المطرية تهتف لفلسطين في اليوبيل الفضي لإفطارها الأشهر بمصر: عقد من المحبة والبهجة
عبد الكريم سليم
- الحدث، الذي حصل سابقًا على جائزة غينيس، تم إلغاؤه العام الماضي بسبب تأخر التصريح الأمني، لكن هذا التأخير أتاح تزامن اليوبيل الفضي للإفطار مع أحداث فلسطين، مضيفًا بُعدًا تضامنيًا للفعالية.
- الإفطار شهد هذا العام حضورًا كثيفًا ومشاركة شخصيات عامة، مع التأكيد على التضامن مع فلسطين والتنديد بالعدوان الإسرائيلي، محافظًا على روح التآلف والتضامن وتاريخ المنطقة العريق.
انعقد إفطار منطقة المطرية الشهير هذا العام تحت شعار "السنة العاشرة جيرة وعشرة.. لمة العيلة الكبيرة"، وارتدى عشرات الحضور القمصان السوداء المزيّنة بشعار فلسطين ورفعوا علمها وعلامات النصر لشعب يئن تحت وطأة حرب إسرائيلية.
وتبدأ استعدادات إفطار المطرية عادة قبل أسابيع من حلول شهر رمضان المبارك، إذ يقوم الشباب بتزيين الشوارع بالرسومات وتعليق الزينة، وتتولى النساء قبل أيام من الفعالية تحضير مختلف أنواع الطعام.
وبات هذا التقليد الثابت سنوياً في رمضان من كل عام منذ أحد عشر عاماً، وحصل في آخر مرة أقيم فيها على جائزة غينيس للأرقام القياسية، وكان من المفترض أن يكون العام الماضي، احتفالاً باليوبيل الفضي لإفطار منطقة المطرية "شرق القاهرة"، إلا أن ترتيبات قدرية، حالت دون إقامته العام الماضي.
وعزا منظمو التقليد ذلك إلى "تأخر الحصول على تصريح أمني"، لتفتقد القاهرة وقتها واحداً من أكثر مناسباتها الاجتماعية الرمضانية بهجة ودفئاً، حيث تكتظ نحو سبعة شوارع كاملة بمائدة طويلة ممتدة، يساهم فيها السكان بما تيسر من طعام، ويشارك فيها أبناء المنطقة بمجهودات طوعية.
"عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم"، يعلق الحسين مصطفى، وهو طالب من سكان المنطقة، على عدم انعقاد إفطار العام الماضي، معرباً في حديثه لـ "العربي الجديد" عن اعتقاده بأن "الأقدار كان لها ترتيب أفضل بإلغاء الفعالية العام الماضي، ليتزامن اليوبيل الفضي للمناسبة مع أحداث فلسطين، لتكون مناسبة تتذكرها أجيال، لإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني".
وعلاوة على ما تشهده المنطقة تقليدياً كل عام من حضور كثيف يصل إلى آلاف الصائمين ـ ومنهم شخصيات عامة ومشاهير السياسة والمال والفن، دأبوا على حضور المناسبة ـ كان الجديد هذا العام هو هتاف الآلاف لفلسطين، والتنديد بالعدوان الإسرائيلي والصمت العربي بهتافات مثل" بالروح بالدم نفديك يا فلسطين" و" غزة غزة رمز العزة"، و"الصمت عار وخيانة"، بحسب شهود عيان.
"من المطرية.. هنا فلسطين"
وعلى جدران أحد البيوت برزت عبارة "من المطرية.. هنا فلسطين"، وإلى جوارها علامة النصر ملونة بألوان علم فلسطين تعلو صورة للمسجد الأقصى.
وتبدي السلطات في مصر توجساً وحذراً عموماً تجاه كل التجمعات، وهو ما عكسته تحذيرات مشددة يتلقاها المنظمون عادة من "الخروج على النص، أو تحويل الفعالية إلى أي شكل من أشكال الاحتجاج" بحسب مصادر مقربة من المنظمين، إذ كشف هؤلاء لـ "العربي الجديد" أن فعالية العام الماضي ألغيت بحجة واهية هي تأخر المنظمين في التقدم للحصول على تصريح بإقامتها، في حين أنه كان يمكن تأخيرها عن موعدها وإقامته بعد التصريح بها، إلا أن تزامن المناسبة مع الذكرى العاشرة لمذبحة رابعة، دفع المسؤولين للميل إلى عدم إقامتها، حتى لا تترك احتمالاً بإمكانية حدوث شيء"، بحسب مصادر مقربة من المنظمين بالمنطقة، ولا سيما أن جدران المطرية لا تزال تحتفظ باحتجاجات صامتة من فعاليات الأعوام السابقة، ممثلة في غرافيتي لصور شهداء المنطقة الذين سقطوا في ثورة عام 2011 وما تلاها.
ويرتبط اسم المطرية بذكريات سيئة لوزارة الداخلية، وظلت المنطقة لسنوات تمثل هاجساً مقلقاً لها، إذ شهدت عامي 2014، 2015 أعنف احتجاج شعبي ضد النظام وأطوله منذ عام 2013، وجرى التعامل معه أمنياً بضراوة لإخماد الاحتجاجات، إلى حد ذهاب وزير الداخلية وقتها بنفسه إلى هناك.
أصل الفكرة
بدأت فكرة إفطار المطرية بطاولتين للإفطار الجماعي عام 2013، حينما جمع أفراد من عائلة الصعايدة في عزبة حمادة وجبات إفطار "دعماً لروح التآلف والتضامن" بين الأهالي وفي ما بين واحد وآخر، لتنتشر بين أبناء المنطقة الذين سعوا لتعميمها، ثم توسعت وكبرت لتصير مختلفة ومميزة.
ولم يقتصر تأثير إفطار المطرية على المنطقة فقط، بل امتد ليصبح حدثًا عالميًّا يشارك فيه أشخاص من مختلف أنحاء العالم وسفراء لدول في القاهرة، ودخل موسوعة غينيس، بوصفه أضخم إفطار في العالم وأطوله، حيث ضم نحو 5000 شخص في المرة قبل الأخيرة.
وتضرب جذور المطرية في التاريخ، وتعد واحدة من أقدم العواصم في الحضارة المصرية القديمة، وذكرتها نصوص التوراة بأنها مدينة "العلم والفلك"، وكان فيها أول مدرسة لاهوتية لتدريس الدين والفلسفة، بحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات، فقد كانت مركزاً لعبادة "الشمس" وكان فيها معبد تبلغ مساحته ضعف مساحة معبد الكرنك، لكن دُمّر في العصور اليونانية والرومانية، كما يوجد فيها ضريح ومسجد للعارف بالله سيدي أحمد المطراوي الذي كان يعد رمزاً لسماحة الحضارة الإسلامية، وهناك مسلة فرعونية قديمة، وبئر مريم كما تقع في مسار رحلة العائلة المقدسة.