ملابس وأحذية الأطفال، وتنظيف النساء المنازل استعداداً لاستقبال الضيوف من أهل وأقارب، وتجهيز المساجد وتنظيفها لاحتضان صلاة العيد. أيضاً نفذ شبان مهمات تزيين أحياء شعبية لزيادة جمالية أجواء العيد، رغم غصة الحرب على غزة.
ومن بين ميزات العيد في الجزائر تنظيف وتزيين غرف الضيوف بفرشات جديدة، وتحضير أواني مائدة فطور صباح العيد لاستقبال الضيوف والمهنئين، وصنع حلويات، لذا شهدت محلات بيع المواد الأولية والأغراض المختلفة التي تستخدم في صناعة الحلويات إقبالاً لافتاً في الأيام الأخيرة من شهر رمضان.
ورغم أن السنوات الأخيرة شهدت تناقص صناعة الحلويات في المنازل، حيث فضلت نساء كثيرات شراءها جاهزة، جهّزت العديد من العائلات حلوياتها علماً أن بعضها لا تزال تستعين بمخابز ذات أفران حديثة لتحضير هذه الحلويات بسرعة. وتتربع "البقلاوة" على عرش الحلويات في البيوت الجزائرية، رغم أن مكوناتها باهظة الثمن، وتتضمن اللوز والجوز، وهي زينة مائدة صباح العيد. أيضاً تصنع عائلات حلوى "المقروط"، بحسب التسمية التي تنتشر في مناطق عدة، علماً أنها تسمى "المقرود" في شرق الجزائر، وقد تطهى عبر القلي فتسمى "مقروط المقلاة". كما تصنع حلوى "الطابع" التي تتسم بأن تحضيرها سهل باستخدام مكونات الطحين والدقيق والزبدة والسكر والنشاء، وأيضاً حلوى" تشاراك"، وهي كعكة ناعمة، و"الغريبة" و"رزمة العروس" و"الصامصة" و"القريوش". وهذه الحلويات عرفت تحسينات في النكهة والألوان، وطغت عليها العصرنة.
وخلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان شهدت الأسواق والمحلات التجارية الكبرى في الجزائر حركة غير عادية للزبائن وسط مدينة ميلة (شرق). وزاد الإقبال على شراء ملابس العيد للأطفال، خاصة بعد الإفطار حيث فتحت المحلات أبوابها حتى ساعة متأخرة من الليل كي تسمح للعائلات بشراء "كسوة العيد". ورغم الإنفاق الذي يتطلبه شهر رمضان، تجد العائلات نفسها مرغمة على توفير احتياجات أطفالها من ملابس وأحذية، لكنها استفادت في شكل لافت هذا العام من وجود منافسة كبيرة بين المحلات التجارية، ومن الانتشار الكبير للمحلات الكبرى التي تركز على الحصول على هامش ربح بسيط في قطع الملابس أو الأحذية من أجل بيع كميات كبيرة من البضائع عبر خفض قياسي للأسعار. من هنا شهد هذا النوع من المحلات ازدحاماً كبيراً من الزبائن في الأسبوع الأخير من رمضان.
وتقول سعاد حدو، وهي موظفة في إدارة جامعية وأم لثلاثة أطفال، لـ"العربي الجديد": "حاولت اقتناء ألبسة قبل أسبوع من العيد لتفادي الازدحام الذي تشهده المحلات خلال الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل. وقدم التجار عروضاً جيدة للملابس وأصنافاً متنوعة، وأخذت وقتي في شراء الأفضل وبأسعار معقولة كي يفرح أطفالي بالعيد". ويقول رشيد بيسة، صاحب محل لبيع ملابس أطفال في محافظة تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد": "تظهر مقارنة أسعار هذا العام بسابقه انخفاض أسعار السلع التي أصبحت أكثر توفراً مقارنة بالعامين الماضيين، ما يشجع الحركة التجارية، ويعزز القدرة الشرائية بالنسبة إلى العائلات. وفرضت كثرة المنافسة خفض التجار الأسعار من أجل تصريف البضائع".
وقد أطلق الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين مبادرة لدعم توفير التجار والمتعاملين الاقتصاديين الاحتياجات المرتبطة بعيد الفطر بأسعار معقولة، من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن. ونفذ حملات طالبت تجار الألبسة بخفض أسعار ملابس العيد ومستلزمات الحلويات بسرعة للتكافل مع المواطنين. ومثّل العيد فرصة أيضاً لتحسين أعمال محلات تبيع المسك والعطور والعباءات التي يرتديها الرجال صباح العيد لأداء الصلاة أو حتى طوال يوم العيد، وأيضاً للمحلات التي تبيع ألعاب الأطفال، والتي عرضت سلعاً مختلفة ومتنوعة، وقدمت عروض أسعار.
ونشطت عشية عيد الفطر جهود الجمعيات الأهلية في الجزائر لدعم العائلات الفقيرة والمعوزة، عبر منحها ملابس العيد للأطفال من إدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم، رغم أن جزءاً من نشاط هذه الجمعيات موجه في هذه الظروف لجمع المساعدات والتبرعات لصالح الشعب الفلسطيني في غزة. ويقول الناشط في جمعية الإرشاد والإصلاح محمد قاضي لـ"العربي الجديد": "قدمنا مساعدات في إطار برنامج كسوة العيد لصالح اليتامى والأطفال المعوزين، لكن غصتنا كبيرة على غزة التي تتعلق قلوبنا بها هذا العام، ونفكر بها في كل لحظة.
وأبرز ما يفعله الجزائريون في عيد الفطر زيارة الأهل والتغافر مع الجيران، وهم ينتقلون بعد انتهاء صلاة العيد لمعايدة أهاليهم، كما ينفذون أنشطة أخرى لزيارة المرضى في المستشفيات. أيضاً تفتح الحدائق والمنتزهات أبوابها في يوم العيد، فتفضّل العائلات الذهاب إليها كي يستطيع أطفالها الاستمتاع بالألعاب". لكنه يستدرك بأن "مظاهر الفرحة لن تكون مكتملة في هذا العيد". ويعتبر محمد شرادة، وهو موظف في شركة تعهدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "قد يكون من المناسب عدم إظهار الفرحة أو المبالغة فيها، والعيد الحالي يشكل أيضاً فرصة لإظهار التضامن مع الفلسطينيين، لأننا فعلاً جسد واحد. وإذا تألمت غزة نتألم كلنا، ومهما كانت الأحوال لن تكتمل فرحة عيد هذا العام".