صينيون يرفضون الإنجاب رغم الحوافز

28 يوليو 2021
اكتفت هذه العائلة بطفلين (Getty)
+ الخط -

يبدو أنّ سماح الصين لمواطنيها بإنجاب طفل ثالث ليس كافياً للحدّ من الانخفاض الكبير بأعداد المواليد الجدد في أكبر دول العالم من حيث عدد السكان (1.4 مليار نسمة)، كما أنه لم يشكل دافعاً لتغيير عزوف الأزواج عن فكرة الإنجاب بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. 
ففي أعقاب قرار الحكومة الصينية تحسين سياسات تحديد النسل في البلاد، لتجنب حدوث أزمة ديموغرافية، أجرت العديد من المعاهد الأكاديمية والمراكز البحثية في البلاد استطلاعات رأي لمعرفة مدى استجابة المواطنين للإجراءات الجديدة، مثل أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية، ومعهد إيفرجراند للأبحاث، ومركز الإحصاء الوطني في العاصمة بكين، وكانت النتيجة صادمة بالنسبة لأصحاب القرار، وقد أعرب 90 في المائة ممن استطلعت آراؤهم عن رفضهم لإنجاب المزيد من الأطفال.
وفي استطلاع آخر أجراه موقع ويبو (المعادل الصيني لموقع تويتر)، سألت منصة التواصل الاجتماعي الرائدة في الصين، المواطنين عن عدد الأطفال الذين سيكونون على استعداد لإنجابهم بعد تحرير القيود المفروضة على الولادة. فقال 220 ألفاً من أصل 344 ألفاً شاركوا في الاستطلاع، إنهم لن ينجبوا أطفالاً، بينما كشف 96 ألفاً منهم عن رغبتهم في إنجاب طفل واحد، وأقل من عشرة آلاف قالوا إنهم على استعداد لإنجاب ثلاثة أطفال.
بالإضافة إلى استطلاعات الرأي، فُتح نقاش على منصات التواصل الاجتماعي الصينية، حول العبء المالي والتحديات المرتبطة بإنجاب الأطفال، وتركزت جميع الملاحظات حول صعوبة الإنجاب في ظل ارتفاع تكاليف الرعاية ومتطلبات الحياة الجديدة.
وكانت الحكومة الصينية قد سمحت في شهر مايو/ أيار الماضي بإنجاب طفل ثالث في إطار إجراءات طارئة اتخذتها السلطات لمواجهة تداعيات سياسة الطفل الواحد التي استمرت لعقود. وتواجه الصين حالة طوارئ ديموغرافية في ظل ارتفاع معدلات الشيخوخة وتراجع نسبة المواليد الجدد. مع ذلك، قوبلت السياسة الجديدة بشكوك واسعة النطاق حول قدرتها على التأثير في التركيبة السكانية الصينية، وخصوصاً أن العديد من العائلات تحجم حتى عن إنجاب طفل واحد تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والتكاليف العالية لتربية الأبناء، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تقديم حوافز لضمان الاستجابة المجتمعية، تشمل زيادة مدة إجازة الأمومة بالإضافة إلى إعفاءات ضريبية وحوافز مادية أخرى.

حوافز جديدة
تمثلت الحوافز الجديدة التي كشف النقاب عنها يوم 26 يونيو/ حزيران الماضي، بحزمة من الإجراءات ضمن نظام اجتماعي يدعم بشكل فعال المواليد الجدد بخدمات أفضل وتكاليف أقل في الإنجاب والرعاية والتعليم، ويشمل ذلك تخفيضات ضريبية لنفقات الأطفال دون سن الثالثة، بالإضافة إلى تنفيذ نظام المكافآت والسياسات التفضيلية للأسر التي لديها طفل واحد، والأسر الريفية التي لديها ابنتان فقط ولدتا قبل السماح بإنجاب طفل ثان عام 2016، وإنشاء نظام إجازة للأبناء من أسر الطفل الواحد لرعاية والديهم.
وتشمل الإجراءات أيضاً دفع المدارس الابتدائية والمتوسطة إلى تمديد اليوم الدراسي لمدة ساعتين على الأقل خلال أيام الأسبوع، ليتوافق ذلك مع احتياجات الآباء العاملين. كما ستتم إضافة نصف مليون مركز لرعاية الأطفال منخفضة الكلفة في 150 مدينة، وسيتم توسيع مدارس حضانة الأطفال دون سن الثالثة من 1.8 لكل ألف طفل إلى 4.5.

