استمع إلى الملخص
- الأطباء والممرضون في غزة أشاروا إلى سوء التغذية والضائقة النفسية بين الأطفال، مع نقص حاد في المستلزمات الطبية الأساسية، مما أثر على الرعاية الصحية وزاد من معاناة المرضى.
- دعا الدكتور سيدهوا إلى إعادة النظر في السياسة الأميركية تجاه غزة ووقف الدعم العسكري لإسرائيل، مشددًا على ضرورة فرض حظر دولي على الأسلحة لتحقيق السلام والعدالة.
عمل الدكتور الأميركي فيروز سيدهوا في المستشفى الأوروبي بخانيونس في غزة لمدة أسبوعين من 25 مارس/آذار حتى 8 إبريل/نيسان، وتطوع من قبل في أوكرانيا وهايتي، لكن أكثر ما لفت نظره في غزة أنه كل يوم تقريبا كان هناك طفل صغير جديد يصاب برصاصة في الرأس أو الصدر، وبلغ عدد الذين تولى علاجهم 13 طفلا ومعظمهم ماتوا.
افترض الدكتور سيدهوا أن هذا عمل فردي من جندي سادي يقع في مكان قريب، لكنه عقب عودته التقى طبيبا في طب الطوارئ عمل في مستشفى مختلف في غزة قبل شهرين منه، وقال له: "لم أصدق عدد الأطفال الذين رأيتهم مصابين برصاصة في الرأس"، فوجئ عندما أجابه قائلا: "نعم، وأنا أيضا، وفي كل يوم.
نشرت صحيفة نيويورك تايمز، اليوم الأربعاء، مقالا للدكتور سيدهوا، تضمن استبياناً ومشاركة من 65 طبيبا خلال وجودهم في غزة، ماذا رأوا هناك. إذ كتب 65 متخصصا طبيا أوصافاً تفصيلية لما رأوه أثناء عملهم هناك، وفي كثير من الحالات دعموا قصصهم بأدلة مصورة ومقاطع فيديو عن انتشار الجوع والعنف الموجه ضد الأطفال وغياب حتى أبسط الإمدادات الطبية.
Explore this gift article from The New York Times. You can read it for free without a subscription. https://t.co/rAUoasFaIw
— Jorie Graham (@jorie_graham) October 9, 2024
لا تسمح إسرائيل للصحافيين أو محققي حقوق الإنسان بالدخول إلى غزة، ولكن هناك مجموعة من المراقبين المستقلين الذين رأوا هذه الحرب من على الأرض، يوما بعد يوم، وهم العاملون المتطوعون في مجال الرعاية الصحية.
من خلال الاتصالات الشخصية بالمجتمع الطبي والكثير من البحث عبر الإنترنت، تمكن الدكتور سيدهوا من التواصل مع العاملين الأميركيين في مجال الرعاية الصحية الذين خدموا في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقال: لدى العديد منهم روابط عائلية أو دينية بالشرق الأوسط، وآخرون، مثلي، ليس لديهم روابط عائلية أو دينية بالشرق الأوسط، لكنهم شعروا بالالتزام بالتطوع في غزة لأسباب متنوعة، وباستخدام أسئلة تستند إلى ملاحظاتي الخاصة ومحادثاتي مع زملائي الأطباء والممرضات، عملت مع Times Opinion لاستطلاع آراء 65 عاملا في مجال الرعاية الصحية حول ما رأوه في غزة. كان سبعة وخمسون، بمن فيهم أنا، على استعداد لمشاركة تجاربهم على السجل. أما الثمانية الآخرون فقد شاركوا دون الكشف عن هوياتهم، إما لأن لديهم أقارب في غزة أو الضفة الغربية، أو لأنهم يخشون الانتقام في مكان العمل".
الدكتورة ميمي سيد، عملت في خانيونس من 8 أغسطس/آب إلى 5 سبتمبر/أيلول. تقول: "كان لدي العديد من مرضى الأطفال، معظمهم تحت سن 12 عاما، أصيبوا برصاصات في الرأس أو الجانب الأيسر من الصدر، وعادة كانت هذه طلقات فردية، وكان المرضى يأتون إما موتى أو في حالة حرجة، ويموتون بعد وقت قصير من وصولهم".
طبقا للاستبيان والمقال، لقد رأى 44 طبيبا وممرضا ومسعفا حالات متعددة لأطفال في سن ما قبل المراهقة أصيبوا برصاصات في الرأس أو الصدر في غزة، وقال الدكتور محمد رسول أبو نوار جراح عام وجراحة السمنة والأمعاء الدقيقة، 36 عاما، من بنسلفانيا: في إحدى الليالي في قسم الطوارئ، وعلى مدار أربع ساعات، رأيت 6 أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و12 عاما، وجميعهم مصابون بطلق ناري واحد في الجمجمة.
وقالت نينا نج ممرضة طوارئ، 37 عاما، من نيويورك: تم علاج الأطفال المصابين بطلقات نارية على الأرض، وغالبا ما كانوا ينزفون على أرضية المستشفى بسبب عدم وجود مكان، وغياب المعدات والموظفين والدعم. توفي العديد منهم دون داع".
