في حكم يكشف عن قصور القوانين الروسية، في مكافحة ظاهرة "ختان الفتيات"، المنتشرة في جمهوريات شمال القوقاز الروسي، ذات الغالبية المسلمة، قضت محكمة في جمهورية إنغوشيتيا، بتغريم طبيبة بمبلغ 30 ألف روبل (380 دولاراً) بسبب "تعمد اللحاق بأذى بدني محدود"، قبل أن تلغي العقوبة بسبب "التقادم" على هذه الأنواع من الجنايات.
وانتهت مساء 28 يناير/ كانون الثاني، القضية الأولى من نوعها في روسيا حول "ختان الفتيات"، بخيبة أمل للناشطين الحقوقيين؛ فقد قضت المحكمة المدنية رقم 15 في جمهورية إنغوشيتيا الروسية، بتجريم الطبيبة إيزانيا نالغييفا، بتهمة إلحاق الأذى الخفيف المتعمد بفتاة، في 2019، بعد إجراء عملية ختان لها في إحدى العيادات مقابل ألفي روبل (30 دولاراً)، وإسقاط العقوبة بسبب مرور الزمن.
وانتقد محامو منظمة "المبادرة القانونية"، وهي منظمة مدنية مستقلة، كانت قد كشفت منذ سنوات عن هذه الظاهرة، وطالبت بتشديد القوانين، قرار المحكمة بشدة، وشددت على ضرورة إدانة الطبيبة وفق بنود أقسى من القانون الجنائي الروسي، ومقاضاة العيادة التي تمت فيها عملية الختان. وقالت كبيرة المحامين في المنظمة تاتيا سافينا إن "غرامة 30 ألف روبل هي غير كافية وغير عادلة بالمطلق بالنسبة إلى الأذى الذي خلفته العملية على الطفلة". وأعربت في تعليق على صفحة المبادرة على "فيسبوك"، عن أسفها لأن "القاضي لم يتفق مع حجج محامي الضحية حول وجود عملية تواطؤ في الجريمة، وضرورة تصنيف عمل الطبيبة على أنه ضمن بنود قانونية أكثر قسوة في القانون الجنائي". وكشفت سافينا أن "القاضي رفض تشكيل لجنة طبية مستقلة من أجل تقويم مدى الضرر النفسي الذي لحق بالطفلة، رغم وجود تشخيص بأنها عانت من اضطرابات نفسية نتيجة عملية الختان"، وخلصت إلى "الحكم المعلن اليوم يؤكد مرة أخرى الصورة العامة، وهي أن عمليات ختان الفتيات تبقى من دون عقاب في روسيا".
ولا تجرم القوانين الروسية عمليات ختان الفتيات. وهذه هي المرة الأولى التي يحكم القضاء بقضية من هذا النوع. وتعود القضية إلى صيف عام 2019، حين لجأت والدة طفلة تبلغ من العمر تسع سنوات إلى القضاء، بعد تعرض طفلتها إلى نزيف حاد أثناء عودتها من زيارة إلى والدها في جمهورية الشيشان. وذكرت السيدة التي كانت منفصلة عن زوجها، أن الزوجة الثانية لوالد الطفلة، وعدداً من النساء، أقنعن الفتاة بأن عملية ختان مهمة لها لتجنب الأمراض، وقمن بمرافقتها إلى العيادة وثبتنها أثناء إجراء العملية. وتولت لجنة للتحقيق في القضية، وأكد تقرير عن لجنة طبية مختصة أن الأعضاء التناسيلة للفتاة تعرضت لأذية، ما تسبب في نزيف حاد، وصنفت اللجنة الأذية على أنها "أذى طفيف للصحة". وفي أثناء التحقيقات التي انتهت في ربيع 2020، زعمت الطبيبة وإدارة العيادة أنه لم يكن هناك أي عملية ختان، وأن الطبيبة قدمت مساعدة طبية ضرورية للطفلة. وتأخر النطق بالحكم طويلاً بسبب تقييدات كورونا والظروف الوبائية.
لا تجرم القوانين الروسية عمليات ختان الفتيات. وهذه هي المرة الأولى التي يحكم القضاء بقضية من هذا النوع
ورغم "الحكم المجحف"، تراهن منظمة "المبادرة القانونية" على معاقبة المسؤولين. ففي خريف العام الماضي، تقدمت بشكوى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتوكيل من والدة الفتاة ضد السلطات في إنغوشيتيا، وبررت اللجوء إلى المحكمة الأوروبية بعدم قيام السلطات بالتحقيقات الكافية، وكذلك عدم وجود قوانين رادعة ضد عمليات ختان الفتيات التي تصنف في القانون الجنائي الروسية على أنها تتسبب في أذى طفيف للصحة بمقتضى المادة 115.
وحسب تقارير منظمات حقوقية، تخضع أكثر من ألف طفلة في القوقاز الروسي لعملية الختان من عمر ثلاثة وحتى 14 عاما. وعادة ما تجرى العمليات في عيادات بناء على طلب الأهالي، لأسباب اجتماعية وثقافية. وتنتشر في أوساط المسلمين في هذه المنطقة.
وأثارت تصريحات إسماعيل بيردييف، مفتي جمهورية قرتشاي تشركيز، وأحد أهم المراجع الدينية في القوقاز، جدلاً واسعاً في روسيا في 2016. وحينها، قال تعقيباً على تقرير حقوقي، يطالب السلطات بوضع حد لجريمة ختان الفتيات في القوقاز، وخاصة في جمهورية داغستان، إنه "يجب ختن جميع النساء للقضاء على الرذيلة في العالم".
وكان لافتا أن التصريحات الحكومية الشاجبة لحديث المفتي، لم ترق إلى المستوى المطلوب، فقد حصر مستشار رئيس الوزراء والمسؤول السابق للهيئات الصحية الروسية، غينادي أونيتشتشنكو، الآثار السلبية للعملية بالقضية الجنسية، وذكر أن "التربية السليمة قد تكون بديلاً عن الختان؛ إذ تسمح بالحفاظ على عفة الفتيات ومنع النساء من الوقوع في الزنا". وحينها انتهز الكاهن الأرثوذكسي والمدون، فسيفولود تشابالين، المعروف بتصريحاته المثيرة للجدل الفرصة، ورأى أنه "من غير الضروري ممارسة الختان على جميع النساء: فالأرثوذكسيات على سبيل المثال لسن ساقطات".
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
