ستالينغراد... معركة مفصلية في الحرب العالمية الثانية

02 فبراير 2023
داخل متحف معركة ستالينغراد (كيريل كودرايافتسيف/ فرانس برس)
+ الخط -

تصادف اليوم الخميس ذكرى مرور 80 عاماً على انتهاء معركة ستالينغراد (الاسم الحالي للمدينة هو فولغوغراد)، التي تعد مفصلية في مسيرة الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، إثر استسلام المجموعة الشمالية للقوات الألمانية في الثاني من فبراير/ شباط 1943، ما شكل ضربة معنوية كبيرة لزعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، وغيّر مجرى تطورات الحرب بلا رجعة لصالح الاتحاد السوفييتي. 
وبين النتائج الرئيسية لمعركة ستالينغراد على مجرى الحرب العالمية الثانية عزوف تركيا واليابان، المتحالفتين مع ألمانيا حينها، عن بدء أعمال قتالية ضد الاتحاد السوفييتي، بينما اضطرت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى الاعتراف بالدور الرئيسي للاتحاد السوفييتي في التصدي لألمانيا النازية، وزيادة إمدادات الأسلحة إلى الجيش الأحمر السوفييتي. 
وانتصر الاتحاد السوفييتي على قوات ألمانيا النازية في ستالينغراد بعد أقل من ثلاثة أشهر من بدء التقدم المضاد في إطار عملية "أورانوس" في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1942، والتي أسفرت عن فرض طوق حول القوات الفاشية بمدينة كالاتش على نهر الدون، ما أسفر عن إلحاق هزيمة بالوحدات الإيطالية والرومانية وبعض الوحدات الألمانية في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته. 
وفي يناير/ كانون الثاني 1943، أسفرت الضربات السوفييتية عن فصل الجيش السادس الألماني إلى قسمين، والقضاء على المجموعة الجنوبية للألمان وأسر قائدها فريدريش باولوس، برفقة 24 جنرالاً بحلول نهاية الشهر. 
ونظراً إلى احتدام أشرس المعارك في شوارع المدينة، لا تزال معركة ستالينغراد حتى اليوم رمزاً ومجازاً لحرب الشوارع يستخدم للإشارة إلى المعارك داخل المدن، بينها مدن في سورية خلال الحروب الضارية التي تلت ثورة عام 2011. 
ويعتبر المؤرخ العسكري أليكسي إيسايف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الاتحاد السوفييتي لم يكن سينتصر في الحرب العالمية الثانية لولا انتصار الجيش الأحمر في معركة ستالينغراد، وتحوّل المدينة إلى رمز حرب الشوارع يرتبط بالمعارك العنيفة التي شهدتها في كل شارع تقريباً". 
يضيف إيسايف، الذي يحمل دكتوراه في علوم التاريخ: "بحلول بدء التقدم السوفييتي المضاد في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1942 سيطرت ألمانيا وحلفاؤها على أكبر مساحة أراضٍ تاريخياً، والتي شملت منشآت نفطية في مدينة مايكوب بالقوقاز كانت ستغطي نقص النفط للجيش والاقتصاد في ألمانيا، لكنهم تلقوا في تلك اللحظة ضربة قوية من الجيش الأحمر الذي فرض طوقاً عبر 330 ألف جندي وضابط في محيط ستالينغراد". 

