استمع إلى الملخص
- القانون يعكس توجه الدولة نحو قمع الإسلام ومظاهره، مما يثير مخاوف بشأن الحريات الدينية ويعتبره البعض استمرارًا لسياسات التضييق على المسلمين، ما قد يدفع بعضهم للهجرة أو الانجراف نحو الراديكالية.
- المحللون يبررون الحظر بالإشارة إلى الاقتتال الديني في التسعينيات، معتبرين الإجراءات الصارمة ضرورية للحفاظ على الهوية الوطنية والأمن الداخلي في طاجكستان، التي تواجه تحديات متعلقة بالهوية الدينية والتأثيرات الخارجية.
بعد حظر وضع الحجاب في جمهورية طاجكستان السوفييتية السابقة، تعود مسألة الملابس المسموح للنساء بارتدائها إلى الواجهة في بلدان آسيا الوسطى التي يعد معظم سكانها من المسلمين، علماً أن قانون "تنظيم التقاليد والاحتفالات والطقوس" الذي وقعه الرئيس الطاجيكي، إمام علي رحمون، لا يتضمن حظراً مباشراً على وضع الحجاب، واستخدمت عبارة ضبابية وهي "الملابس التي لا تتناسب مع الثقافة القومية"، مع الإشارة إلى أن الحجاب ليس جزءاً من الأزياء التقليدية للطاجيك، بل يجري وضعه لاعتبارات دينية.
وينص القانون الجديد على حظر دخول مثل هذه الملابس إلى البلاد وبيعها وارتدائها في الأماكن العامة، معرضاً المخالفين من الأفراد لغرامات مالية بقيمة 7920 سوموني طاجيكي (حوالي 700 دولار)، و40 ألف سوموني (3700 دولار) للمسؤولين. ونقلت وكالة "آسيا بلاس" عن سكان محليين شكواهم من أن السلطات توقف نساء محجبات في الشوارع للمطالبة بخلع الحجاب.
وجرى تبني القانون المثير للجدل بعد مناقشة استمرت منذ فترة طويلة، ويرى البعض في ذلك تهديداً للحريات الدينية، فيما يعتبر آخرون أن ذلك سيساعد في الحفاظ على الهوية الوطنية. ويرجع الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، حظر الحجاب في طاجكستان إلى سعي السلطات للتقييد على الإسلام والمسلمين في تقاليدهم إلى ما لا يتجاوز السقف الذي كان مسموحاً به في عهد الاتحاد السوفييتي، حين كان رحمون يشغل منصب مدير جمعية "لينين" الزراعية.
ويقول سيميونوف في حديثه لـ"العربي الجديد": "يرجع الحظر إلى سياسات الدولة الرامية إلى قمع الإسلام، ومكافحة مظاهره كافة، وغير المرحبة سوى بتلك المحدودة منها التي كانت مقبولة في عهد الاتحاد السوفييتي، مع النظر إلى أي خروج عن الأطر الضيقة، وحتى وضع الحجاب، على أنها مظهر للراديكالية". ويعتبر أن تضييق الخناق على المسلمين في طاجكستان له دوافع سياسية، مضيفاً: "بعدما قمع نظام رحمون المعارضة بشكل كامل تقريباً، توجه نحو مكافحة الدين لا الراديكاليين وحدهم. المسلمون الملتزمون بالطقوس والراغبين في تربية اللحى، وأن تضع زوجاتهم الحجاب، والذهاب إلى المساجد بانتظام آمنين أو أداء الصلاة بمواقع عملهم، سيضطرون إلى الهجرة".
ويحذر من أنه كلما ازدادت الضغوط على مسلمي طاجكستان، سيزداد أيضاً خطر وقوع بعضهم تحت تأثير دعاية الراديكاليين، مثل تنظيم "داعش خراسان" الذي تبنى المسؤولية عن الهجوم الإرهابي بقاعة العروض "كروكوس سيتي هول" على أطراف موسكو في مارس/ آذار الماضي، ونفذه مسلحون طاجيك.
من جهة أخرى، يعتبر رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، حظر الحجاب في طاجكستان أمراً مبرراً على ضوء ما شهدته البلاد من الاقتتال الداخلي ذي الخلفية الدينية في تسعينيات القرن الماضي. ويقول ميندكوفيتش في حديثه لـ"العربي الجديد": "يندرج حظر الحجاب في طاجكستان ضمن مكافحة الراديكالية الدينية، إذ إن الحرب الأهلية الدموية في تسعينيات القرن الماضي التي مرّ عليها ثلاثة عقود لم تمح من الذاكرة التاريخية. لذلك، تتخذ إجراءات قد تبدو أكثر حزماً، وحتى مفرطة، مقارنة مع غيرها من الدول في مسألة مواجهة التشدد الإسلامي، خصوصاً أن هناك راديكاليين طاجيك نفذوا هجمات في روسيا وغيرها من الدول".
وتعد طاجكستان من بين الجمهوريات السوفييتية السابقة ذات نظام الحكم الأكثر سلطوية الذي تكوّن إثر الحرب الأهلية الدموية في منتصف تسعينيات القرن الماضي بين عامي 1992 و1997.
وفي نهاية عام 1992، انتخب مرشح "الجبهة الشعبية"، إمام علي رحمونوف، كما كان يلقب حينها قبل حذف النهاية "وف" الشائعة لأسماء العائلات الروسية، رئيساً للمجلس الأعلى في طاجكستان التي كانت تعيش حالة الحرب الأهلية حينها، ليصبح رئيساً للبلاد بعد مرور عامين، متمكناً من إخراج البلاد من دوامة العنف اللامتناهي.
وتفاقمت الأزمات في طاجكستان التي كانت تعد إلى جانب قرغيزستان أفقر جمهوريات الاتحاد السوفييتي، بعد تفكك أكبر دولة في العالم. وبلغت المواجهة بين النخبة الشيوعية السابقة وقوى المعارضة ذروتها بدخول البلاد أتون الحرب الأهلية التي تخللتها أعمال بالغة القسوة، مثل عمليات التطهير العرقي، وتزايد الخلافات في مسألة الهوية الدينية.
ولم تستحسن السلطات الطاجيكية دوماً ارتداء الأزياء الإسلامية، وكانت ترى فيها ملامح للأصولية الإسلامية، إلى أن توج الأمر بتوقيع رحمون في 20 يونيو/ حزيران الماضي، على القانون القاضي بحظر ارتداء الملابس التي تعتبرها دوشنبه الرسمية دخيلة على الثقافة القومية.
وسبق لوزارة الثقافة الطاجيكية أن أصدرت في عام 2018 "إرشادات للملابس الموصى بها للفتيات والسيدات في جمهورية طاجكستان"، ولم تحث على الامتناع عن وضع الحجاب الأسود فحسب، وإنما أيضاً الملابس الأوروبية الكاشفة للجسد والتنورات القصيرة والنعال.
وفي مارس/ آذار الماضي، أوضح رحمون أن "تقليد الثقافة الدخيلة في الملابس من جهة وضع الحجاب هو قضية ملحة لطاجكستان". واللافت أن حظر الحجاب في طاجكستان يتزامن مع تعالي الأصوات في روسيا لحظر النقاب، وتنظيم حركة الهجرة الوافدة من آسيا الوسطى، بعد واقعة هجوم "كروكوس" التي تسببت في متاعب لقطاع كبير من الطاجيك عند عبورهم الحدود الروسية.