رمضان القدس... ابتهاج حذر خشية تصعيد محتمل
يعبر كثير من المقدسيين عن مخاوفهم، إذ يتوقع الجميع أن يكون شهر رمضان هذا العام مختلفاً عن سابقه نظرا لتواتر عمليات القمع والقتل في مدينتهم التي تحولت إلى ثكنة عسكرية، وكذا في سائر المدن الفلسطينية التي تتعرض يومياً لاجتياحات من قبل قوات الاحتلال.
في السنوات السابقة، تكررت المواجهات مع قوات الاحتلال في ساحات المدينة المقدسة والمسجد الأقصى، وهو ما يمكن أن يتكرر هذا العام بسبب حملة التحريض الإسرائيلية على القدس، وتحذيرات من تصعيد محتمل يروج له مسؤولون إسرائيليون، على رأسهم وزير الأمن القومي، ايتمار بن غفير، والذي أعلن أن عمليات هدم منازل المقدسيين ستتواصل خلال شهر رمضان خلافاً لما جرت عليه العادة في السنوات الماضية.
تعبر المقدسية رولا الأرناؤوط، وهي من سكان حارة باب حطة بالبلدة القديمة، عما يسود المقدسيين من تخوفات، وتزامن ذلك مع وضع اقتصادي صعب وارتفاع مفاجئ للأسعار يربك غالبية العائلات، ويجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات شهر الصيام، مشيرة إلى استعدادات أخرى تتعلق بالجانب الروحي، والتهيؤ لأداء صلاة التراويح، والصلاة في المسجد الأقصى خلال أيام الجمعة، وحرصها خلال الشهر على تلاوة القرآن الكريم وختمه.
لم تمنع كل التخوفات المقدسيين من استقبال الشهر بزينة رمضان التقليدية من الفوانيس والمصابيح التي عادة ما تتشح بها الشوارع والحارات وواجهات البيوت. اعتادت عائلة المقدسية نعيمة الكرد تزيين مدخل بيتها ونوافذه سنوياً كتقليد دائم للتعبير عن الفرحة بحلول رمضان.
تتمنى الكرد أن يمر الشهر الفضيل على خير، وأن لا يتخلله ما يكدر حياة المواطنين، خاصة أن ما يتم تداوله في وسائل الإعلام يثير مخاوفها. وتسرد استعدادات أسرتها المختلفة قائلة: "استكملنا تزويد البيت باحتياجات الشهر الأساسية من مواد تموينية، لكن المستلزمات التي اشتريناها كانت في حدها الأدنى، ونتجهز روحياً لإحياء ليالي رمضان بما يليق به".
للناشطة المقدسية فاتنة الزغير "أم داود" رأي مختلف. تقول: "رمضان هذا العام يختلف عنه في السنوات السابقة، وذلك لأسباب عدة منها الوضع غير الآمن لشعبنا مع زيادة قمع حكومة الاحتلال للفلسطينيين عامة، ومدينة القدس بشكل خاص، إذ يحرم العديد من الأسر من حرية التنقل بين القرى والمدن بفرض صنوف من الإجراءات القسرية لمنعهم من التواصل مع عائلاتهم، مما يصعب الأمور على هذه الأسر، ناهيك عن هدم البيوت، وتغريم أصحابها مبالغ طائلة في حال امتنعوا عن هدم البيت بأيديهم، وصولا ً إلى ملاحقة التجار في لقمة العيش، وفرض غرامات مالية عليهم. رمضان هذا العام يتميز بوضع قاس بسبب ارتفاع أسعار مختلف المواد التموينية الأساسية مقارنة مع الأعوام السابقة".
في "باب حطة"، أحد أهم أحياء البلدة القديمة في القدس، يبدو المشهد مختلفاً، حيث تتفوق حارته عن سائر حارات البلدة القديمة في جمال زينتها الرمضانية. يقول المنشد المقدسي محمد سدر، إن أهالي الحي معتادون على استقبال رمضان بتزيين جميع البيوت والأزقة العتيقة وصولاً إلى باب المسجد الأقصى المتصل مع الحي.
يضيف سدر: "حاول الاحتلال قبل حلول رمضان، عرقلة وضع الزينة، بيد أن شباب الحي استكملوا ما بدأوه. ويحفل الشهر بتقليد المسيرات الرمضانية التي تقام عادة ليلة الخميس، حيث يجوب المشاركون البلدة القديمة انطلاقاً من أمام مدخل المسجد الأقصى الشمالي".
ولا تقتصر المخاوف على المواطنين العاديين، بل تطاول التجار المقدسيين الذين لا يخفون خشيتهم من تصعيد سلطات الاحتلال، علماً أن السنوات الأخيرة شهدت تصعيداً انعكست آثاره سلباً عليهم، وتضرر منه عدد كبير منهم، والبعض لحقت بهم خسائر فادحة.
يقول داود أبو اسنينة، وهو أحد أصحاب المحال التجارية في سوق خان الزيت، إنه قرر هذا العام اختصار مشتريات بضائعه تخوفاً مما يمكن أن يحدث خلال رمضان، مؤكداً أن حركة التسوق قبيل رمضان كانت ضعيفة بسبب أحوال المواطنين المتردية، فضلاً عن الانتشار الكبير لقوات الاحتلال على مداخل البلدة القديمة، وفي شوارعها، والذي يعيق حركة التنقل، وبالتالي يتردد المواطنون في الذهاب إلى الأسواق الكبيرة.
وعبر أبو اسنينة عن أمله أن يؤدي وصول أعداد كبيرة من المصلين إلى المسجد الأقصى، خاصة في أيام الجمعة، إلى إنعاش الحركة التجارية في القدس، ما لم تؤد الأوضاع الأمنية إلى غير ذلك بالنظر إلى تجارب السنتين الماضيتين، إذ كانت تشهد ساحة باب العامود مواجهات يومية بعد صلاة التراويح.
بدورها، أتمت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، استعداداتها لاستقبال الشهر الفضيل، وأكد الشيخ عزام الخطيب، مدير عام أوقاف القدس، لـ"العربي الجديد"، نصب عشرات "المعرشات" في ساحتي مسجد الصخرة والمسجد القبلي، وتجهيز جميع مرافق وساحات الأقصى لاستقبال عشرات آلاف المصلين الذين يقصدون المسجد خلال الشهر الفضيل، خاصة في أيام الجمعة، كما تم تجهيز مرافق طبية بالتنسيق مع فرق الإسعاف، وتأمين الأدوية والطواقم الطبية والتمريضية.
ودعا الخطيب قوات الاحتلال إلى عدم الاحتكاك بالمصلين، وطالب بإبعادها قدر الإمكان عن بوابات المسجد الأقصى كي لا تستفز المصلين، محذراَ من أي استفزاز من قبل المستوطنين خلال شهر رمضان.