ويرى أنه لو أن الجيش الأحمر هزم حينها كان الاتحاد السوفييتي سيخسر الربط البري مع مايكوب والقوقاز، وفقدان الأمل في تحقيق انتصار في الحرب بصرف النظر عن نجاحات الحلفاء في أفريقيا التي لم تساهم في إلحاق هزيمة بألمانيا. 
وحول رؤيته لتأثير معركة ستالينغراد على مجرى الحرب العالمية الثانية، يقول إيسايف: "أرغمت الضربة السوفييتية الألمان على الفرار من القوقاز وترك حقول النفط التي كانت في أمس الحاجة إليها. أما فرض طوق حول الجيش السادس الألماني في ستالينغراد فسمح بأن يُلحق الجيش الأحمر هزيمة بحلفاء ألمانيا على نهر الدون". 
ويعلق إيسايف على رمزية معركة ستالينغراد كحرب شوارع، قائلاً: "على مدى فترة طويلة ظلت ستالينغراد ساحة لمعارك عنيفة في الشوارع بمشاركة أكثر من 100 ألف عسكري من الطرفين، مع تدفق دائم لوحدات جديدة. واستمرت المعارك في شوارع المدينة خلال الفترة من سبتمبر/ أيلول 1942 إلى يناير/ كانون الثاني 1943 باستخدام دبابات ومدفعية ثقيلة بعيار وصل إلى 210 ملليمترات وسلاح الطيران". 
ويلفت إلى أن "ثلاثة مصانع كبيرة وأخرى صغيرة تحوّلت إلى ساحات معارك في ستالينغراد، كما قضى نحو 50 ألف جندي من الجيش الأحمر داخل المدينة وحدها، ولا مبالغة في القول إنه جرى القتال من أجل كل شارع".

غيّر السلاح الروسي مصير الحرب العالمية الثانية (أوليغ نيكيشين/ Getty)
غيّر السلاح الروسي مصير الحرب العالمية الثانية (أوليغ نيكيشين/ Getty)

ويعد يوم 17 يوليو/ تموز 1942، التاريخ الرسمي لبدء معركة ستالينغراد التي اعتبر الزعيم النازي أدولف هتلر أن الانتصار فيها سيتيح خفض الروح المعنوية للعدو باعتبارها تحمل اسم زعيم الاتحاد السوفييتي، جوزيف ستالين، كما تحقق أهدافاً استراتيجية، بينها فصل القوقاز عن باقي أنحاء البلاد، وحرمان ستالين من الصناعات النفطية الأذربيجانية تمهيداً لقطع إمدادات الوقود وغيرها من الموارد الحيوية عن الجيش الأحمر. 
وفي بداية المعركة، تفوقت القوات النازية كثيراً على السوفييتية في عدد الطائرات والدبابات وقطع الأسلحة المدفعية، وهو ما واجهه ستالين بمرسومه الشهير رقم 227 بعنوان "لا خطوة إلى الوراء!"، وقضى بتطبيق أشد الإجراءات وصولاً إلى الإعدام رمياً بالرصاص في حق الجنود المتراجعين عن القتال. 
وفي 23 أغسطس/ آب 1942، نفذ الطيران النازي أكبر عملية قصف جوي يومي كثافة خلال الحرب العالمية الثانية، وأسفرت عن مقتل خُمس سكان ستالينغراد الذين ناهز عددهم 400 ألف حينها، وذلك قبل عدة أشهر من بدء التقدم السوفييتي المضاد. 
ويشير مؤرخون إلى أن "ستالين لم يأمر بإجلاء السكان المدنيين من المدينة، فظل مئات الآلاف منهم في ساحة القتال، وتلطخت يداه بدماء هؤلاء الذين تخاذل عن إنقاذهم".
ولعلّ هذا الأمر يدفع كثيرين إلى معارضة اقتراح استبدال اسم المدينة فولغوغراد حالياً بستالينغراد، وهو ما أطلق في الأسابيع الأخيرة ضمن حملة العسكرة التي تشهدها روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا في نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي.

ويحظى الاقتراح باستحسان ضمني من الحكومة الروسية من أجل رد الاعتبار لستالين رغم القمع الذي طاول ملايين المواطنين خلال حكمه، لكن ليبراليين ومعارضين في المدينة أطلقوا عريضة إلكترونية جمعت تواقيع طالبت بعدم إعادة الاسم القديم للمدينة، واستهجان تمجيد شخصية الدكتاتور الدموي.  
ونظراً إلى أهميتها الرمزية في الانتصار على النازية، وجدت معركة ستالينغراد صدىً كبيراً في الأدب والسينما السوفييتية، فيما أطلقت تسمية ستالينغراد على عدد من الميادين والشوارع في عواصم ومدن أوروبية رئيسية، بينها باريس وبروكسل وميلانو وغيرها. 

المساهمون