سورية من كورونا إلى الكوليرا

16 مايو 2023
أوضاع المدارس السورية مزرية (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -

ما إن انحسرت كورونا في سورية حتى ظهر وباء الكوليرا. صحيح أن انتشاره ما زال في نطاق مخيمات النازحين، ولم يقتحم بعد المدارس والجامعات في المدن السورية الرئيسية، لكنه سرعان ما امتد ليصل إلى مخيمات السوريين في شرق وشمال لبنان الذي سُجلت فيه آخر إصابة بالكوليرا قبل نحو 30 عاماً.
الكوليرا أقل فتكاً من كورونا، لكنها تبقى خطراً حقيقياً متى أدركنا أوضاع الخدمات العامة في المدن، ناهيك عن واقع المخيمات التي تعاني من نقص في إمدادات المياه النظيفة، سواء للشرب أو الاستعمال المنزلي. على أن الخطر لن يظل أسير هذه البؤر المكتظة والمهمشة والعاجزة عن التعامل مع وباء خطير، إذ تبقى المدارس والجامعات بمثابة بيئة مثالية مؤهلة لتوسيع نطاق الإصابات في ظل مرافق تعاني من تراجع حاد بفعل الحرب، وما يرافقها من تخريب للمؤسسات العامة والخاصة، والفوضى الصحية المرافقة.  
هكذا استقبل السوريون العام الدراسي الحالي بورطة يُخشى من تمددها لتضرب طموح تنفيذ عام دراسي جديد عبر التدريس المباشر بعد الانقطاعات السابقة. إذ لم تبرأ المدارس بعد من مضاعفات انتشار كورونا، وما تركه من نتائج ضاعفت من تأثيرات ما شهدته البلاد على امتداد قرابة 12 عاماً انتهت إلى تقطيع أوصالها، وقيام سلطات أمر واقع في أجزاء كبيرة منها، تتمركز فيها قوات أميركية وفرنسية وبريطانية وروسية وتركية وإيرانية، وداعش وحزب الله وغيرها.
وينطبق حال التشرذم على مناطق سيطرة النظام، حيث تتغلب الاعتبارات العسكرية والأمنية على ما عداها من تربية أو صحة أو خدمات عامة. يترافق ذلك مع ارتفاع منسوب الفقر، وانهيار معيشي حاد، ونقص في المواد التموينية الأساسية التي كانت سورية تتمتع بفائض منها قبل تفجر الثورة، وعسكرة الاحتجاجات، وما رافقها من عمليات قصف بمختلف الأسلحة التي لم تترك مدينة أو قرية.

يمكن القول إن سورية تعاني من حال تمزق لم تعرفها من قبل، وهو تمزق يستحيل أن يظهر معه نهاية لنفق الأزمة المستفحلة. رغم ذلك، عاد الطلاب إلى صفوفهم الدراسية في العام الدراسي الجديد، من بينهم أكثر من ثلاثة ملايين و651 ألف تلميذ وطالب من مختلف المراحل التعليمية في 13660 مدرسة ومعهداً في مناطق سيطرة النظام السوري، بحسب وزارة التربية في دمشق.
الواضح من إحصاء الوزارة أنه يقتصر على المناطق التي ما يزال يسيطر عليها النظام، وعدم إدخال باقي المناطق في الإحصاء مرده غياب المعطيات باعتبار أن البلاد مفتتة، وتقع أنحاءها تحت نفوذ جماعات وفصائل متناحرة ترفض الاعتراف بالنظام، بما في ذلك تطبيق منهاجه التعليمي، فالمناطق الكردية شرعت بالتدريس باللغة الكردية، وبالنسبة للاجئين إلى تركيا، باتت التركية هي لغة تعليم الأطفال السوريين، وهكذا يتكرس تمزيق البلاد وجامعها الثقافي.

(باحث وأكاديمي)

المساهمون