للمصريين علاقة وثيقة بالمولد النبوي، لكنّ الاحتفالات لا تكتمل من دون حلاوة المولد، وإن باتت أسعارها مرتفعة في كثير من المحال بفعل الأزمة الاقتصادية
لم يمنع ارتفاع أسعار حلاوة المولد النبوي، عاماً تلو آخر، في مصر، محمد مصطفى، من شراء الحلوى لأسرته وأخواته البنات، كنوع من الطقوس الأسرية المتوارثة عن والده. يقول مصطفى: "بعد وفاة والدي، لم أقطع عادته في مهاداة شقيقاتي المتزوجات بعلبة حلوى المولد، كما كان يفعل والدنا كلّ عام". تحت شعار مصري أصيل: "الله لا يقطع لنا عادة".
لكن، مع ارتفاع أسعار حلوى المولد، لجأ مصطفى لتقليل حجم العبوة، أو الشراء من محلات أرخص مما اعتاد من قبل. يقول: "الشعب المصري متمسك بعاداته واحتفالاته الشعبية والدينية، ولا يقطع عادته بالاحتفال بها، وحتى مع زيادة أسعار حلوى المولد، لم يمتنع المصريون عن شراء الحلوى. هم فقط لجأوا إلى حيل شرائية مثل الشراء من محلات أرخص".
بالفعل، هناك في مصر فئات متعددة لحلوى المولد بحسب جودتها، فهناك محلات الحلوى والشوكولاتة والمكسرات الكبرى التي يصل فيها سعر علبة الحلوى الواحدة إلى نحو 7 آلاف جنيه (445 دولاراً أميركياً) وهناك مصانع رديئة تعدّ الحلوى من مواد أولية رخيصة، ما يجعل بيعها لاحقاً أقلّ من أيّ سعر في السوق.
بجولة قصيرة بين أبرز وأشهر أماكن بيع حلاوة المولد، المعروفة في مصر، بالتزامن مع احتفالات مولد النبي محمد، الذي يصادف يوم غد الخميس، يمكن التأكد أنّ حالة الغلاء وصلت إلى كلّ تفاصيل الحياة، حتى في هذا الموسم والطقس الاحتفالي الديني. في أحد المحال، وصل سعر علبة حلاوة المولد الواحدة إلى 1500 جنيه مصري (96 دولاراً)، وهي معلبة ومغلفة وجاهزة بمكونات محددة من دون اختيارات من المشتري. ما يجعلها مختلفة عن غيرها اسم المحل ذي الشهرة، والصندوق الخشبي التي وضعت فيه وطريقة العرض، ما يعني أنّها مخصصة للفت أنظار طبقات معينة في المجتمع المصري، تقدم الحلاوة هدية قيمة في هذه المناسبة. وفي المحل نفسه أصناف أخرى من حلاوة المولد، أرخصها ثمناً وصل سعر علبته إلى 400 جنيه (نحو 25 دولاراً). في محل آخر تجاوز سعر صينية حلوى المولد 4 آلاف جنيه (255 دولاراً) لأنّ الصينية نفسها مصنوعة من الفضة. وكان أعلى سعر في هذه الجولة 7 آلاف جنيه (446 دولاراً) ثمن قالب كريستال داخله حلاوة المولد في واحد من أشهر محال الحلوى والشوكولاتة في مصر.
أما أسعار الحلوى في المحلات التي تعرض بضاعتها للأسر من الطبقة الوسطى، فتختلف باختلاف مكوناتها التي يختارها المشتري بنفسه. الحلوى التقليدية بمسمياتها الشهيرة المنسوبة لنوع المكسرات المصنوعة منها من سمسمية وحمصية وفولية وبندقية، تبدأ أسعار الحبة الواحدة منها من 3 جنيهات (0.19 دولار) وتصل في الفستق والكاجو إلى 50 جنيهاً (3.18 دولارات) وربما أكثر. وبإمكان المشتري أن يختار من بين مجموعة متنوعة من الحلوى المصنوعة من السكر والملبن والمكسرات. وتنخفض الأسعار قليلًا في المجمعات الاستهلاكية (سوبرماركت) المملوكة للحكومة، وبعض المجمعات الاستهلاكية التابعة للجيش، حيث جودة المواد المستخدمة في صناعة حلوى المولد تنخفض. وقبل أسابيع من موعد المولد النبوي، انتشرت شوادر بيع الحلوى و"عروسة وحصان المولد" المصنوعين من السكر الجاهز للأكل أو البلاستيك كزينة، في عدد من الشوارع المصرية وبعض المناطق الشهيرة بتلك الصناعات، مثل شارع باب البحر بمنطقة الفجالة بالقاهرة.
وبالفعل، لجأ مصطفى، نفسه، إلى حيلة شراء أربع علب حلوى لبيته ووالدته وشقيقتيه، من محل لبيع حلوى المولد متوسط السعر، لكنّه مختلف عما اعتادوا على الشراء منه في الأعوام الماضية.
وتأتي هذه المناسبة الدينية في مصر، في وقتٍ عصفت فيه أزمة انتشار فيروس كورونا الجديد بالأوضاع المعيشية. الحالة المادية لغالبية المصريين أصابها التدهور الشديد، وفقد كثيرون وظائفهم، بينما انكمش دخل من هم أكثر حظاً، ما أثر بشدة في طريقة حياتهم. وفيما كانت شركات وقطاعات عدة تحرص على مهاداة موظفيها بعلب حلوى المولد كلّ عام أو تقدم لهم كوبونات شرائها من محال معينة، في لفتة راقية لتوطيد علاقات الموظفين بشركتهم، تراجع عدد من الشركات عن هذه اللفتة هذا العام، نتيجة غلاء الأسعار. يقول مصطفى: "كثير من الشركات اضطرت لتخفيض الرواتب أو تخفيض عدد العمال. الموظفون يفضلون الحصول على رواتبهم كاملة بدلاً من تعويض النقص بعلبة حلوى مولد".
وتشير إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) إلى أنّ 36 في المائة من الأسر المصرية قللت كمية الطعام في الوجبات، بينما قلل 19.8 في المائة من الأسر عدد الوجبات نفسه، فيما خفض 14.2 في المائة من البالغين كمية غذائهم من أجل توفيرها للأطفال، وبدأ 4.6 في المائة من الأسر في إرسال أفرادها لتناول الطعام لدى آخرين. الدراسة نفسها أظهرت أنّ نحو نصف الأسر المصرية، اقترضت في حال عدم كفاية الدخل للوفاء باحتياجاتها، وذلك بعد تفشي وباء كورونا، وأنّ نسبة قليلة من الأسر بلغت 5.4 في المائة حصلت على منحة العمالة غير المنتظمة، كما حصل نحو 17 في المائة من الأسر على مساعدات أهل الخير. وأوضح التقرير أنّ 61.9 في المائة من عينة البحث تغيرت حالتهم المهنية، كما أنّ 73.5 في المائة تضاءل دخلهم، و55.7 في المائة من العاملين باتوا يعملون وقتاً أقلّ من المعتاد، و26.2 في المائة توقفوا عن العمل، و18.1 في المائة يعملون عملاً متقطعاً.