روسيا: مضايقات أمنية ضد مغتربين طاجيك

11 مايو 2024
العمال الطاجيك ركيزة في قطاعات الخدمات الروسية (خورشيد دافرانوف/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد هجوم "كروكوس" الإرهابي، تشددت الإجراءات الأمنية ضد الطاجيك في روسيا، مما أثار مخاوف من تفاقم رهاب الأجانب. سائق طاجيكي يعبر عن أمله في العيش بسلام في موسكو رغم التحديات.
- نيكيتا ميندكوفيتش يرى أن الإجراءات الأمنية مؤقتة ولا تعكس زيادة في رهاب الأجانب، مشددًا على أهمية العمالة الوافدة من آسيا الوسطى للديموغرافيا الروسية.
- العلاقات بين روسيا وطاجيكستان تأثرت بالإجراءات الأمنية، مما دفع الرئيسين لمناقشة وضع المغتربين والتعاون ضد التهديدات الإرهابية، واستدعاء طاجيكستان للسفير الروسي للاحتجاج على المعاملة.

يواجه الطاجيك في روسيا مضايقات منذ واقعة هجوم "كروكوس" الإرهابي في مارس/ آذار الماضي. ويشمل ذلك تشديد المراجعات الأمنية وإجراءات التفتيش لدى الوصول إلى أراضي روسيا. ويُطرح السؤال: هل يُفاقم الهجوم رهاب الأجانب في روسيا؟

"بسم الله". هذا ما يقوله سائق سيارة الأجرة الطاجيكي الأصل سبحان علي قبل أن ينقل راكباً في العاصمة الروسية موسكو التي تعتمد قطاعاتها الخدماتية منذ سنوات على العمالة الوافدة من جمهوريات سوفييتية سابقة في آسيا الوسطى.
ورغم ما يُشاع عن تعرّض الطاجيك لمضايقات بأساليب مختلفة بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعة "كروكوس سيتي هول" للعروض على أطراف موسكو، والذي نفذه مسلحون متحدرون من طاجكستان، لا يشكو سبحان، وهو في نهاية العقد الرابع من العمر، ويُقيم في موسكو منذ سنوات، من أي تمييز.

يقول سبحان لـ"العربي الجديد": "أتعامل مع الركاب باحترام حين أنقلهم في سيارتي، وألتزم بالكامل بقواعد المرور والقوانين المطبقة في روسيا، وأتمنى شخصياً أن تسنح لي فرصة شراء منزل في موسكو ومواصلة حياتي فيها مع زوجتي وأبنائي الثلاثة الذين أطلقت أسماء إسلامية عليهم، ولا يتعرضون لأي مضايقات في المدارس".
لكن ذلك لا يمنع سبحان من تجنب السفر إلى طاجكستان في المرحلة الراهنة بسبب ما يجري تداوله حول خضوع مواطني طاجكستان لمراجعات أمنية معقدة على المنافذ الحدودية الروسية، وهو يأمل في أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها قريباً. 
وفي الفترة الأخيرة، انتشرت أنباء عن تعرّض طاجيك وافدين لتضييق، بينها تكدّس نحو 180 سيارة تحمل لوحات أرقام طاجيكية على الحدود، وبقاء نحو ألف طاجيكي عالقين في مطارات روسية بسبب المراجعات.
ويعتبر رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، أن الإجراءات التي اتخذتها موسكو أخيراً في حق المغتربين الطاجيك مؤقتة وتتعلق مباشرة بهجوم "كروكوس". ويقرّ بأن الأزمة الديمغرافية تمنع استغناء روسيا عن العمالة الوافدة.
ويقول لـ"العربي الجديد": "الإجراءات المتخذة في حق الطاجيك مؤقتة، بعدما أصبحت روسيا، على غرار تركيا، تجري مراجعات إضافية للوافدين من طاجكستان. ويزعج ذلك سلطات هذا البلد التي تعاني من تردي أوضاعها الاقتصادية، ما يدفع أبناءها إلى التوجه إلى روسيا بحثاً عن الرزق، لكن هذه الإجراءات ضرورية بالنسبة إلى السلطات الروسية".
ويقلل ميندكوفيتش من مقولة إن هجوم "كروكوس" قد يُفاقم ظاهرة رهاب الأجانب في روسيا، "فقبل 15 عاماً كان الروس يخشون أن يحلّ الأجانب بدلاً من السكان المحليين في بلدهم، لكنهم يتفهمون اليوم ضرورة استقدام أيد عاملة باعتبار أن العديد من الذكور الروس يذهبون للمشاركة في الأعمال القتالية في دونباس شرقي أوكرانيا، كما يدركون حجم تأثيرات الأزمة الديمغرافية المستمرة منذ تسعينيات القرن الماضي".
وعموماً تتكرر بعد كل حادثة كبيرة يتورط بها مغتربون، مطالبة الروس بفرض تأشيرات دخول مسبقة على الوافدين من آسيا الوسطى، لكن ميندكوفيتش يشكك في واقعية تنفيذ هذا الأمر "فروسيا ترتبط بشراكة اقتصادية مستمرة منذ عقود مع جمهوريات آسيا الوسطى. ومثلما تحتاج هذه الدول إلى تحويلات المغتربين، تحتاج روسيا إلى العمالة الوافدة".
ومع ذلك، لا يستبعد ميندكوفيتش احتمال تشديد بعض الإجراءات في حق المغتربين على أساس دائم، بينها التأكد من حقيقة اجتيازهم امتحانات اللغة الروسية اللازمة لاستخراج سمات الإقامة.
وحالياً، يجب أن يجتاز الأجانب الذين يرغبون في الحصول على تصاريح عمل أو تصاريح إقامة في روسيا، امتحانات اللغة الروسية لغير الناطقين بها وتاريخ روسيا وأسس قوانينها.
وحتى الفترة الأخيرة كان يُسمح بأن تنظم مؤسسات تجارية متعاقدة مع جامعات هذه الاختبارات، ثم فسخت وزارة التعليم والعلوم الروسية هذه العقودد، ومنعت نهاية إبريل/ نيسان الماضي مراكز عون المغتربين من تنظيم اختبارات اللغة الروسية.

