- البنية التحتية بما في ذلك المستشفيات مدمرة، مما يحرم السكان من الرعاية الطبية الضرورية، مع تقارير عن إطلاق النار على من يحاول الاقتراب من البلدة، ما يزيد من مخاطر وقوع ضحايا.
- التدمير والتطهير العرقي في بيت حانون وصل لأكثر من 90%، حيث يواجه السكان الموت البطيء بسبب الجوع والعطش ونقص الرعاية الطبية، مع استمرار المناشدات لإنهاء العمليات العسكرية وإيصال المساعدات.
قبل العدوان الإسرائيلي، كانت بلدة بيت حانون تشتهر بين بلدات قطاع غزة بكثرة المزروعات، إذ تنتشر النباتات في شوارعها، لكن سكانها لا يجدون الطعام حالياً بسبب الحصار المفروض عليهم.
تحاصر قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بلدة بيت حانون في أقصى شمال قطاع غزة منذ أسبوع كامل، وتسيطر على جميع مداخل البلدة ومخارجها، وتمنع السكان من مغادرتها بالتزامن مع استمرار العمليات العسكرية على مناطق شمال القطاع، التي تتركز على بلدة ومخيم جباليا.
تضم بيت حانون عشرات الآلاف من الأشخاص، والكثير منهم كانوا نازحين عادوا إلى البلدة عقب انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في الشمال منتصف الشهر الماضي، لكن هؤلاء جميعاً معرضون حالياً لخطر الموت، ويعيش أغلبهم في وضع إنساني صعب تحت الحصار المشدد.
ووصلت استغاثات عدة من سكان البلدة إلى المنظمات الإنسانية المحلية وإلى المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، تفيد بمحاصرة آليات الاحتلال لكل مداخل بيت حانون، وأنه لا يصل إليهم طعام أو شراب منذ أسبوع كامل، وباتوا يعيشون على أعتاب الموت، بينما تطلق طائرات الاستطلاع الإسرائيلية النار على أي شخص يقترب من مداخل البلدة.
وتزيد المخاطر مع عدم وجود أية وسيلة للرعاية الطبية في المنطقة بعد تدمير جيش الاحتلال مستشفى بيت حانون، وتوقف المركز الصحي الصغير الذي كان يتولى مهام الإسعافات الأولية، بينما يخشى سكان البلدة أن يكثف الاحتلال إطلاق النار، فيوقع مصابين وشهداء بينهم.
تسيطر قوات الاحتلال على جميع الطرق المؤدية إلى بيت حانون
ولليوم السابع على التوالي، واصلت قوات الاحتلال سيطرتها على شارع الهوجا في وسط مخيم جباليا، وعلى مستشفى اليمن الذي كان يضم مئات النازحين، وكذلك جنوب حيّ القصاصيب، ومنطقة تل الزعتر، ومنطقة مدارس وكالة "أونروا" المعروفة باسم منطقة حمدان، وشارع العجارمة، وهو بذلك يحتل جميع الطرق المؤدية إلى بيت حانون.
ودمر الاحتلال كل أبراج الإرسال الخاصة بشبكات الاتصالات الفلسطينية في المنطقة، ما يفاقم من أزمة السكان الذين لا يملكون حتى التواصل مع ذويهم، ولا يملكون وسيلة لطلب النجدة. من بين هؤلاء إبراهيم المصري (40 سنة) وهو أحد المصابين المحاصرين داخل بيت حانون.
أصيب المصري قبل أسبوعين بالقرب من الطريق الشرقي لبلدة جباليا، وقد تلقى العلاج في مستشفى كمال عدوان، وهو المستشفى الوحيد الذي يعمل في محافظة شمال قطاع غزة، لكنه كان يجب عليه أن يظل على تواصل مع طبيبه المعالج لأنه تعرض لإصابة بالغة في ساقه، نتج عمها قطع في بعض أوردة العضلات، كذلك سبّبت التهابات شديدة.
يقول المصري لـ"العربي الجديد": "البلدة محاصرة من كل الاتجاهات، فمن الاتجاه الشمالي يقع معبر بيت حانون (إيريز) على بعد كيلو متر واحد، ولا أحد يستطيع الاقتراب منه، لأن المنطقة كلها تحولت إلى منطقة عسكرية، والمنازل القريبة كلها مدمرة. ومن الشرق، حوّل الاحتلال المنطقة إلى منطقة عازلة، وتوجد فيها عشرات الآليات العسكرية، ومن الناحية الغربية للبلدة التي تضم المداخل، فُرض حصار مشدد على مسافة تقترب من كيلومترين من المدخل الرئيسي، وبالتالي لا نستطيع حتى الاقتراب". يضيف: "عشرات المصابين مثلي في البلدة يحتاجون إلى العلاج الدوري، لكنهم الآن بلا شيء، كذلك نعاني من الجوع والعطش، فمنذ أيام لم يدخل إلى البلدة شيء. أعاني من آلام إصابتي مع معاناتي من الجوع والعطش، كذلك تواصل طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التحليق بكثافة، وأصواتها تزيد توترنا".
