تستمرّ الحملات العنصرية تجاه السوريين وأحياناً الاعتداء عليهم في تركيا. وشهدت البلاد حادثة مؤخراً، وأكد مدير الهجرة ومركز الدعم المعنوي بنيزب بريف غازي عنتاب التركية جلال ديمير، اعتقال شاكر شاكير (39 عاماً) الذي اعتدى على السورية ليلى محمد (70 عاماً)، بعدما تقدمت النيابة العامة بدعوى قضائية ضده، مبيناً أن الإفراج الأولي عن شاكير كان بسبب عدم وجود أي شكوى بحقه. إلا أن النيابة العامة وباسم الشعب التركي رفعت دعوى ضده لتحصيل حقوق محمد بحسب القانون، وتحويل المعتدي لاحقاً إلى القضاء.
وكان شاكر شاكير قد ركل ليلى محمد بقدمه على وجهها، وهي جالسة على مقعد أمام مدرسة بمدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، مدعياً أنها ترصد حركة الأطفال بهدف الخطف. إلا أن التحقيقات نفت صحة ادعاء شاكير، مؤكدة أنه من أصحاب السوابق ولديه تسعة سجلات جنائية، قبل أن ترفع السيدة السورية دعوى بحقه أمس.
وأثارت الحادثة التي تناقلها ناشطون سوريون وأتراك على مواقع التواصل الاجتماعي، حفيظة الشارع التركي الذي طالب بمحاسبة المعتدي، وأنّه لا يمثل أخلاق وتربية المجتمع التركي الذي "تعلّم تقبيل يد المسنين حتى ولو كان لا يعرفهم". ونشر سوريون في تركيا وخارجها صورة محمد بعد ركلها على عينها مطالبين بتطبيق القانون ومحاكمة شاكير، مشيرين إلى العنصرية التي تعاظمت في الشارع التركي ضدّ السوريين، بعد استخدام أحزاب معارضة وشخصيات سياسية تركية السوريين ورقة انتخابية وتحميلهم وزر تردي الوضع الاقتصادي للأتراك.
ويؤكد ديمير في حديثه لـ "العربي الجديد" أن اعتداء شاكير "خارج معادلة العنصرية، والتي لا ننكر وجودها لدى بعض الأتراك بفعل التحريض السياسي. إلا أن شاكير ركل أمنا المسنة من دون أن يعرف جنسيتها. وثمة شائعات تفيد بأن هناك رصداً لأطفال المدارس بهدف خطفهم، ولا أستبعد أن يكون للمعتدي دور بالخطف أو الشائعة على الأقل". يضيف أنّ الحادثة أخذت أبعاداً اجتماعية وسياسية بولاية غازي عنتاب، بعدما زار نائب الوالي والقائمقام منزل ليلى محمد واعتذرا منها ومن أسرتها. كما زارت مؤسسات مجتمع مدنية تركية الأسرة، مؤكدين أن تصرف شاكير فردي ولا يمثل الأتراك أو يعكس حالة احتضان "إخوتنا السوريين منذ عام 2011".
من جهته، قال والي غازي عنتاب، داوود غول في بيان اعتقال شاكير: "تم التعرف على الشخص الذي ركل عمتنا ذات الإعاقة والمسنة نتيجة العمل الدقيق الذي قامت به عناصر شرطتنا، واحتجز من قبل مكتب المدعي العام. ومدّ نائب محافظنا اليد الدافئة لولايتنا بزيارة العمة في منزلها. لن نسمح بأعمال المجرمين. نحن آسفون". كما أشار المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جيليك إلى أن "العنف ضد والدتنا ليلى محمد البالغة من العمر 70 عاماً قد أحزننا جميعاً"، مضيفاً أن الوحدات القضائية والإدارية تقوم بالإجراءات القانونية اللازمة بشأن الجاني المدان. كل أفراد أمتنا بضمير يقفون إلى جانب الوالدة الضحية".
ولاقت الحادثة ردود أفعال كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي التركية. وطالب أتراك بمحاسبة المعتدي. ونشرت صفحة الشباب المسلمين في تركيا: "عذراً يا أمي لأن عمر مات ومعتصماً مات. نعتذر عن أؤلئك الذين لم يكن لهم نصيب من الرحمة والضمير. إياك ودعوة المظلوم، لا حجاب بينه وبين الله، اللهم لا تدمرنا بسبب الظالمين منا".
واعتبر رئيس تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل أن ركلة المعتدي هي نتيجة تراكمات لا يمكن برأيه فصلها عن حملات التحريض والعنصرية، مرجحاً أنه عرفها سورية من لباسها وشكلها وربما كلامها قبل الاعتداء. ويرى أن "الحكومة التركية والقائمين على تطبيق القانون هم المعنيون بالرد، وقد فعلوا خيراً من خلال رفع الدعوى واعتقاله. لكن القضية، وبعد تكرار التنمر والكراهية، باتت تحتاج إلى حلول جذرية ودائمة". يضيف قرنفل في حديثه لـ "العربي الجديد": "الأحزاب المعارضة التي رفعت شعارات العنصرية والمطالبة بطرد السوريين وجدت اذناً من الحزب الحاكم والحكومة، بدليل إعلان العودة الطوعية والتضييق القانوني، على منح الوثائق والسفر والعمل. وهذا مؤسف، وبرأيي يحتاج لإعادة نظر والتعاطي مع السوريين ليس كمهاجرين وأنصار، بل كبشر لهم حقوق".
