بعد انقضاء أكثر من 15 يوماً على حريق ملولة الذي نشب في أكبر غابات تونس شمال غربي البلاد، لا تزال إيناس الحسناوي ترى المشهد ذاته في أحلامها، كما يرفض أطفالها العودة إلى منزلهم في منطقة "الحساينية"، بينما دخل والدها في حالة اكتئاب بعد أن خسرت العائلة بستان الأشجار المثمرة الذي استغرق سنوات لينمو.
تقول إيناس، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إنّ "مشهد الحريق الهائل الذي عاشته المنطقة بات كابوساً يلاحق المواطنين في صحوهم ومنامهم، غير أنهم مطالبون بالعودة بشكل طبيعي إلى حياتهم اليومية والتغافل على الندوب التي خلفتها النيران في نفسياتهم".
وتحتاج إيناس، الأم الثلاثينية، إلى الإحاطة النفسية حتى تتجاوز أزمتها، غير أنها لا تجد هذه العناية الكافية من أي طرف رسمي غير أسرتها وأصدقائها، الذي يخففون عنها ألم خسارة بستان الأشجار المثمرة الذي تحوّل إلى كتلة رماد، وفق ما روته.
وتؤكد المتحدثة أنّ "وضعها النفسي السيئ قد يكون أحسن من أوضاع آخرين من أبناء منطقتها فقدوا منازلهم وكل موارد رزقهم وأجبرتهم الحرائق على التشرد في انتظار حلول قد تتأخر".
وتعتبر إيناس أن" أصعب ما قد يمر به الإنسان هو أن يرى الأشياء التي رعاها لسنوات طويلة تتحول إلى ركام بفعل النيران والحرائق"، مؤكدة أن" السلطات تكتفي بحصر الخسائر المادية من دون أن تنتبه إلى الآثار النفسية المدمرة التي يتحملها ضحايا الحرائق في صمت".
وتمثل إيناس الحسناوي واحدة من مئات المواطنين المتضررين من الحرائق التي تشتعل سنويا في المناطق الغابية، والتي تخلف أضرارا كبيرة في الممتلكات والمساحات الرعوية التي يتعايش منها ساكنو تلك المناطق.
لكن وزارة الصحة التونسية أعلنت، عقب اشتعال الحرائق شمالي البلاد وإجلاء المواطنين من مساكنهم، تفعيل خلية أزمة للإحاطة النفسية بالمتضررين.
وتؤكد منسقة خلية الإحاطة النفسية وقت الأزمات بوزارة الصحة هندة الشابي أنّ "خلايا الإحاطة بمتضرري الحوادث الكبرى أو الكوارث الطبيعية تُفعّل مباشرة عقب كل حادث، من أجل توفير الدعم النفسي بالمتضررين ومساعدتهم على تجاوز الصدمات سريعا وبأخف الأضرار".
وتقول الشابي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "خلايا الإحاطة المتكونة من أطباء نفسانيين وكوادر صحية متكونة في مجال الرعاية النفسية تعمل على مساعدة المتضررين على إعادة الاندماج مجتمعيا والتعامل السليم مع الأزمات"، مشيرة إلى أن" المتضررين من الحرائق غالبا ما يتجاوزون الأزمات بشكل أسرع من ضحايا الحوادث المرورية الكبرى أو الحوادث الإرهابية".
وتفسّر الشابي ذلك بـ"طبيعة الحياة في المناطق الغابية التي تزيد من الصلابة النفسية للمتضررين وتجعلهم أكثر تقبلا للحوادث الطبيعية، سواء كانت حرائق أو فيضانات".
وتابعت: "تظل الإحاطة النفسية مهمـة جدا للمتضررين حتى وإن تمكنوا من تجاوز أزماتهم بسرعة".
غير أن منسقة وحدة الإحاطة بوزارة الصحة أكدت أن "هؤلاء الضحايا نادرا ما يلجؤون إلى عيادات نفسية لتجاوز الأزمة، بسبب انشغالهم بوضعهم المعيشي والعودة سريعا للبحث على مصادر رزق جديدة التي تمثل أولوية مطلقة بالنسبة إليهم".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أطلقت تونس لأول مرة مسارا لتنفيذ خطة تساعد النساء على تجاوز التأثيرات المناخية على حياتهن وأسرهن في أفق 2025، بعد بروز مخاطر جديّة لتأثير المناخ على حياة التونسيين مستقبلا.
وتستهدف الخطة، التي أعلنت عنها وزارة المرأة، توفير مصادر دخل بديلة للنساء المهددات بالجفاف والحرائق التي تشكل خطرا على مصادر دخلهن، ولا سيما العاملات في القطاع الزراعي، إلى جانب مقاومة التغيرات المناخيّة من خلال تغيير السلوكيات العامة للإنسان والتعويل على دور المرأة الفاعل في إحداث هذه التغيرات.
وتُخطّط وزارة المرأة لتمكين المرأة وتعزيز صمودها ضد التغيرات المناخية عبر مضاعفة عدد المجامع التنموية النسائية والترفيع في الاعتمادات المخصصة لبرامج التمكين الاقتصادي لأمهات التلاميذ المهددين بالانقطاع المدرسي والدعم الاقتصادي للأسر ذات الأولويّة.