صوم الأطفال عادة راسخة في التاريخ الجزائري

09 مايو 2021
تكريم الأطفال الصائمين عادة متجذرة في التاريخ الجزائري (العربي الجديد)
+ الخط -

يحظى الأطفال المقبلون على الصيام للمرة الأولى في شهر رمضان في الجزائر باهتمام مميز وتدريب تدريجي على الصيام، وصيامهم يجعل منهم محل احتفالية خاصة، تتخلّلها طقوس تختلف من منطقة إلى أخرى، لترسخ فيهم قيمة الرغبة في الصوم والصبر وانتظار فرحة أذان الإفطار.
تقيم العائلات الجزائرية احتفاءً خاصاً بصوم الأطفال للمرة الأولى، فهي تعتقد أنّ صومهم محطة مهمة في حياتهم، ومحطة أولى في انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، إضافة إلى أنها تحتفي بإقامة الطفل شعيرة وركناً هاماً من أركان الدين. وتعكف العائلات على إعداد صغارها لأجل هذه الخطوة الانتقالية من حياتهم، ابتداءً من شهر رمضان، لتعويدهم على الصيام رغم صغر سنّهم. وتعد هذه الطقوس ضاربة في التاريخ الجزائري.
يتذكر العم جمال عبيدات، كيف كان إفطار أول صوم لأطفال حي القصبة العتيق وسط العاصمة الجزائرية. يقول لـ"العربي الجديد": "كانت العائلات الجزائرية تجمع الأطفال الصائمين للمرة الأولى للإفطار فوق سطح المنزل (تعرف منازل هذا الحي بالدويرة)، وبسبب الظروف الاجتماعية القاسية حينها، لم تكن تتوفر للعائلات الجزائرية ما تقدمه لأطفالها أفضل من البيض، ولذلك يكون الأخير أهم حاضر في ذلك الإفطار الراسخ في الذاكرة".
عادة ما تحبب العائلات الجزائرية الصيام لأطفالها بشكل تدريجي، بهدف تعويدهم على هذا الركن الأساسي في الدين، فهي تزرع فيهم منذ اللحظة الأولى مشاعر الفخر لإنجازهم ركن الصوم. تشير ربة المنزل نورة معافة، من مدينة قسنطينة شرقي الجزائر، في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أنها تحتفي هذا العام بصيام ابنها آدم للمرة الأولى. وتشرح: "قمنا بتعليمه الصوم تدريجياً، أي خطوة خطوة، كما نعتمد طريقة سهلة لتلقينه الصيام، من خلال صيامه نصف يوم كمرحلة أولى، ثم نشجعه على الصوم حتى فترة العصر، وفي المرحلة الثالثة نقدم له الهدايا لتشجيعه، أو حتى نشجعه من خلال إشراكه في تحدٍ مع ابن الجيران مثلاً. وبعد إنجازه لصيامه بطريقة صحيحة يتم تكريم الطفل بالحلويات، ونشعره بأن صومه مصدر فرح وبهجة للعائلة".

وللاحتفاء بهذه التحوّل في حياة الأطفال خلال شهر رمضان، تستحضِر العائِلات في هذه المنطقة العريقة شرقي الجزائر عادات وتقاليد مميزة، أبرزها استعداد الأسرة كاملة لتهنئة الطفل أثناء أذان المغرب، فيقدم له إفطار يتقدّمه أوّلاً حليب في إناء مصنوع من الفخّار يوضع فيه خاتم من الفضة، إذ يقوم الطفل بشربه مع حبات التمر، وهي عملية ترمز إلى تقديره وعزته أيضاً، أما الفضة فترمز إلى النقاء والصفاء، وتحرص العائلات على شعور الطفل بأهمية ما قام به، كما تقدم بعض العائلات الهدايا لأطفالها.
وفي المناطق الشرقية من الجزائر، عادات مختلفة، ففي مدينة ميلة مثلاً، يتم الاحتفاء بصوم الطفل للمرة الأولى بتحضير طبق "الطمينة"، وهو عبارة عن حلوى تقليدية تصنع من الطحين والسكر أو العسل، والذي يوزّع على الجيران في المنطقة. كما يتم تهنئة الأطفال الصغار، بإعداد مشروب "الشّاربات" التقليدي الذي يتمّ تحضِيره بعصير الليمون وماء الورد المُقطّر والسُكّر احتفالاً بالمناسبة، فضلاً عن تقديم الهدايا والنقود، كما يتم الإعداد لسهرة رمضانية خاصة بحضور جميع أفراد العائلة، وتتخلّلها دعوات الأهل للطفل الصائم بالصّلاح والسّداد.

من جهتها، تعتمِدُ العائلات في منطقة القبائل (وسط الجزائر) على الاحتفاء بالطفل الصائم للمرة الأولى، عبر تمييزه في ذلك اليوم عن طريق وضع أطباق من أشهى المأكولات له في مكان مرتفع من المنزل، سواء في أعلى البيت أو في الطابق العلوي، كرمز من رموز رفع وعلوّ شأنه مستقبلاً. وبالنسبة للأطباق التي تحضرها العائلات احتفالاً بأبنائها الصغار، فترتكز على الحساء والحلويات التقليدية مثل "المحنشة" (حلوى على شكل دائري) و"قلب اللوز" (حلوى جزائرية). كما يرتدي الأطفال في يوم صيامهم الأول ملابس تقليدية من النوع الرفيع، وغالباً ما تكون ملابس مرتبطة بالزي الاحتفالي لتلك المنطقة، سواء للبنات أو للذكور، يعلوها برنوس "السِّتر" (معطف طويل)، بينما يتم تخضيب أيديهم بالحنّة، للتعبير عن الفرح والسعادة بهذا الإنجاز في بيت العائلة.

من جهته، يشير أستاذ علم الاجتماع خالد بلبحري إلى أنّ "تكريم الأطفال الذين يصومون للمرة الأولى، يُعدّ عادة متجذرة في تاريخ الجزائريين، فهي تبرز قيمة رمضان كركن من أركان الإسلام بالنسبة للعائلات الجزائرية، حتى في الظروف التي كان مستوى التعليم والثقافة لدى الجزائريين متدنيا بسبب سياسات التجهيل التي اتبعها الاستعمار الفرنسي". يضيف: "ليس بالضرورة أن تطلب العائلات الصوم من أطفالها، هناك أطفال يجرّبون في البداية الصوم لنصف يوم، كمحاولات منهم لتقليد آبائهم ومن يكبرونهم سناً"، موضحاً أنّ هذه العادات جزء من عملية تربوية للنشء على العبادات وتعظيمها في أعينهم، وترغيبهم في الصوم.

المساهمون