لم تعد المخيمات الصيفية متاحة لأطفال غزة كما في السابق، إذ أصبحت غالبيتها تحتاج إلى رسوم تسجيل وتنقلات، بعدما كانت مجانية وتموّلها جمعيات ومؤسسات لرعاية الطفولة وغيرها، في إطار مشاريع تغطيها تبرعات من الخارج، وتجمع سنوياً أكبر عدد ممكن من الأطفال والبراعم وحتى المراهقين، لمحاولة إخراجهم من واقعهم الصعب وأزماتهم القاسية.
وحتّم تقلص الدعم الدولي عزوف الكثير من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، خصوصاً تلك المعنية بتنشيط الأطفال والعائلات، عن تخصيص مخيمات صيفية مجانية للأطفال هذا العام، في حين أعلنت بعض المؤسسات تنظيم مخيمات صيفية برسوم اشتراك محددة، جعلت أسر كثيرة تعجز عن تنفيذ رغبات أطفالهم في تسجيلهم وتوفير وسائل الترفيه لهم.
تعمل مريم أبو شعبان مشرفة تربوية في جمعية الطفل الفلسطيني التي تهتم منذ تأسيسها عام 2004 بشؤون المرأة والطفل والصغار ذوي الاعاقات، وتقول لـ"العربي الجديد": "عجزت الجمعية للعام الثاني على التوالي عن تنظيم مخيمات صيفية للأطفال بسبب عدم وجود مموّلين. وحين أعلنت عن برنامج مقابل مبلغ 35 شيقلاً (10 دولارات) للطفل الواحد لمدة شهر واحد، انهال غضب الأسر عليها".
تضيف: "استطاعت الجمعية تأمين وجبات طعام يومية في المخيم المقرر، والرسوم التي طلبتها تغطي فقط تكاليف التنقل وحجز قاعات الألعاب، علماً أننا أوقفنا عدداً كبيراً من برامجنا وأعمالنا في الأعوام الأخيرة، كما سرحنا عدداً من العاملين، بسبب قلة التمويل وعدم وجود مشاريع توفر لنا المال، وسنستعين ببعض المتطوعين هذا العام".
تضيف: "اعتادت أسر أن يستفيد أطفالها من مشاريعنا الدورية، وبينها المخيمات الصيفية التي تشكل متنفساً مهماً لهم بعد عام دراسي، ووسيلة مثالية لتعويضهم بعض تأثيرات ظروفهم الصعبة، وحرمانهم من وسائل ترفيه كثيرة وأساسيات كثيرة مهمة في حياتهم. وقد استهدفت الجمعية أكثر من 5 آلاف طفل خلال السنوات الماضية، لكن العجز دفعنا إلى طلب أموال مقابل البرامج الصيفية".
أيضاً، أبدى غزيون غضبهم من مشاهدة إعلانات لمخيمات صيفية تشرف عليها وزارة الشباب والرياضة، وتطالب بدفع رسوم مادية. ويخبر سليم طه (41 عاماً) الذي عجز عن تأمين رسوم للمخيم الصيفي لأطفاله الثلاثة، ومقدارها 400 شيكل (117 دولاراً)، في وقت يخصص نسبة من راتبه لدفع ديون حصل عليها لبناء منزله، ولا يحصل حالياً سوى على نسبة 60 في المائة من راتب عمله لحساب حكومة غزة، أن "توفير مصاريف الإجازة الصيفية مهمة صعبة جداً بالنسبة إلى الغزيين وسط الظروف الاقتصادية الصعبة المتفاقمة. وهي تمنعني شخصياً من استئجار شاليه عائلي كما كنت أفعل سابقاً، ولا يبقى أمامي بالتالي سوى قصد شاطئ البحر المكتظ كل جمعة، فيما يمضي أطفالي بقية أيام الإجازة الصيفية في مشاهدة التلفزيون واستخدام الهاتف الخلوي".
بدوره، يؤكد محمود الزيان (39 عاماً) الذي يعمل ممرضاً، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه أصيب بصدمة من مشاهدة إعلانات المخيمات الصيفية التي تشمل برامج ترفيه في مسابح، ورحلات في قوارب البحر، وزيارة لحديقة الحيوانات، مقابل رسم 150 شيكلاً (45 دولاراً) للطفل الواحد، فتهرب من طلب طفليه الانضمام إلى رفاقهم في أحدها. ويقول: "غزة مثل علبة تونا توجد في شوارعها سيارات كثيرة، وتعاني من ازدحام، ولا تحتوي على ملاعب كثيرة، لذا كانت المخيمات المتنفس السنوي الوحيد للأطفال، واليوم لا بدّ من طرح السؤال، أين سيفجر الأطفال طاقاتهم؟ فحتى شاطئ البحر مكتظ بالناس".
يفيد تقرير نشره "الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة"، وهي "مؤسسة تتابع عمل الحكومات الفلسطينية"، بأن نسبة التمويل الخارجي للحكومة انخفض إلى 37 في المائة خلال العامين الماضيين، ما يهدد بانهيار السلطة الفلسطينية، أما المؤسسات العاملة في قطاع غزة التي تتلقى تمويلاً من دول مانحة بعيداً من الحكومة، فتواجه بدورها نقصاً في المنح المالية.
ويوضح التقرير أن "15 مؤسسة خيرية وإنسانية توقفت عن العمل في غزة بعد تجميد تمويلها الأوروبي في العامين الأخيرين، علماً أن 250 جمعية إغاثة تعمل في غزة، باتت تتلقى تبرعات أقل من مصادر تمويلها في بريطانيا والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا ودول في أميركا الجنوبية، رغم أنها توفر خدمات لأكثر من نصف مليون طفل، و37 ألف أسرة.