عمر عساف... أسير محرّر يختبر التجويع والإهمال الطبي

رام الله

جهاد بركات

جهاد بركات
26 ابريل 2024
شهادة الأسير عمر عساف عن 6 أشهر في السجن وكيف غيّرت ملامحه
+ الخط -

كبيرة هي المعاناة التي عايشها الأسير المحرر عمر عساف خلال ستة أشهر من الاعتقال، في ظل سياسة التجويع المعتمدة في سجون الاحتلال وخصوصاً بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، علماً أن المعاناة تطاول جميع الأسرى.

خسر منسق المؤتمر الشعبي الفلسطيني ــ 14 مليون، عمر عساف، 29 كيلوغراماً خلال ستة أشهر قضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهي مدة حكم السجن الإداري الذي صدر بحقه من قبل قائد عسكري إسرائيلي وفقاً لملف سري. وتكشف حالة عساف الذي أفرج عنه يوم الإثنين الماضي من سجن عوفر المقام غرب رام الله وسط الضفة الغربية، تأثير سياسة التجويع التي تمارس بحق الأسرى الفلسطينيين.
صورة عساف انتشرت بشكل كبير. ولا تظهر فقط الخسارة الكبيرة في الوزن، بل بدا في الصورة التي التقطها الصحافي محمد تركمان وكأنه كبر سنوات خلال أشهر عدة. بدا أنه لم يحلق شعره أو لحيته، علماً أنه اعتاد حلقها بشكل روتيني، فيما زاد الشيب في رأسه والتجاعيد في وجهه.
صحيح أن عساف شذب لحيته بعد الإفراج عنه، لكن آثار الأشهر الستة الماضية كانت واضحة. وحين يتحدث عن الظروف التي يمر بها الأسرى، لا يمكن استغراب الأمر. يروي لـ"العربي الجديد" بعضاً مما عاشه، لافتاً إلى أنه يظل جزءاً يسيراً مما يتعرض له كافة الأسرى، وخصوصاً الغزيين في السجون الإسرائيلية الذين يعانون مستوى آخر من التنكيل والتعذيب. ويشير إلى أنه كان قد اعتقل مرات كثيرة في السابق، إلا أن الأوضاع في السجون لم تكن كما هي الحال اليوم.  
بدأت قصة عساف مع الاعتقال من التهمة التي اعتبرها "نكتة". فعلى الرغم من أن الاعتقال الإداري بلا تهمة ويعتمد على ملفات سرية يقدمها جهاز استخبارات الاحتلال، إلا أن أمر الاعتقال الصادر عن قائد عسكري إسرائيلي تضمن سبب الاعتقال، وهو أنه "ناشط كبير في حركة حماس". ويقول: "كانت هذه نكتة بالنسبة إلي ولكل من يعرفني ويعرف الواقع". فعساف كان قبل اعتقاله منسقاً للمؤتمر الشعبي الفلسطيني- 14 مليون، وهو عضو سابق في المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