دكتور مارك بيرلموتر جراح العظام واليد، 69 عاما، من نورث كارولينا، قال: رأيت العديد من الأطفال مصابين بطلقات نارية عالية السرعة، في كل من الرأس والصدر"، أما دكتور عرفان جالاريا جراح تجميل وترميم، 48 عاما، من فرجينيا فقال لقد اعتنى فريقنا بحوالي أربعة أو خمسة أطفال، تتراوح أعمارهم بين 5 و8 سنوات، أصيبوا جميعا بطلقة نارية واحدة في الرأس، وحضروا إلى غرفة الطوارئ في الوقت نفسه، وماتوا جميعهم".
الدكتور خواجة إكرام جراح عظام، 53 سنة، من تكساس، قال: ذات يوم، أثناء وجودي في غرفة الطوارئ، رأيت طفلين يبلغان من العمر 3 و5 سنوات، كل منهما مصاب برصاصة واحدة في رأسه، وعندما سألنا عما حدث، قال والدهم وشقيقهم إنهم أُبلغوا بأن إسرائيل تتراجع عن خانيونس، لذا عادوا لمعرفة ما إذا كان قد تبقى شيء من منزلهم، وقالوا إن هناك قناصا ينتظرهم وأطلق النار على الطفلين".
كما أرسلت صحيفة ذا تايمز أسئلة حول تجارب هؤلاء العاملين الأميركيين في مجال الرعاية الصحية إلى قوات الدفاع الإسرائيلية، ورد متحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية ببيان لم يجب بشكل مباشر على ما إذا كان الجيش قد حقق في تقارير عن إطلاق النار على أطفال في سن ما قبل المراهقة أم لا، أو ما إذا كان قد تم اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد الجنود لإطلاق النار على الأطفال.
ولاحظ 63 طبيبا وممرضا ومسعفا سوء تغذية حادا لدى المرضى والعاملين الطبيين الفلسطينيين والسكان بشكل عام، وقالت ميريل تيدينجز ممرض طيران وطوارئ ورعاية حرجة، 44 عاما، من نيو مكسيكو: "كانوا يتضورون جوعا. لقد تعلمت بسرعة كبيرة عدم شرب الماء أو تناول الطعام الذي أحضرته أمام العاملين في مجال الرعاية الصحية". فيما قالت أبيرة محمد ممرضة الطوارئ والعناية الحرجة، 33 عاما، من تكساس: أظهر لنا كل من قابلناه صورا لأنفسهم قبل أكتوبر، لقد فقدوا جميعا من 20 إلى 60 رطلا من الوزن، وبدا معظم المرضى والموظفين نحيفين ومصابين بالجفاف.
الدكتورة أمان عودة طبيبة أطفال، 40 عاما، من تكساس، كشفت أن الأمهات في جناح الولادة كن يلدن قبل الأوان بسبب سوء التغذية والإجهاد والعدوى، وكان إنتاج الحليب ضعيفا بسبب نقص الترطيب وإمدادات الغذاء الكافية، فيما أشارت الدكتورة ديبوراه وايدنر طبيبة نفسية عامة للأطفال والمراهقين، 58 عاما، من كونيتيكت، إلى أن المرضى كانوا نحيفين للغاية، و"كان بإمكاني أن أرى أن سراويلهم كبيرة جدا، وأحزمتهم كانت مشدودة".
ضائقة نفسية وميول انتحارية لدى أطفال غزة
لاحظ 52 طبيبا وممرضة ومسعفا ضائقة نفسية شبه عالمية لدى الأطفال الصغار ورأوا أن بعضهم كان لديه ميول انتحارية أو قال إنه تمنّى لو مات. وقالت الدكتورة ميمي سيد طبيبة طب الطوارئ، 44 عاما، من واشنطن: "كانت فتاة تبلغ من العمر 4 سنوات تعاني من حروق كبيرة في جسدها. كانت تحدق في الفضاء، وتغني تهويدة لنفسها، ولم تكن تبكي، بل كانت ترتجف وتشعر بصدمة شديدة".
فيما أوضحت الدكتورة أهلية قطان طبيبة تخدير ورعاية حرجة، 37 عاما، من كاليفورنيا، أن " كل طفل أمضيت معه وقتا ينظر إليّ باعتباري أما، فقد كانوا يفتقدون الأمان العاطفي والجسدي، وكان ذلك واضحا جدا لنا من الطريقة التي تمسكوا بها بنا وطلبوا منا اصطحابهم إلى المنزل"، فيما أكدت الدكتورة تانيا حاج حسن طبيبة رعاية حرجة للأطفال، 39 عاما، أن كل طفل فقد كل أفراد عائلته تمنى أن يُقتل هو أيضا، قائلا: لا أريد أن أكون هنا بعد الآن.
