خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2014، فقدت الفلسطينية نائلة أبو زينة جميع الوثائق الرسمية الخاصة بها وبعائلتها، وفقدت حتى ألبومات صور أطفالها، وكذا مصوغاتها الذهبية وبعض المال الذي كانت تحتفظ به في المنزل، ورغم أن العائلة نجت من المجزرة التي ارتُكبت بحق سكان حي الشجاعية، لكنها لا تزال تتحسّر على ما جرى حينها حتى اليوم.
عندما وقع عدوان مايو/أيار 2021، نزحت أبو زينة (40 سنة) من الشقة التي عاشت فيها منذ عام 2016، والكائنة في حي الرمال بالقرب من شارع الوحدة، لكنها هذه المرة كانت قد استعدت جيدا، إذ وضعت جميع متعلقاتها الشخصية والوثائق الرسمية الخاصة بها وبأطفالها وزوجها في حقيبة صغيرة أطلقت عليها "حقيبة الطوارئ".
تقول أبو زينة لـ"العربي الجديد": "استغرقت نحو عام كامل لإعادة استخراج وثائقنا الرسمية بعد أن دمرها الاحتلال مع منزلنا في عدوان 2014. أكثر ما يؤلمني أنني فقدت صوري مع والدتي التي توفيت قبل عشر سنوات، وبعض صور أطفالي حين كانوا صغاراً. هذه الصور كانت بالنسبة لي أهم من الذهب والمال الذي فقدته، وهذه التجربة دفعتني إلى تجهيز حقيبة تضم كل متعلقاتنا، فلا يوجد أمان في غزة، وكل شيء معرّض للدمار في أي لحظة، ولا تزال مشاهد الموت في حي الشجاعية تطاردني".
وتضم حقيبة الطوارئ عادة الوثائق الرسمية، وبعض الصور التذكارية، والأموال والذهب، وما أن يعلن جيش الاحتلال بدء عملية عسكرية ضد سكان القطاع، حتى تبدأ العائلات الاستعداد، بعد أن فقد العديد منهم أوراقهم بعد قصف منازلهم في مرات سابقة.
وبسبب حالة الانقسام الفلسطيني، فإن طلبات استخراج وثائق رسمية أو بدل فاقد بالنسبة لسكان قطاع غزة أصبحت تتم عبر مكاتب، تتولى تقديم الطلبات للسلطة الفلسطينية في رام الله، وعلى رأسها جوازات السفر، وبعض التصديقات من وزارات السلطة، ما يجعل الغالبية يحرصون على المحافظة على الأوراق الرسمية.
وخاطر بعض الغزيين في حالات المغادرة بناءً على تحذير إسرائيلي مسبق في مرات العدوان السابقة من أجل إحضار الأوراق الرسمية من منازلهم، من بين هؤلاء مصعب الفيومي (37 سنة)، والذي دخل شقته في حي النصر، تحت القصف خلال عدوان عام 2021، لإحضار كل المستندات الرسمية الخاصة به وبأبنائه وزوجته، حينها كان قد تم تهديد مبنى محاذ للمبنى الذي يعيش فيه، ومن حسن حظه أنه كان قد وضع متعلقاته ومستنداته في حقيبة صغيرة كان يعلّقها في صالون المنزل تحسباً لأي خطر. يقول الفيومي لـ"العربي الجديد": "من دون الأوراق الرسمية قد نضيع للأسف، فنحن أرقام وأوراق بالنسبة للحكومات، والحفاظ على الوثائق ضروري حتى يتاح لك تعويض، أو علاج، أو ضرر. لذا خاطرت لإخراج متعلقاتنا، وفي كل منزل غزي أصبحت حقيبة الطوارئ مهمة كوجود الماء".
خلال عدوان 2021، عُثر بين أنقاض مبنى عائلة الكولك ومبنى عائلة أبو العون، على حقائب تضم المستندات الرسمية لعائلات الشهداء الذين قضوا في المجزرة. كانت الأسرتان لا تستبعدان حدوث مكروه لهم خلال العدوان، فتحضرا لتنفيذ إخلاء سريع حال القصف، وأخبرت الشهيدة ريهام فواز الكولك، التي استشهدت مع أسرتها في العدوان، صديقاتها قبل ساعات من وقوع المجزرة بذلك، لكن تم قصف منزلهم من دون سابق إنذار.
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، فرت أسرة الحاج يوسف إلى الشارع بعد أن قصفت طائرات الاحتلال بشكلٍ مفاجئ شقة في مبناهم السكني بحي النصر، وكان خلال الفرار يحمل "الحقيبة السوداء"، والتي كان يحتضنها مع ابنيه، وظل على هذا الحال حتى تم إطفاء الحريق، وسمح لهم الدفاع المدني بالعودة إلى منازلهم.
كانت الأسرة تقيم في برج "المجمع الإيطالي" الذي دمره الاحتلال الإسرائيلي في عدوان 2014، ويتذكر الحاج يوسف المعاناة خلال إخلاء البرج، والاضطرار لجمع وثائق ومتعلقات الأسرة الشخصية، والمال في كيس من النايلون، حينها كان ينبغي جمع الأوراق والأغراض من أدراج مختلفة خلال دقائق قليلة، ووقتها فقد عدداً من الوثائق، من بينها جواز سفره، وبعض الأموال.
يقول لـ"العربي الجديد": "كنت قد حصلت على قرض بنكي قبل شهر من اندلاع عدوان 2014، وفقدت نحو نصف مبلغ القرض تحت الأنقاض. كنت خائفاً على حياة أبنائي، فقد كانوا صغاراً وقتها، ووجدت صعوبة في إيقاظهما، فحملتهما، فكان هذا درساً لي لعدم الوثوق بالظروف في غزة بالمطلق، وأصبحت الحقيبة جاهزة دائماً، وفيها كل الوثائق الرسمية والمال والصور وغيرها".