عصام عيّاد يستعرض ولع اللبنانيّين بالمونديال

29 نوفمبر 2022
المشجع اللبناني عصام عياد (حسين بيضون)
+ الخط -

يسرد السبعيني عصام عيّاد، المعروف بـ"بطل التشجيع الأول"، لـ"العربي الجديد"، ذكرياته حول العديد من المونديالات، وما يكتنزه من صورٍ لأبرز محطّات مسيرته الرياضيّة، وبعضها طبعها الزمن باللّون الأصفر من دون أن يخدش مضمونها، وخصوصاً قصاصات الجرائد التي يحتفظ بها.
هو برازيليّ الهوى، ولا يقبل الخسارة، وإنْ غادر منتخب السامبا كأس العالم، يتوقّف عن مشاهدة مباريات المونديال، وهو يردد هتافات كان يؤلّفها ليجوب بها شوارع بيروت، من بينها: "ثلاثة ما إلهن بديل: الله، ولبنان والبرازيل"، و"إيه العظمة دي كلّها. آه يا برازيل يا أُبّهة"، و"سنة وسنتين، شوفوا البرازيل ماشية لوين"، و"شدّوا الهمّة، الهمّة قويّة، كلّ العالم برازيليّة".

يبلغ عصام عياد من العمر 73 سنة، ويبحر في شريط ذاكرته ليسرد كيف كان غالبية اللبنانيّين يشجّعون البرازيل في الستينيات والسبعينيات. يقول: "كنتُ أحرص قبل بدء مباريات كأس العالم على رفع أعلام البرازيل على الشرفة، كما كنتُ أرتدي لباس الفريق خلال المباريات، وأقود تظاهرات التشجيع، ولم يمنعني التقدّم في العمر من تغيير عاداتي، وأوكلتُ جزءا من المهمّة لابني سليم الذي بات يساعدني في رفع الأعلام. سليم يعشق كرة القدم كوالده، ويلعب مع فريق الأنصار".
بحماسه المعهود، يستعيد ما وثّقته الذاكرة قائلاً: "أشجع منتخب البرازيل منذ السبعينيات، وما زلتُ أذكر الأداء الرائع لكلّ من جارزينيو وكارلوس ألبرتو وريفيلينو، والأسطورة بيليه، والمهاجم توستاو في نهائي مونديال 1970، حين فازت البرازيل بأربعة أهداف، وهذه أول مباراة شاهدتها عبر شاشة تلفزيون لبنان، قبل أن تُتاح إمكانيّة المشاهدة في المنازل والمقاهي والمطاعم عبر محطّاتٍ محليّة وإقليميّة وعالميّة".
يقود عصام جمهور منتخب لبنان لكرة القدم، وتجوّل معه في أكثر من دولة، ويرى أنّ "حماس اللبنانيّين لكرة القدم ليس جديداً، وربما بات أكبر من الماضي، ومحبّو اللّعبة لم يردعهم القصف ولا القذائف خلال الحرب الأهلية، أو خلال الاجتياح الإسرائيلي، عن تشجيع فرقهم ولاعبيهم المميّزين. اجتمعت العائلات في نهائي (مونديال مارادونا) عام 1986، واشتعلت الأجواء، وتعالت الصيحات، واحتدم التنافس بين مشجّعي ألمانيا والأرجنتين".

الصورة
كبير مشجعي نادي الأنصار (حسين بيضون)
كبير مشجعي نادي الأنصار (حسين بيضون)