واجه طاجيك مضايقات بعد هجوم "كروكوس" الإرهابي (نتاليا كوليسنيكوفا/ فرانس برس)
واجه طاجيك مضايقات بعد هجوم "كروكوس" الإرهابي (نتاليا كوليسنيكوفا/ فرانس برس)

ومع امتداد أزمة المغتربين الطاجيك فترة طويلة، وتزايد المخاوف من أن تؤثر سلباً على العلاقات بين البلدين، ناقش الرئيس فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي أجراه مع نظيره الطاجيكي إمام علي رحمون، وضع المغتربين الطاجيك بعد هجوم "كروكوس".
وناقش الرئيسان التعاون في مجال مواجهة التهديد الإرهابي والوضع في مجال الهجرة، وأبديا ثقتهما بأن العلاقات بين البلدين لن تتضرر بسبب الوضع الراهن مع المغتربين.
وإثر حوادث التضييق على المواطنين الطاجيك في روسيا، استدعت وزارة الخارجية الطاجيكية السفير الروسي في دوشنبه، سيميون غريغورييف، وسلمته مذكرة احتجاج عبرت فيها عن قلقها من "الحالات الكثيرة لسوء معاملة الطاجيك في روسيا، وانتهاك حقوقهم وحرياتهم".
من جهتها، اعلنت وزارة الخارجية الروسية في إبريل/ نيسان الماضي، أن "إجراءات الأمن المشددة التي اتخذت على خلفية الهجوم الإرهابي في كروكوس سيتي هول يطبقه مسؤولو جهاز الجوازات بصرف النظر عن جنسية من يعبرون للحدود".
وكان هجوم "كروكوس" الذي يعد الأكبر في روسيا منذ نحو عقدين، أسفر عن سقوط 145 قتيلاً وأكثر من 500 جريح بإطلاق النار واندلاع حريق هائل في قاعة العروض. واعتقلت أجهزة الأمن أكثر من عشرة أشخاص، بينهم المنفذون الأربعة الذين يحملون جنسية طاجكستان.

وكانت محاكم في موسكو قضت بترحيل 403 أجانب بعد أيام من هجوم كروكوس، بحجة مخالفة قواعد الدخول روسيا أو نظام الإقامة.
وكشفت وسائل إعلام أنّ معظم قرارات الترحيل صدرت في حقّ ذكور من مواطني طاجيكستان وأوزبكستان، ثم آخرين من قرغيزستان وأرمينيا وأذربيجان ودول أخرى. 
ودعا بوتين إلى تحديث المقاربات الخاصة بسياسات الهجرة، معتبراً أنّ "الهجرة غير الشرعية بيئة خصبة لتنفيذ أعمال متطرّفة وأخرى جنائية".
وحثّ بوتين على استحداث قواعد إلكترونية للبيانات البيومترية الخاصة بالأفراد، "فتلك المتوفّرة في الوقت الراهن لا تسمح بالحدّ من المخاطر بالكامل، ولا تمنع تكرار حوادث عودة المهاجرين غير الشرعيين".

المساهمون