وتتكرر حالات الاعتداء والتنمر على السوريين خلال الفترة الأخيرة، من دون تمييز "بل لمجرد أنهم سوريون"، كما يقول الإعلامي جمال مامو، الذي تعرض قبل أشهر للعنصرية خلال ركوبه حافلة عامة، ما دفعه للتقدم بشكوى للشرطة. لكن لم يحدث أي شيء ولم تتخذ السلطات أي إجراء، ما يزيد من تمادي بعض الأتراك باستهداف السوريين. ويشير مامو في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أنه قبل أيام، كان وصديقه يجلسان في مقهى في حي الفاتح بإسطنبول، فاقتربت منهما تركية خمسينية. ومن دون أي مقدمة أو استئذان قالت لهما: أنتما سوريان والحرب انتهت في بلدكما. فلماذا لا تغادران تركيا؟". يضيف: "حين حاولت شرح الأوضاع في سورية وعرض فيديو مجزرة التضامن لأبيّن لها مدى خطورة الوضع، بدأت بالشتم، ما دفعني إلى فتح بث مباشر على وسائل التواصل لإعلام من يهمهم الأمر في تركيا بعد خيبة أملي من الشكوى في المرة الأولى. الاندماج يتطلب عدلاً ومساواة وتطبيقاً للقانون. وما يجري في تركيا ضدّ السوريين أمر مخيف وسيؤثر على الأمن والسلم المجتمعي وعلى سمعة ونهضة تركيا".
وتقود أحزاب تركية وشخصيات سياسية حملات عنصرية وكراهية ضدّ السوريين، بعد تحميل اللاجئين أوزار ما آل إليه الوضع المعيشي في تركيا؛ فرئيس حزب النصر المعارض أوميت أوزداغ دعا إلى طرد السوريين، بالإضافة إلى إجراءات رئيس بلدية بولو المتحدر من حزب الشعب الجمهوري تانجو أوزجان. ويشير المحلل التركي هشام جوناي في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى عدم إمكانية فصل قضية ركل المسنة في عنتاب عن حوادث اسنيورت أو حتى أنقرة، فالقضية برأيه تراكمية بعد تعمّد الساسة الأتراك جميعهم اللعب على قضية السوريين وتحويلها إلى ورقة انتخابية سنرى تفاقمها كلما اقترب موعد الانتخابات العام المقبل". ويلفت جوناي إلى أن ثمة فئات تحرّض منذ فترة، بما يمكن اعتباره وفق القانون التركي جريمة، ولكن لا نرى اعتقالات أو محاكمات، بل بأحسن الأحوال غرامات مالية كما مع رئيس بلدية بولو، الأمر الذي زاد من تفاقم الحالة. يضيف: "لا أستبعد الأسوأ في حال استمر التعاطي الحكومي على ما هو عليه". ويلفت جوناي إلى ضرورة إشراك السوريين بأي نقاش أو قرار يتعلق بهم، إذ من غير المعقول إقصاء تمثيل السوريين عن مؤتمرات أو ندوات تخصهم أو اتخاذ القرارات بدلاً عنهم، إلى جانب تطبيق القانون طبعاً وعدم ترك السوريين ورقة تتجاذبها الأحزاب.
ويسأل مدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين في تركيا مضر حماد الأسعد عن عدم تسليط الضوء على اغتصاب طفلة في الداخل السوري المحرر (الباب)، أو قتل شابين سوريين بالسويد، بنفس توقيت الاعتداء على السيدة بغازي عنتاب: "الاعتداء على السيدة محمد مدان ومرفوض ويجب محاسبة المعتدي. لكنّ ردود الأفعال التي نراها ربما تزيد من مساحة الاحتقان والكراهية، ولا بد من تغليب العقل والحوار والمطالبة بتطبيق القانون". يضيف الأسعد في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الرابطة، كتجمع مدني اجتماعي، أحست منذ سنوات بمساعي بعض الأحزاب التركية المعارضة إلى نشر الفتنة، وتحميل السوريين مسؤولية الجرائم أو ارتفاع نسب البطالة أو ما يقال عن سلوكيات غير أخلاقية لا تتناسب وعادات المجتمع التركي. لذلك، كثفنا من الزيارات الميدانية للولايات التركية التي استضافت سوريين والتقينا الولاة والمسؤولين، فضلاً عن إقامة ندوات وملتقيات مشتركة مع الأتراك". ويشير الأسعد إلى أنّ الرابطة، أوعزت إلى العديد من كوادرها والناشطين السوريين البارزين بث مقاطع فيديو باللغة التركية، يشكرون خلالها الشعب التركي ويؤكدون على روابط الأخوة والصداقة، وأن الأتراك وقفوا إلى جانب السوريين خلال محنتهم، بالإضافة إلى نشر بعض الحملات العنصرية التي يقودها الأتراك.
وفي وقت تعلو الأصوات التركية لطرد السوريين واستخدام أحزاب المعارضة السوريين كورقة انتخابية، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً أن موقف بلاده الرسمي يتمثل في استمرار استقبال اللاجئين. وقال: "لن ندفع اللاجئين السوريين أبداً للعودة إلى بلدانهم لأن العودة ستكون على أساس طوعي ونحو مناطق آمنة"، مضيفاً: "استضافة أولئك الذين يحتاجون إلى الحماية جزء من التقاليد التركية".
يذكر أن تركيا تؤوي 5.29 ملايين لاجئ أجنبي منهم 3.7 ملايين سوري تحت بند الحماية المؤقتة، يعيش ما نسبته 1.4 في المائة منهم في ولاية بولو.