يسرد المشجع الشهير الملقب باسم "أبو ماهر" تاريخاً من الحكايات، إذ لعب كرة القدم في عمر 11 سنة، وتنقّل بين فرق عدة، قبل أن ينضمّ إلى نادي "الأنصار"، ثم تعرّض في عام 1974، لحادث إطلاق نار، أُصيب على إثره في بطنه وقدميه، ما أعاق قدرته على اللّعب، ولم يكن حينها يتجاوز 22 سنة. يضيف: "لعبتُ إلى جانب لاعبين كبار في منتخب العرب، وشاركتُ في بطولات عدة، وكانت الحادثة دافعاً للتفرغ للتشجيع".
يتذكر أبو ماهر عام 1994، حين قاد تشجيع منتخب لبنان في تصفيات كأس العالم، وكان ذلك برفقة الفنانين أنطوان كرباج وأحمد الزين وإحسان صادق وسامي مقصود وإيلي صنيفر وإحسان المنذر ومنير غاوي وبيار غانم وعاطف العلم، حينها فاز لبنان على منتخب الهند في مباراة أُقيمت على ملعب برج حمود (شمال شرقي بيروت)، وجرت على وقع هتافات "نحنا لبنانيّة". 
وترافقت المباراة مع مسيرةٍ حاشدة انطلقت من ساحة ملعب بيروت البلدي باتّجاه ملعب برج حمود، وتخلّلتها مجموعة من الأناشيد المبتكرة على وقع الطبل والمزمار لدعم المنتخب الوطني، كما ارتدى الجمهور أزياء تراثية. في هذه المناسبة، كتب الشاعران اللبنانيّان حسين السيد وحسن الدقدوقي نشيدين، أحدهما يقول: "بأعلى صوتي بنادي. صرخة من وادي لوادي. والحناجر بالملاعب. ما بتحيّي لاعب لاعب. بتحيّي منتخب بلادي".

الصورة
مع رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري (العربي الجديد)
مع رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري (العربي الجديد)

ويشير قائد مشجّعي "الأنصار"، إلى مباراة لبنان مع فريق "الفتوّة" السوري، قائلاً: "كان جمهورهم آنذاك الجيش السوري، ولما بدأوا بشتمنا وقذفنا بالحجارة، ردّدتُ أغنية (الله أكبر فوق كيد المعتدي)، فذاع صيت تلك الواقعة، وفي مباراةٍ أخرى على ملعب بيروت البلدي ضدّ المنتخب الإماراتي، احتشد نحو 18 ألف مشجّع، فرغبتُ بابتكار طريقة لإسعاد الجمهور، فطلبتُ من كلّ من يحبّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونادي الأنصار، أن يضرب من يجاوره كفّاً، فأكلتُ بدوري كفّاً من الخلف".
يتصفح "المشجّع الوطني الأول"، كما يطلق عليه، مقالات الصحف، مشيراً إلى خبرٍ يصفه بـ"اللاعب الخفيّ في نادي الأنصار بعد فوز لبنان على منتخب إيران"، يقول: "حينها كانت المياه أهم من البترول". وفي إحدى القصاصات الورقيّة، ورد أنّ اللاعب السعودي عبدالله الحارثي اعتبر الجمهور السبب خلف إهداره ضربة الترجيح، حينها كان عصام عيّاد يقود الجماهير، ولم تمنعه عملية جراحيّة أجراها من الحضور إلى الملعب.

يروي عصام، الأب لسبعة أولاد، كيف كان يجمع بين موهبتَيه الرياضيّة والفنيّة، قائلاً: "كان أدائي المسرحيّ بارزاً في المدرج، وأتقنت تقليد صوت الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وعندها توجّهتُ إلى الجماهير بالقول: أيها الإخوة والأخوات، الأحياء منكم مشيراً إلى جمهور فريق الأنصار، والأموات مشيراً إلى جمهور فريق النجمة. كما كنتُ أقتبس كلمات وعبارات من خطابات السادات، فأصبحتُ حديث وسائل الإعلام، وحصدتُ جوائز تقديريّة، من بينها كأس المشجّع المثالي، وحضرت في العديد من احتفالات التكريم".
ويتابع: "لم أتوان يوماً عن بثّ روح الحماس في الجماهير، وإشعال المدرّجات عبر أغانٍ عديدة، من بينها (اللّعبة حلوة برجالها. لا بقصورها ولا بمالها. ويلّي بحبّ الأنصار. أوعا يعشق بدالها)، وأيضاً (كلّ العالم بتزقّف. لمّا الأنصار بهدّف".
ونشط عصام عياد لاحقاً في تنظيم مهرجاناتٍ انتخابيّة ورياضيّة، وعُرف بأعماله الفنيّة والمسرحيّة، ويختم حديثه بأغنية قديمة يعتبر أنّها مناسبة للوضع الحالي، تقول: "اتّفقوا حتّى يتّفقوا. اتّفقوا تَمَا يتّفقوا. وحبّة فول ما بفقّوا. وجنّ العالم جنّ".

المساهمون