منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا قبل عامين، سنت السلطات الروسية مجموعة من القوانين من شأنها تضييق الخناق على معارضي التدخل العسكري في البلد المجاور، وكان آخرها قانون مصادرة أملاك من يقومون بنشر "أخبار كاذبة" حول الجيش الروسي، الذي وقع عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتصف فبراير/ شباط الجاري.
ومع ذلك، ثمة تساؤلات حول ما إذا كان هذا القانون انتهاكاً صارخاً لحقوق الملكية أم حقاً مشروعاً للدولة في مواجهة المعارضين الروس في المنفى الذين لا يزالون يملكون عقارات وأصولاً داخل روسيا.
ويُدخل القانون تعديلات على المادة 104.1 من القانون الجنائي المتعلقة بمصادرة الأملاك، مع توسيع قائمة الجرائم التي يمكن تطبيق هذا الإجراء بحق مرتكبيها.
وتضاف إليها الأعمال بموجب مواد النشر المتعمد لـ"أخبار كاذبة" حول استخدام القوات المسلحة الروسية (المادة 207.3 من القانون الجنائي) والدعوات العلنية إلى ممارسة أعمال موجهة ضد أمن الدولة (المادة 280.4 من القانون الجنائي) لدوافع مادية.
وتعتبر الصحافية الروسية، الرئيسة المشاركة لنقابة الصحافيين والعاملين بوسائل الإعلام (منحلة حالياً)، صوفيا روسوفا، أن القانون المثير للجدل موجه بالدرجة الأولى ضد المعارضين الروس في المنفى والداخل أيضا لمنع أي صوت معارض للكرملين والحرب المستعرة في أوكرانيا منذ عامين.
وتقول روسوفا، في حديث لـ"العربي الجديد": "طالما تم تمرير القانون، فهذا يعني أنه سيتم تطبيقه في المستقبل القريب. أعتقد أنه موجه بالدرجة الأولى ضد المعارضين المقيمين في الخارج، لا سيما في أوروبا، ممن يدلون بوجهات نظر بديلة أو مناهضة للسلطة والحرب عبر منصاتهم الاجتماعية".
وحول رؤيتها لدوافع السلطة لتبني مثل هذا القانون، تضيف: "الدافع الأول للقانون هو الحد من نشاط معارضي بوتين والحرب في الخارج وترويع المعارضين في الداخل أيضاً وقمع أي معارضة بأي وسيلة متوفرة حتى لو كانت غير قانونية مثل مصادرة أملاك".
وتلفت إلى أن القانون الجديد قد لا يقتصر تطبيقه على ملاحقة المعارضين، قائلة إن "عدداً كبيراً جداً من الأشخاص قد يقعون تحت طائلة القانون، بمن فيهم أصحاب منشورات تعبر عن مواقف بعينها على مواقع التواصل الاجتماعي وصحافيون بوسائل إعلام أجنبية ومن لا يتبنون رواية وزارة الدفاع الروسية في تغطية الحرب". وتتوقع روسوفا أن "يبدأ تطبيق القانون بحالة استعراضية لمصادرة فعلية لأملاك أحد المعارضين في المنفى ممن لا تزال لهم عقارات داخل روسيا".
وفي الوقت الذي قد يبدو فيه مشروع القانون هذا متعارضاً مع مبدأ حصانة حقوق الملكية التي تضمنها الدول، يرى المحامي بشركة "مينوشكينا وشركاؤها" للمحاماة أرام مرادوف أن الدولة يحق لها مصادرة أملاك وأصول من يقومون بأعمال عدائية تجاهها، مقراً في الوقت نفسه بوجود ثغرات توفر لمثل هؤلاء ملاذاً لتجنب خسارة أملاكهم.
ويقول مرادوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لا يستهدف مشروع القانون هذا الفارين فحسب، وإنما أيضاً دائرة غير محددة من الأشخاص ممن يسيئون للدولة الروسية وجهاتها الأمنية وقواتها المسلحة سواء مقابل أجر أو لإثبات ولائهم في الغرب حرصاً على مصالحهم التجارية وسمات الإقامة. لا يزال أغلب هؤلاء يملكون عقارات ومصادر دخل في روسيا، فيرمي مشروع القانون الردعي إلى جعلهم يدركون أن أملاكهم قد تصادر".
وحول رؤيته لمدى مشروعية مصادرة الأملاك، يضيف: "في حال كان شخص له علاقة بروسيا يسيء لدولتها وجيشها مع مواصلة جني عوائد أعمال بها وامتلاك أصول بها، فيمكن اعتباره خائناً. إذن يمكن للدولة معاقبته بمصادرة ما خلقت له ظروفاً للحصول عليه".
ومع ذلك، يؤكد أنه لا تزال هناك حيل قد يلجأ إليه المنشقون الروس لتجنب مصادرة أملاكهم، قائلاً: "يمكن لكثيرين نقل ملكية أملاكهم بأسماء ذويهم، ما يعني أن الدولة لن تستطيع شن حملة واسعة النطاق لمصادرة أملاك معارضي السلطة".
وأحيل مشروع قانون مصادرة الأملاك بسبب نشر "أخبار كاذبة" حول الجيش الروسي والدعوات إلى ممارسة أعمال موجهة ضد أمن الدولة، إلى الدوما في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي. وفي صباح اليوم ذاته، نال دعم لجنة بناء الدولة والتشريع بالدوما، قبل أن تتم الموافقة عليه في في وقت لاحق.
ومن اللافت أن حزب "أناس جدد" المتمثل في الدوما الروسي لأول مرة امتنع عن التصويت على القانون، مرجعاً ذلك إلى أن "ضبابية المفاهيم في مشروع القانون وتفسيراتها قد تتسبب في تجاوزات والاستيلاء على أملاك وتصفية حسابات".
وفي 7 فبراير/ شباط، وافق مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي هو الآخر على مشروع القانون، قبل أن يوقع عليه بوتين في 14 فبراير، ليدخل بذلك حيز التنفيذ.