هل تدفع المحفزات الجديدة لإنجاب أكثر من طفل؟ (شيلدون كوبر/ Getty)
هل تدفع المحفزات الجديدة لإنجاب أكثر من طفل؟ (شيلدون كوبر/ Getty)

وقال مسؤولون صينيون إن المهمة الرئيسية من تنفيذ الإجراءات الجديدة التي جاءت في إطار استراتيجية وطنية للاستجابة الفعالة لشيخوخة السكان، هي تحسين تدابير الدعم وتخفيف مخاوف الأسر لإطلاق العنان لإمكانية الإنجاب، معتبرين أن ذلك سيساعد في تخفيف العبء المادي على الشباب في سن الإنجاب، الأمر الذي قد يساهم مستقبلاً في تحسين الهيكل الديموغرافي للصين من خلال الحفاظ على نمو سكاني متوازن.
في المقابل، أعرب مواطنون صينيون عن رفضهم لفكرة الإنجاب حتى بعد السماح بإنجاب طفل ثالث. وتقول تشينغ يانغ (29 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنها لم تكلف نفسها حتى عناء الاطلاع على الامتيازات الجديدة، لأنها بالكاد تجد الوقت لرعاية طفلها الوحيد البالغ من العمر عامين، إذ تعمل مع زوجها في مكتب استشارات في العاصمة بكين، وقد طلبت من أمها القدوم من الريف للاعتناء بالطفل. تضيف: "تجربتي كأم مع طفل وحيد كفيلة بجعلي أصرف النظر عن فكرة الإنجاب بالمطلق. لماذا عليّ أن أقدم على هذه الخطوة لمجرد وعود بحوافز ومكافآت مالية؟ مشكلتي مع الوقت. أنا مشغولة طوال اليوم في العمل من أجل توفير تكاليف السكن والمعيشة. وبعد عام، سيذهب طفلي إلى الحضانة، الأمر الذي يتطلب تكاليف باهظة. إذا كانت الحكومة ستدفع لي راتباً من دون أن أعمل لأبقى في المنزل لرعاية طفلي، قد أفكر في الأمر لاحقاً. أما الآن فلا أملك الطاقة والمال لفعل ذلك".

أزمة رعاية
من جهته، يقلّل الخبير في الشأن الديمغرافي دا فو جاو، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من قدرة الإجراءات الحكومية الجديدة على إحداث تغييرات جوهرية في معدلات المواليد المنخفضة. ويقول إنّه قد يطرأ ارتفاع طفيف خلال السنوات القليلة المقبلة، ولكن على المدى البعيد ستبقى أزمة الخصوبة قائمة. ويرجع ذلك إلى عدم وجود بيئة اجتماعية مناسبة لرعاية الأطفال الجدد، في ظل انشغال الوالدين، واقتصار الأسرة الصينية على أربعة أفراد فقط بسبب سياسات تحديد النسل، منهم إثنان في مرحلة الشيخوخة، يحتاجان بدورهما للرعاية، في حين أن الأبناء يلجأون إلى الآباء لمساعدتهم في تربية الأحفاد، معتبراً ذلك استنزافاً للأسرة الصينية يحول دون القدرة على مواصلة الإنجاب وإكمال دورة الحياة الطبيعية.
ويقول دا فو جاو إنّ الحل يكمن في تنفيذ برامج محكمة ومترابطة بين الحكومة والمؤسسات المجتمعية، تغطي العملية بأكملها من الزواج مروراً بالإنجاب وصولاً إلى التعليم والرعاية الصحية. ويلفت إلى أن هذا الأمر يتطلب جهوداً مشتركة من كل المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة في الصين.
يشار إلى أن عدد المواليد الجدد في الصين شهد انخفاضاً حاداً خلال العام الماضي بنسبة 15 في المائة مقارنة بالعام السابق. وهو أقل بكثير من 14 مليوناً، مقارنة بالمتوسط السنوي البالغ 16 مليوناً.

المساهمون