ديار بكر... شاهدة على ثمانية آلاف عام من الحضارة

09 يناير 2021
سور عظيم وتاريخ يمتد إلى قرون بعيدة (توتكو سينين/ الأناضول)
+ الخط -

يروي الباحث التركي، سيرين آرال، تاريخ مدينته بحماس وحبّ، قلّ نظيرهما، إذ يصور من خلال سرده معالم مدينة ديار بكر، وتاريخها كأنّك ترى تلك الأزمنة، فهي من أكبر مدن جنوب شرقي تركيا، وثاني أكبر مدن منطقة الأناضول بعد غازي عينتاب، ويعود اسمها الحالي بحسب آرال، إلى فترة الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي، عندما سكنت فيها قبيلة بكر بن وائل، لتسمى ديار بكر، لكنّ هذا الاسم استمر لما له من معنى بالتركية، فالبكر هو النحاس وهكذا صارت أرض النحاس. لكنّ اسمها القديم الذي يردده الأكراد، غالبية سكان المدينة، هو آمد، لأنّها بنيت، بحسب التاريخ، على موقع مدينة أثرية تسمى "أميدا" لكنّ أول من سكن ديار بكر، مختلف حوله حتى الآن، لما يتم اكتشافه تباعاً من آثار بالمدينة، وإن كان الاتفاق على أنّها كانت عاصمة مملكة "بيت زماني" بالعهد الآرامي، قبل أن يسكنها الآشوريون ثم الأخمينيون، وبعدهم خضعت لسيطرة الرومان الذين بنوا تحصيناتهم المنيعة فيها، وأهمها السور، كما توالت عليها، بحسب الآثار والتاريخ المدوّن، حضارات البيزنطيين والفرس ودخلها العرب في عهد معاوية بن أبي سفيان.
يقول آرال لـ"العربي الجديد" إنّ ديار بكر التي يقترب عدد سكان ولايتها اليوم من مليوني نسمة، تزخر بآثار ومعالم تتفرد فيها، كأقدم مسجد بالأناضول "أولو" وهو في الأساس كنيسة "مار توما" التي تحولت في القرن السابع إلى مسجد. وفيها المسجد الكبير الذي بناه السلاجقة في القرن الحادي عشر وهو من أقدم مساجد تركيا وأكبرها إذ يتسع لأكثر من 5 آلاف مصلٍّ في الوقت عينه، وهناك عشرات من المواقع السياحية والأثرية كمسجد الصحابة، ومسجد النبي، وكنيسة السيدة مريم، لكن تبقى القلعة والسور الذي يزيد طوله عن 5.5 كلم وارتفاعه يبلغ ما بين 10 و12 متراً، وله أربع بوابات هي: الرها، ومارفن، وخربوط، وآرمن، و72 برجاً، من أهم آثار ومعالم المدينة. يلفت آرال خلال تغنيه بمدينته، إلى أنّ "سور ديار بكر أيضاً من معجزات الدنيا وينافس سور الصين في ذلك، لأن تاريخ بنائه غير معروف بدقة حتى اليوم، لكنّ الترميم كان في منتصف القرن الرابع للميلاد بأمر من الإمبراطور الروماني قسطنطين.

الأرشيف
التحديثات الحية

وفي عام 2015، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم  والثقافة (يونسكو) أسوار مدينة ديار بكر الأثرية، ضمن قائمتها للتراث الإنساني". يختم أنّ ديار بكر بلغت مراتب علمية واقتصادية متميزة، خلال الإمارة المروانية (982- 1086) في العصر العباسي، وكان فيها من جميع الأديان والقوميات وينسب لها بداية تأسيس المؤسسات الخدمية مثل الحمامات والبيمارستانات (مستشفيات)، والعمل على توفير الشروط الصحية المتعلقة بالنظافة.
وتقول كتب التاريخ إنّ مدينة ديار بكر تعود إلى 8 آلاف عام، وتعاقبت عليها 33 حضارة متنوعة. ويعود أحد ألقاب ديار بكر "مدينة مقبرة الصحابة" إلى استشهاد 26 صحابياً، بمن فيهم فاتح المدينة، سليمان بن خالد بن الوليد، فيها، وقد دفنوا في جامع سليمان.

وفي ديار بكر منطقة أغيل، ذات الشهرة الواسعة بين السائحين من مختلف الجنسيات، نظراً لطبيعتها الساحرة التي تزينها بحيرة كرال، وهي التي تتمتع بجمال طبيعي وإطلالة خلابة، بالإضافة لاحتواء منطقة أغيل على قبور الأنبياء، إذ هناك كثير من الكتب القديمة التي تشير إلى وجود تسعة قبور لأنبياء دفنوا هناك، منهم ذو الكفل وإلياس. وليس بعيداً عن أغيل يتربع متحف جاهد صدقي طارانجي، الذي كان منزلاً للشاعر التركي طارانجي الذي توفي عام 1956، وإلى الجنوب من سور ديار بكر قصر أتاتورك، المبني وفق الطراز المعماري للمدينة. لكن، لا يمكن المرور سريعاً على آثار هذه المدينة المدهشة بتاريخها، من دون التعريج على قلعتها التي تحوي آثار الحوريين الذين سكنوا المنطقة في الفترة ما بين 4 آلاف و3 آلاف قبل الميلاد. مع ذلك، تقول بعض المصادر إنّ عمر القلعة من عمر المدينة وهو 8 آلاف عام.

في ديار بكر فريق بحث يعمل في 13 منطقة في المدينة، بهدف العثور على آثار التجمعات السكنية القديمة، التي ترجع لفترات سابقة أبرزها عهود الإمبراطوريات الرومانية، والفارسية، والهلنستية. ويقود رئيس قسم الآثار في جامعة "دجلة" الحكومية، أيتاج جوشكون، الفريق الذي يضم عدداً من علماء الآثار، والمعماريين، وخبراء الترميم، ومن المخطط أن تستمر أعماله 10 سنوات. وسيبحث الفريق خلال هذه الفترة في أماكن التجمعات القديمة، في المنطقة، وعلاقات البشر بالطبيعة، وأماكن تمركز الحضارات القديمة، والكيانات التجارية والعسكرية، والعلاقات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية.

المساهمون