سجال في كولونيا الألمانية بعد السماح برفع الأذان

13 أكتوبر 2021
"المسجد الرئيس في كولونيا" هو الأكبر وتم افتتاحه عام 2018 (أندرياس غينتز/Getty)
+ الخط -

منذ أعلنت عمدة مدينة كولونيا الألمانية، هنرييت ريكير، عن سماح مجلس المدينة للمساجد برفع الأذان عبر مكبّرات الصوت، غير بعيد عن عاصمة البلاد المؤقتة سابقاً بون، تحوّل القرار إلى مصدر سجال وانصبّت الانتقادات على الخطوة التي لاقت استهجاناً من البعض.

ورغم تبرير العمدة ريكير، لخطوتها باعتبارها "تعكس تركيبة المدينة"، التي تضمّ "مواطنين مسلمين ولدوا وكبروا فيها وهم مندمجون، وتعكس التسامح والتعايش"، غضب البعض مستذكراً أحداثاً ماضية، تتعلق باتهامات طاولت مهاجرين ولاجئين في العام 2015 عن "تحرّش جنسي جماعي بحق نساء كولونيا في احتفالات رأس السنة 2015". 

ويحدّد القرار، رفع الأذان في مساجد كولونيا الواقعة في ولاية شمال الراين-فيستفالن غربي ألمانيا (35 مسجداً)، بأوقات محدّدة، هي بين الساعة 12 ظهراً والثالثة عصراً، خاصة في الدعوة إلى صلاة الجمعة.

وسيتعيّن على المساجد في كولونيا الحصول على موافقة قبل رفع الأذان عبر مكبّرات الصوت، لتنظم العملية بطريقة لا تسمح لكلّ المساجد برفعه دفعة واحدة. وغير بعيد عن أحد المساجد الحديثة الذي بناه المسلمون الأتراك على الطراز المعماري الحديث، بمئذنتين ترتفعان عن الأرض بعلو 55 متراً، تنتصب كاتدرائية كولونيا الشهيرة، والتي ساقها مجلس المدينة كمثل على التسامح بين قرع الأجراس ودعوة المؤذن إلى الصلاة. 

منتقدو الخطوة لم ينتظروا طويلاً قبل أن يشكّلوا جبهة رفض على وسائل التواصل الإجتماعي وعلى صفحات بعض الصحف، حيث اعتبر البعض أنّ القرار كان "سياسياً" وأنه "استهزاء" و"ركوع أمام الإسلام". وعبّر بعض المعارضين عن غضبهم من الخطوة باعتبارها "سوء فهم للتسامح".

ولكن عمدة كولونيا ردّت على معارضي القرار بالتعبير عن موقعها الشخصي على "تويتر"، معربة عن سعادتها "لأنّ كولونيا تثبت بذلك أنها مدينة عالمية، منفتحة ومتسامحة وتعبّر عن قبول الديانات لبعضها البعض". وطالبت العمدة المنتقدين بأن "ينظروا إلى أنفسهم في المرآة، فالمسلمون ولدوا هنا وهم جزء لايتجزّأ من سكّان كولونيا، وكلّ من يشكّك في ذلك يشكّك في هوية المدينة والتعايش السلمي فيها". وأضافت، السبت الماضي أنه "عندما نسمع المؤذن في مدينتنا إلى جانب أصوات أجراس الكنائس، فهذا يدلّ على أننا في كولونيا نقدّر التنوّع ونعيشه".

ويُذكر أنّ عمدة كولونيا هنرييت ريكير، تعرّضت لهجوم بالسكين على يد إرهابي من اليمين المتطرّف حين ترشّحت كمستقلّة إلى منصب عمدة المدينة في العام 2015، وأعيد انتخابها مجدداً حتى 2025، بدعم من يمين ويسار الوسط.

وتتّجه الأنظار بشكل خاص إلى "المسجد الرئيس في كولونيا"، الذي يعتبر الأكبر، وتم افتتاحه في العام 2018، بمشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، باعتباره الأقرب إلى الكاتدرائية التي يقصدها آلاف السياح من داخل وخارج ألمانيا، إذ تُعتبر كولونيا أحد معاقل الكاثوليكية في بلد يطغى فيه المذهب البروتستانتي اللوثري.