ويؤكد عساف أن مؤسسات الاحتلال وخلال جلسات محاكمته، أدركت الخطأ وقالت إنها صححته، لكن هذه المرة بالادعاء أنه قائد في الحراك الشبابي، ليجيبهم: "تصوروا أن شخصاً بعمر 74 عاماً يقود حراكاً شبابياً". ويفسر عساف تلك التهم بأنها تأكيد على أن الاعتقال هو الأساس لدى الاحتلال ثم يتم البحث عن التهمة، وهو ما عده ارتباكاً ورغبة في الانتقام من الشعب الفلسطيني.
عاش عساف في سجن عوفر المعاناة التي عايشها أسرى فقدوا، كما قال، "عشرات آلاف الأطنان من اللحم البشري" خلال الأشهر التي مضت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جراء سياسة ممنهجة تتعامل معهم كرهائن لا أسرى ولا معتقلين. لا يقدم لهم الطعام الكافي ويعانون القمع والاضطهاد والضرب والبطش والإهمال الطبي. ويشرح سياسة التجويع التي تنتهجها إدارة سجون الاحتلال موضحاً أنها مؤلفة من شقين: الأول هو نوع الطعام، إذ لا يحصل الأسرى على الفاكهة أبداً، لا موز ولا تفاح ولا برتقال ولا عنب. كل شيء ممنوع. كما لا يحصلون على لحوم طازجة، وقد مرت عليه الأشهر الستة من دون أن يتناول قطعة لحم أو دجاج أو سمك أو شايا ساخنا أو قهوة ساخنة. كما لا يحصل المدخنون على سجائر. كما تغيب المواد الأساسية وتكتفي إدارة سجون الاحتلال بمواد يصفها عساف بأنها لتعبئة المعدة فقط. الوجبة الرئيسية عبارة عن أرز وفاصولياء يابسة، أو عدس أو حمص، وكلها مسلوقة مع كميات قليلة من الخضر. 
أما الشق الثاني من سياسة التجويع فيتعلق بالكميات. ويقول عساف إن الطعام يقدم بكميات قليلة جداً، لكن ذلك يختلف من سجن إلى آخر. ففي معسكر تحقيق عتصيون، يقدم كأس من الأرز المطبوخ لأربعة أشخاص، وفي سجون أخرى أقل من كأس أرز للشخص الواحد، بينما تقدم حبة جزر واحدة وحبتا طماطم لعشرة أشخاص.
اما الإفطار، فهو عبارة عن خمسين غراماً من اللبنة في اليوم، مع ملعقة مربى كل يومين لكل أسير، ولا يستطيع الأسرى تقسيم المربى المقدم لهم في يوم واحد بسبب محدودية الكمية. أما الخبز فيقدم على شكل شرائح، ولكل فرد 375 غراما طوال اليوم، وهي لا تكفي لوجبة واحدة. أما في معسكر عتصيون، فتقدم خلال شهر رمضان شريحتا خبز فقط مع قليل من اللبن للإفطار أو السحور.

عمر عساف بعد الإفراج عنه (العربي الجديد)
عمر عساف بعد الإفراج عنه (العربي الجديد)

يتابع عساف: "هناك تجويع ممنهج ورسمي"، لكن ذلك ليس كل شيء. فالعلاج معاناة أخرى وقد مر بتجربة شكلت خطراً حقيقياً على حياته بسبب جرح بسيط. عانى عساف من جرح في رأسه أدى نتيجة طريقة التعامل معه إلى التهاب تسبب بتساقط ثلث شعره، وانخفاض كبير في ضغط دمه. وأثار عساف الأمر في المحكمة العسكرية التي طلبت تقريراً طبياً. وحين سأله الطبيب لماذا يقول إنه تعرض لإهمال طبي، أجابه أنه منذ صغره، يعلم أن الجرح في الرأس يحتاج إلى خطوات لعلاجه، وهي إزالة الشعر المحيط به، وتعقيم وتطهير الجرح ثم خياطته وإعطاء المريض مضاداً حيوياً لمنع الالتهاب. لكن ما فعله الاحتلال هو إغلاق الجرح بواسطة التدبيس الجراحي مباشرة على الأوساخ فيه، دون أي خطوة أخرى، ما أدى إلى الالتهاب.
أكثر من ذلك، يقول عساف إن أي مريض يحتاج إلى تدخل طبي ينادي ويصرخ ليفحصه الممرض، لكن الأخير لا يحضر. ويقول بعض الممرضين إنه حين يموت شخص يمكنكم مناداتنا، فيما شارك آخرون السجانين قمع الأسرى. ويعاني الأسرى ظروفاً نفسية وضغوطاً كبيرة، فقد تعرضت الغرفة التي كان فيها عساف للاقتحام مرتين، إحداهما في عيد الفطر وقد عوقب من في الغرفة بسبب العثور على قطعة حديدية يستخدمونها لتقطيع الطماطم المخصصة لخمسة أشخاص، والمرة الثانية بسبب العثور على "قشاطة أرض" للتنظيف.