عبيرة محمد ممرضة الطوارئ والعناية الحرجة، 33 عاما، من تكساس، تقول: لقد عالجت عددا من الأطفال المصابين بإصابات ناجمة عن انفجار وشظايا، وأظهروا قدرا كبيرا من الصلابة ولم يبكوا حتى عندما كانوا في ألم؛ وهذه استجابة نفسية غير عادية لدى الطفل. لقد أُجبرنا على خياطة العديد من الجروح دون تخدير، وكان الأطفال يتصرفون بلا مبالاة أثناء قيامنا بذلك بدلا من المقاومة. لقد رأيت أطفالا شهدوا مقتل العديد من أفراد الأسرة أمامهم، وأعربوا جميعا عن رغبتهم في الموت والانضمام إلى عائلاتهم.
شهادات أطباء: أطفال ماتوا بعد ولادتهم
شاهد 25 طبيبا وممرضا ومسعفا أطفالا ولدوا بصحة جيدة يعودون إلى المستشفيات ويموتون بسبب الجفاف أو الجوع أو العدوى الناجمة عن عدم قدرة أمهاتهم المصابات بسوء التغذية على الرضاعة الطبيعية ونقص حليب الأطفال والمياه النظيفة، كما كشف 53 طبيبا وممرضة ومسعفا أنهم شاهدوا العديد من الأطفال يعانون من عدوى يمكن الوقاية منها بسهولة، وقد توفي بعضهم بسببها.
غياب أبسط المستلزمات الطبية مثل الصابون والقفازات
لاحظ 64 طبيبا وممرضا ومسعفا أن حتى أبسط المستلزمات الطبية، مثل الصابون والقفازات، كانت غير متوفرة في غزة، وقالت بريندا مالدونادو ممرضة طوارئ، 58 عاما، من واشنطن: كان الأطفال والرضع يأتون مصابين بحروق البارود من المتفجرات، والتي تكون مؤلمة للغاية، ولم يكن لدينا أي من مسكنات الألم المناسبة أو مرهم الحروق لوضعه على جروحهم.
فيما قالت مونيكا جونستون ممرضة العناية المركزة للحروق والجروح، 45 عاما من أوريغون: لا توجد أغطية وريدية للخطوط المركزية، مما يترك المنفذ مفتوحا ومعرضا للجراثيم، ولا يوجد صابون أو مطهر لليدين، ولا توجد إمدادات لتنظيف المرضى في السرير بعد أن يتسخوا، وأنا نفسي قمت بتنظيف البراز باستخدام قطعة من القطن، وكانت الفوضى فظيعة للغاية".
وتعليقا على الشهادات قال الدكتور فيروز سيدهوا: "إن ما شاهده الأطباء والممرضات الأميركيون في غزة ينبغي أن يشكل الأساس لسياسة الولايات المتحدة في التعامل مع غزة. لقد حظر القانون الأميركي نقل الأسلحة إلى الدول والوحدات العسكرية المتورطة في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وخاصة عندما تكون هذه الانتهاكات موجهة ضد الأطفال. ومن الصعب أن نتصور انتهاكات أكثر خطورة لهذا المعيار من إطلاق النار على الأطفال الصغار بانتظام في الرأس، وموت المواليد الجدد وأمهاتهم جوعا بسبب حظر المساعدات الغذائية وتدمير البنية الأساسية للمياه، ونظام الرعاية الصحية". وأشار إلى أنه في المنطقة التي خصصتها إسرائيل منطقة إنسانية في غزة، يوجد مرحاض واحد لكل 4130 شخصا، وذلك طبقا للمنظمات الدولية.
وتساءل: هل كانت هذه النتيجة المروعة للفلسطينيين وإسرائيل تستحق إفساد سيادة القانون في مجتمعنا؟ بالتأكيد، لا تستطيع إدارة بايدن-هاريس أن تقول إنها لم تكن تعرف ماذا كانت تفعل. لقد أخبر ثمانية من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، و88 من أعضاء مجلس النواب، و185 محاميا (بما في ذلك العشرات من العاملين في الإدارة)، و12 موظفا مدنيا (استقالوا احتجاجا على سياستنا تجاه غزة) الإدارة بأن الاستمرار في تسليح إسرائيل غير قانوني بموجب القانون الأميركي.
وأكد أن إسرائيل والولايات المتحدة معا تعملان على تحويل غزة إلى مكان للموت والدمار، لكن لم يفت الأوان أبدا لتغيير المسار، وقال: بوسعنا أن نوقف استخدام إسرائيل لأسلحتنا وذخائرنا ووقود الطائرات والمعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي، وبوسعنا أن نوقف تدفق الأسلحة إلى جميع الأطراف من خلال الإعلان عن حظر دولي على الأسلحة ضد إسرائيل وجميع الجماعات المسلحة الفلسطينية واللبنانية". واختتم قائلا: "لا بد أن تنتهي هذه الأهوال.. لا بد أن تتوقف الولايات المتحدة عن تسليح إسرائيل. وبعد ذلك، يتعين علينا نحن الأميركيين أن نلقي نظرة طويلة وعميقة على أنفسنا".