ورغم أنّ قرار رفع الأذان يسمح باستخدام المكبّرات الخارجية، فإنّ المدة الزمنية لاستخدامها لن يتجاوز 5 دقائق لرفع الأذان، ولن يتمّ بثّ خطب وصلوات الجمعة عبرها، ولن يكون ممكناً رفع أذان الفجر، أو الأذان في وقت غير الذي حُدّد بين منتصف النهار والعصر، ويحتاج الأمر إلى تراخيص لرفع الأذان أيام الجمعة خصوصاً، وذلك بحسب القرار الذي نشرته الصفحة الرسمية لمجلس مدينة كولونيا.

وأغلبية سكّان كولونيا هم من الكاثوليكيين، وفيها أقلية مسلمة تقدر بـ120 ألف نسمة من بين نحو 4.5 ملايين مسلم في عموم ألمانيا التي يعيش فيها حوالي 83 مليون نسمة.

وشارك صحافيون وسياسيون في السجال المعترض على قرار مجلس مدينة كولونيا. وعبّرت نائبة الأمين العام للحزب "الاجتماعي المسيحي" فلوريان هان، عن رفضها للأذان "فهو ليس من تقاليدنا، ورفعه ليس ضرورياً لممارسة المسلمين طقوسهم"، وفقاً لما نقلت عنها الصحافة الألمانية. 

ومن أبرز المهاجمين للقرار، الصحافي في صحيفة "بيلد" دانيال كريمر، الذي كتب منتقداً ما كتبته عمدة كولونيا في ردّها على الانتقادات: "بالنسبة إلي كمثليّ الجنس، وكشخص ولد في كولونيا، فإنّ كلماتك هي استهزاء مباشر لي". وهاجم كريمر على صفحات "بيلد" القرار، معتبراً أنّ "المسجد الرئيس يقود بروباغندا عنيفة لمصلحة (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان، وعديد أئمته مشبوهون"، دون أن يوضح ما هي الشبهات.

وأضاف كبير محرّري "بيلد" أنّ "المنظمات التي تدير مئات مساجد ألمانيا لا تعترف بحق المساواة للنساء وحقوق مجتمعات المثليين، وتنشر معاداة السامية وتمجّد الشهداء".

وذهب آخرون إلى انتقاد الأذان بنفسه وجملة "الله أكبر" وأن "لا إله إلا الله" كدليل على عدم المساواة، بل وأنه "معاد للمرأة" حين لا يسمح لها برفع الأذان، بحسب اعتقادهم.

كما ذهبت عالمة الاجتماع والخبيرة في الشؤون الإسلامية، نكلا كيليك، وهي من أصول تركية، إلى القول إنه لا يمكن مقارنة الأذان بأجراس الكنائس، إذ هو "رسالة أيديولوجية يتوجب حظرها بدل السماح بالصراخ بـ الله أكبر التي يستخدمها الإرهابيون"، بحسب قولها.

ويشكّل السجال حول المسلمين نقطة ساخنة، رغم أنه لم يحتلّ مكانة متقدمة في جدل ما قبل انتخابات 26 سبتمبر/أيلول الماضي، في ألمانيا.

وشكّل استقبال البلد في 2015 لنحو مليون لاجئ، نصفهم تقريباً من السوريين، قلقاً في أوساط اليمين القومي المتشدّد، الذي وصف التدفق بأنه سيخلّ بتركيبة البلاد وأنه بمثابة "اجتياح إسلامي".

ومنذ العام 2013 تحاول حركة "بيغيدا" (وطنيون أوروبيون ضد أسلمة أوروبا)، اجتذاب مؤيدين في غرب ألمانيا، بعد أن تركّزت شعبيتها في شرقها، محذّرة من تزايد أعداد المسلمين، ومدعية أنّ البلاد ذاهبة نحو "فرض نظام الشريعة"، وهو موقف تتشاركه مع أغلبية حركات اليمين المتطرّف في معارضتها لسياسات الهجرة الأوروبية. 

وفي موقف يظهر اختلافاً بين المسلمين، ذهب "الخبير في الشأن الإسلامي" والمستشار في دمج المهاجرين، أحمد منصور (من عرب 48 وهو مقرّب من الإمارات ومصر)، إلى معارضته رفع الأذان، بحسب ما صرّح لصحيفة "بيلد"، معتبراً أنّ السماح برفع الأذان عبر المكبّرات "لا يعبّر عن تسامح وتعدّدية"، مدعياً أنّه "سيُستخدم لإظهار القوة من المنظمات الإسلامية في ألمانيا"، على حدّ قوله.

ويستمر السماح برفع الأذان في كولونيا لمدة عامين كمرحلة تجريبية، وفق مجلس المدينة. 

المساهمون