يسعى المسلمون في شتى أرجاء المعمورة إلى إحياء عادات وتقاليد موروثة ومرتبطة بشهر رمضان مع تنويع وتجديد طرق تطبيقها.
الأردنيون كغيرهم من شعوب العالمين العربي والإسلامي يمارسون خلال رمضان طقوساً مختلفة متوارثة منها ما هو شائع وأخرى أصبحت نادرة، وأبرزها "صحن الخير" الذي أضحى عادة تقتصر على فئة محدودة من الناس.
و"صحن الخير" هو طبق طعام متنقل وزائرٌ يطرق أبواب الأردنيين، وتحمله أيادٍ تريد أن تثبت أنّ رمضان ليس كباقي أشهر العام، ووجدت فيه بعض الفئات سبيلاً لتحقيق المحبة والألفة بينها، وطريقاً لإنعاش عادة مضمونها التكافل والتراحم.
محبة وعطاء
من بوابة "نقل المحبة والعطاء" في رمضان، أطلقت الشابة الأردنية مروة بني هذيل (35 عاماً)، مبادرة بالاسم ذاته "صحن الخير"، ضمن مشروع يحتوي على مبادرات عديدة تنشد عبرها إعادة تفعيل بعض عادات بلادها التي باتت شبه منسية.
مراسل "الأناضول" التقى مروة في مكان إقامتها بالعاصمة عمّان، واطلع على واقع تلك المبادرة، ورصدت كاميرا الوكالة "صحن الخير" أثناء تجواله بين عائلات وأسر وجيران قبيل موعد الإفطار، ليضيف إلى موائدهم صنفاً جديداً من الطعام، ويُعظم الأثر في نفوسهم بأهمية تلك العادة خلال رمضان.
وقالت مروة لـ"الأناضول": "من عاداتنا الموروثة في شهر رمضان المبارك، تبادل أطباق بين الجيران والأهل والأصحاب من مختلف الأطباق (الأطعمة) التي تقوم العائلة بتحضيرها كوجبة للإفطار".
"هذه العادة لها دور كبير في تحقيق التآلف والتكافل والإحساس بالغير، وتكون وجبة الإفطار ليست مخصصة فقط للعائلة وإنما للآخرين أيضا"، كما أضافت.
واستدركت بأنه "من هنا، أحببت أن أحيي صحن الخير وقيمته بين المسلمين، خاصة بعدما تلاشت هذه العادة بسبب الظروف المختلفة وخاصة خلال جائحة كورونا وانشغال الناس بأمورهم الخاصة".
مروة أوضحت أنه "عام 2019، ومن خلال مشروع خاص بي لكتابة القصص، أطلقت عليه (قصتهم قصة)، سعيت إلى التركيز على إحياء قيمة التكافل الاجتماعي من خلال قصة صحن الخير".
وبيّنت أنّ "مبادرة صحن الخير أطلقتها من خلال قصة على لسان الصحن نفسه، يتحدث فيها عن تاريخه في تبادل الخيرات وأطيب المأكولات، وعن أهمية إحيائه في جيلنا الجديد والجيل القادم من خلال أطفالنا الذين سيقرأون القصة".
عادة نادرة
يسرى الرمحي (33 عاماً)، وهي ربة منزل، أشارت في حديثها لـ"الأناضول"، إلى أنّ "الأكل والشرب حق أساسي للإنسان وهو شيء طبيعي، وأنا أحرص أن يتذوق الناس ما أصنعه من طعام خلال شهر رمضان وتبادل الأطباق معهم".
وزادت: "لا تعلم، ربما يكون توقيت الصحن مناسباً لمن يُرسل له، وليس بالضرورة أن يُقدم الطبق لشخص تعرِفه.. أرى بأن التكافل يتحقق عندما يتم تقديم الطعام لمن لا تعرفه".
فيما قالت رشا أبو حنيش (39 عاماً)، لـ"الأناضول"، إنّ هذه العادة "اجتماعية متوارثة، تعنى بتبادل أطباق الطعام بين الجيران والأحبة، وتزيد الألفة والمحبة بين الناس وتوطيد العلاقات وصنع صداقات جديدة، وتنشط هذه العادة في رمضان".
أما هنادي الجبر (48 عاما)ً، فوصفت تلك العادة، أثناء حديثها لـ"الأناضول"، بأنها "محبة وخير"، لافتةً إلى أنّ "الخير كان موجوداً بين الناس في الماضي، وتبادل الأطباق حالياً عادة نادرة وتحتاج إلى إحياء وتجديد".
تنشئة الأجيال
و"مثل هذه المبادرات مهمة جداً لتنشئة الأجيال وتربيتهم على عمل الخير والتعاضد بين أبناء المجتمع، والتي كانت تمارس في الماضي"، بحسب الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع حسين خزاعي.
واستدرك خزاعي بقوله لـ"الأناضول": "مع الأسف في الوقت الحاضر بدأنا نلحظ عدم ممارستها بسبب التوسع العمراني في المدن والانعزال والرغبة في العيش ضمن أسر نووية (صغيرة)، والتي تشكل بالمملكة 76%، وهي ضعف النسبة العالمية".
وزاد: "مثل هذه العادات لا يعرف عنها الأبناء في الوقت الحاضر، فهمي مهمة جداً لتنشئتهم وإطلاعهم على السلوكيات الإيجابية في الماضي وقوة الروابط التي كانت بين الأهل والجيران، والتي نلمس اضمحلالها في الوقت الحاضر".
خزاعي دعا إلى إعادة إحياء هذه الممارسات وتعزيزها "كونها تدعم الأسر اقتصادياً، حيث إنّ الأسر تعتمد فقط على وجبة واحدة (صنف واحد من الطعام)، وبتبادل الأطباق تتشكل الوجبات وتتعدد، وأيضاً الاطلاع على الثقافة الغذائية بين الجيران، وخاصة أن المدن عادةً ما يكون فيها سكان من جنسيات متعددة".
كما أكد أنّ "هذه العادات تقوي الروابط بين أبناء المجتمع وتدعم علاقتهم الإيجابية والمساندة في كافة الظروف والمشاركة في كل الفعاليات والمناسبات لدى الجيران والأهل والأقارب وتعزز التعارف في ما بينهم".
(الأناضول)