سجون مصر: تنكيل عبر منع إدخال الطعام للمحتجزين

24 فبراير 2021
المأكولات المتنوعة تظهر في الصور الدعائية فقط (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

رصدت منظمات حقوقية وقائع تعسف إدارات السجون ومقار الاحتجاز في مصر، في إدخال أنواع معينة من الطعام للمعتقلين والسجناء، ما يطرح تساؤلات شتى عن علاقة أنواع الطعام بالإضرار بالأمن القومي للبلاد

"رفضوا إدخال الكمون والصعتر... وأخيراً قرروا عدم السماح بإدخال أكثر من نوع واحد من الفاكهة؛ فإما المانغو أو العنب. الأمر نفسه ينطبق على زيت الزيتون والعسل، كان عليّ أن أختار بينهما"، هذا ما تقوله الناشطة السياسية المصرية ليلى سويف، والدة المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح، عما حدث معها في واحدة من الزيارات التي حملت فيها أنواعاً من الطعام والفواكه والتوابل لنجلها المحبوس احتياطياً.

وبالعودة إلى الدستور المصري الصادر سنة 2014، لم تجد الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (مجتمع مدني) مانعاً من إدخال العنب والمانجو للسجناء. كذلك، ليس في قانون السجون، سواء رقم 396 لسنة 1956 أو القانون رقم 106 لسنة 2015، أيّ مواد تمنع ذوي المحبوس احتياطياً أو السجين من إدخال العنب أو المانغو له.
علقت الشبكة على ما حدث مع سويف بتهكم: "قد يكون الدستور الذي صدر في 2014، وكذلك قانون السجون الذي صدر في 1956 وتعديلاته التي صدرت في 2015، غير مواكبة للمخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي من وجود العنب أو المانغو في السجون. لكنّ الشكاوى تزايدت بعد منع مأكولات أخرى، مثل الكمّون والصعتر والقلقاس والملوخية والبامية والبطاطا (البطاطا الحلوة). الأمر إذاً، لا يتعلق -غالباً- بالأمن القومي، بل بأسباب أخرى".
ورصدت الشبكة العربية شهادات أسر بعض سجناء الرأي، وما نشروه عن منع إدخال مأكولات لذويهم في السجون، على غرار ما حدث مع أسرة علاء عبد الفتاح، إذ أفادت أسرة الناشط السياسي والبرلماني السابق زياد العليمي، المحبوس احتياطياً في القضية المعروفة إعلامياً بـ"معتقلي الأمل" منذ صيف 2019، والذي يعاني من مرض السكري، بأنّ "إدارة السجن رفضت إدخال خبز توست مخصص لمرضى السكري، ثم وافقت على إدخال جزء منه فقط، وكذلك ترفض إدخال الفواكه التي تحتوي على بذور، لذلك، نجلب له كيوي وتفاحاً وأيّ فاكهة لا تحتوي على بذور". وقالت الكاتبة الصحافية إكرام يوسف، والدة زياد العليمي: "التفتيش كالعادة بلا منطق ولا معيار، رفضوا إدخال البطاطس المحمرة. وقالوا لي إنّه لا بدّ من إزالة البذور من الفاكهة مثل الخوخ (الدراق) والبرقوق (الخوخ) قبل إدخالها".

الصورة

وعلقت الشبكة: "حفاظاً على الأمن القومي، والأمن العام، والسلم الاجتماعي، تضطر إكرام يوسف في كلّ زيارة إلى أن تختار فاكهة بلا بذور، وإذا ما - لا قدّر الله - سولّت لها نفسها أن تشتري لابنها فاكهة ببذور، فإنها تقضي الليل كلّه في إخلاء الفاكهة من البذور، فأمن مصر فوق كلّ شيء".
الأمر نفسه حدث مع عائلة الناشط السياسي الفلسطيني/ المصري رامي شعث، المحبوس احتياطياً على ذمة قضية "تحالف الأمل"، إذ قالت شقيقته رندا شعث عن إحدى الزيارات: "إدارة السجن رفضت إدخال الموز والعنب، وقالب الكيك الذي أعددته في المنزل... سمحوا فقط بإدخال الفراخ (الدجاج) المشوية والخضار المطبوخة والطازجة، وكذلك السجائر".
تكرر الأمر مع أسرة الناشط السياسي وليد شوقي، المحبوس احتياطياً منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018، والمتهم على ذمة القضية رقم 621 لسنة 2018. وأسرة كمال البلشي، شقيق الكاتب الصحافي خالد البلشي، المحبوس احتياطياً على ذمة القضية رقم 880 لسنة 2020، المعروفة بقضية "أحداث 20 سبتمبر/ أيلول 2020".
يأتي كلّ هذا التعسف مع أهالي المعتقلين السياسيين، فيما تنص المادة 16 من قانون السجون رقم 396 لسنة 1956 على أنّه "يجوز للمحبوسين احتياطياً استحضار ما يلزمهم من الغذاء من خارج السجن أو شراؤه من السجن بالثمن المحدد له، فإن لم يرغبوا في ذلك أو لم يتمكنوا، صُرف لهم الغذاء المقرر". وعلقت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بالقول: "هذه المادة لم يجر تعديلها، ولم يترك القانون لمدير السجن أو ضباطه مساحة أو فرصة للتغول عليها، وهذا معناه أنّ المحبوس احتياطياً له حق من دون قيود في استجلاب أيّ أطعمة من الخارج، والطعام هو الطعام أيّاً كان. وبالرغم من هذا الحق الذي ينص عليه القانون، فالسلطة التنفيذية تتعسف في تنفيذه بحجة الحفاظ على الأمن القومي، والأمن العام، حتى بلغ الأمر حدّ التعسف في إدخال الأدوية أو الفاكهة أو الكتب أو الملابس".

وتوقعت الشبكة العربية أن يكون السبب الحقيقي لهذا المنع هو التنكيل بالمحبوسين احتياطياً، لا سيما مع غياب أسباب أخرى، فضلاً عن اتساقه مع ما وصفته بـ"الممارسات البوليسية التي استشرت في مواجهة ليس المحبوسين احتياطيا فقط أو السجناء السياسيين، بل في مواجهة كلّ منتقد أو معارض". وأكدت الشبكة أنّ لديها شهادات كثيرة من أهالي معتقلين عن رفض إدارة السجن إدخال الفاكهة، والأدوية، والكتب، كما ترفض الإدارة إدخال دجاجة كاملة وتكتفي بنصف، من دون تفسير، فضلاً عن شكاوى العديد من السجناء أنّهم محرومون من التمارين الرياضية، أو الاتصال الهاتفي، أو إدخال الكتب، وحتى الرعاية الطبية الجادة، ما فسرته الشبكة بـ"نحن أمام حالة غير قانونية من العقاب الجماعي التي تستدعي تدخل النائب العام، فهل يفعلها؟". وقالت الشبكة: "لم نورد جميع الشهادات، لأنّ الأهالي خائفون. وهذا الخوف المبرر يأتي من انعدام منطقية الإجراءات التي تتخذها إدارة السجن، وشعور هذه الإدارة أنّها بمنأى عن العقاب، في غياب دور النيابة العامة، التي تصمت عن بثّ الخوف، وربما هذا هو التفسير المنطقي الوحيد لتصرفات الأجهزة الأمنية غير المنطقية".

المساهمون