ويوضح عساف أن الأسرى يواجهون أضعاف ما عاناه، واصفاً وضعهم بأنه أكثر مأساوية وأكثر حزناً في ظل القمع والتنكيل والضرب والصراخ بشكل يومي، عدا عن الكلاب البوليسية التي تهاجمهم، والقيود في أرجلهم صباح مساء، والطلب منهم بأن يهتفوا للاحتلال ويشتموا المقاومة. يتابع أن المعاناة الكاملة في السجون تحتاج إلى الكثير من الكتابات، والكثير من الفضح، وتدخّل المؤسسات الحقوقية المحلية والأجنبية.
إلى ذلك، يؤكد نادي الأسير الفلسطيني، في بيان، أنّ كافة السياسات والإجراءات التي تنفذها إدارة سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر هي سياسات ثابتة وممنهجة، وكانت قد استخدمتها في حق الأسرى على مدار عقود طويلة، إلا أن المتغير الوحيد هو تصاعد هذه السياسات وكثافتها.
وبحسب نادي الأسير، تعتبر سياسة التجويع أخطر السياسات التي فرضها الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، إلى جانب عمليات التعذيب والتنكيل التي طاولت كافة الأسرى والأسيرات والأطفال المعتقلين، وسببت لهم مشاكل صحيّة تحديداً في الجهاز الهضمي، بالإضافة إلى نقصان الوزن الذي يعاني منه جميع الأسرى اليوم.
عكست صور الأسرى المفرج عنهم، وفق نادي الأسير، نقصان الوزن الحاد للعديد منهم، وتفاقمت بشكل غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر، جرّاء جملة الإجراءات التي فرضتها، ومنها إغلاق ما تسمى بـ "الكانتينا" (بقالة السجن)، ومصادرة ما تبقى للأسرى من مواد غذائية، وتقليص وجبات الطعام، عدا عن أن الطعام المقدم لهم سيئ كماً ونوعاً، ما أثر على مصيرهم وتحديداً المرضى منهم، وساهم في تفاقم أوضاعهم الصحيّة. كما ساهم زج الآلاف من المعتقلين بعد السابع من أكتوبر في الزنازين دون توفير الطعام إلى تفاقم سياسة التجويع. ومنذ السابع من أكتوبر، نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلي حملات اعتقال واسعة في كافة أنحاء فلسطين، وتمكّنت المؤسسات في إطار متابعتها، توثيق نحو 8500 حالة اعتقال في الضفة الغربية تشمل من أفرج عنهم أو أبقي على اعتقالهم.
وبلغ عدد إجمالي الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى بداية إبريل/ نيسان الجاري، أكثر من 9500، وأكثر من (3660) منهم من المعتقلين الإداريين. وبلغ عدد من صنفهم الاحتلال بالمقاتلين غير الشرعيين 849 وفقاً لما أعلنت عنه إدارة السجون. وهذا المعطى الوحيد المُعلن بشأن معتقلي غزة في السجون والذين يمارس الاحتلال بحقهم سياسة الإخفاء القسري.

ذات صلة

الصورة
مجزرة عين يعقوب في عكار شمالي لبنان 12/11/2024 (عمر إبراهيم/رويترز)

سياسة

تهيمن الصدمة والغضب على السكان، في بلدة عين يعقوب الواقعة في أقصى شمال لبنان، فيما يواصل مسعفون البحث بأيديهم بين أنقاض مبنى كانت تقطنه عائلات نازحة.
الصورة
عمال إنقاذ وسط الدمار الناجم عن غارة جوية على غزة، 7 نوفمبر 2024 (Getty)

سياسة

زعمت القناة 12 العبرية، أمس الاثنين، أن الإدارة الأميركية قدّمت للسلطة الفلسطينية مقترحاً بشأن الإدارة المستقبلية لقطاع غزة
الصورة
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش / 3 يونيو 2024 (Getty)

سياسة

أعلن وزير المالية  الإسرائيلي والوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، الاثنين، أن العمل نحو فرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة قد بدأ
الصورة
استعداد لاستقبال الأسرى أمام سجن عوفر (العربي الجديد)

مجتمع

تشكّل قضية معتقلي غزة في سجون الاحتلال التّحدي الأبرز أمام المؤسسات المختصة مع استمرار جريمة الإخفاء القسري، التي طاولت الآلاف من معتقلي غزة
المساهمون