صُنفت بيت حانون إحدى أكثر بلدات قطاع غزة تعرضاً للتدمير
ويوضح المصري أن "عدداً من سكان البلدة كانوا نازحين داخل مدارس تتبع وكالة (أونروا) في مخيم جباليا، وعند إسقاط طائرات الاحتلال المناشير الخاصة بالإخلاء، لم تصنف بلدة بيت حانون كمنطقة قتال، أو توجه أوامر لسكانها بالمغادرة، لذا عاد الكثير من النازحين إلى البلدة، التي عاد إليها كثيرون سابقاً بعد انتهاء العملية العسكرية للاحتلال في المنطقة الشهر الماضي".
وفي 15 إبريل/ نيسان الماضي، نفذ الاحتلال عملية عسكرية في بلدة بيت حانون، واقتحم عدداً من المدارس التي تؤوي النازحين، واعتقل العشرات بعد أن جردوهم من ملابسهم، وحوّل مراكز الإيواء إلى مراكز تحقيق، وجرى التحقيق مع المئات، بمن فيهم النساء والأطفال، قبل إجبارهم على النزوح باتجاه مخيم جباليا ومناطق في مدينة غزة.
لكن بعد ثلاثة أيام، انسحبت قوات الاحتلال من البلدة، وعاد كثير من سكانها الراغبين في البقاء فيها رغم الدمار الذي حل بمعظم المباني، ويقيم الآلاف حالياً داخل مدرستين، هما مدرسة مهدية الشوا الثانوية للبنين ومدرسة غازي الشوا الأساسية.
نزحت عبير أبو الفضل (46 سنة) مع نحو 15 فرداً من عائلتها إلى إحدى المدارس التي تعرضت لدمار جزئي، وباتت تؤوي النازحين، وتؤكد أن محاولاتهم للحصول على المياه باءت بالفشل على مدار خمسة أيام، لكون أقرب مصدر للمياه يوجد بالقرب من مدخل البلدة، وقوات الاحتلال تمنع الاقتراب منه. تقول أبو الفضل لـ"العربي الجديد": "لو استمر هذا الحصار أياماً إضافية، سيكون لدينا شهداء. هناك نساء لا يستطعن إرضاع أطفالهن بسبب نقص الطعام، ونعيش من دون أي مصدر للمياه، وهذا الحصار كان مفاجئاً، فلم يتم تحذيرنا سابقاً حتى نتخذ احتياطاتنا، وقوات الاحتلال تعلم أننا عدنا إلى البلدة لأنه لا مكان يؤوينا خارجها".
ومع دخول الشهر الثامن على التوالي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، صُنفت بلدة بيت حانون إحدى أكثر بلدات وقرى القطاع تعرضاً للتطهير العرقي، وتجاوزت نسبة التدمير فيها 90 في المائة، استناداً إلى تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وهي أول بلدة تعرضت للتدمير المباشر، وإجبار سكانها على النزوح، كذلك كان مستشفى بيت حانون التخصصي أول مستشفى في قطاع غزة يخرج عن الخدمة.
داخل إحدى الخيام التي نصبها سكان بيت حانون بالقرب من منازلهم في "شارع المصريين"، يوجد عماد الكفارنة (56 سنة) حالياً، وكان قد غادر البلدة الشهر الماضي بعد العملية العسكرية الإسرائيلية، ثم عاد برفقة خمسة من أفراد أسرته لأنهم لم يجدوا مكاناً يؤويهم في المنطقة الشمالية شبه المدمرة بالكامل، ما جعله يفضل العودة إلى بيت حانون، لكنه يعاني مع أسرته من الجوع، ويؤكد أن الطعام المتوافر شارف على النفاد، إذ كان يملك كمية أغذية قليلة اشتراها من سوق مخيم جباليا قبل عشرة أيام، قبل تدمير السوق في العملية الإسرائيلية الحالية.
يقول الكفارنة لـ"العربي الجديد": "لا يوجد طعام ولا مياه في بيت حانون، وكنا نعتمد على بلدة بيت لاهيا أو مخيم جباليا اللتين كان فيهما بعض الباعة، لأن الاحتلال دمر بلدتنا في بداية العدوان على القطاع، ونعيش حالياً تحت رحمة قيود التنقل، وشاحنات المساعدات التي وصلت إلى الشمال خلال الشهرين الأخيرين لم تصل مساعداتها إلينا، وكنا مجبرين على الذهاب إلى المناطق المجاورة من أجل الحصول على المساعدات، أو شرائها من بعض النازحين الذين يبيعونها".
يضيف: "شاهدت حالات إغماء كثيرة بين كبار السن، وأغلب هؤلاء رفضوا ترك البلدة، ولولا بقاء كثيرين فيها، وعودة مئات النازحين إليها لحوّل الاحتلال بيت حانون إلى منطقة عسكرية. لكننا كنا حرصاء على الصمود، والآن نتعرض للموت البطيء، ونواصل إرسال المناشدات، عسى أن تنتهي العملية العسكرية سريعاً، وتصل إلينا المساعدات الغذائية. يحتل الجيش الإسرائيلي الأراضي الزراعية الشرقية والشمالية من البلدة منذ الشهر الأول للعدوان، ويستغل بعضها كمنطقة عسكرية بعد أن جرف المزروعات والأشجار، وحين حاول بعض أصحابها العودة إليها أطلق عليهم النار، وأصاب كثيرين، كان منهم شقيقي وعدد من أبناء عمي".
وتعتبر بيت حانون بلدة زراعية، إذ تشكل الأراضي الزراعية نصف مساحتها، ويتعرض سكانها منذ الانتفاضة الثانية في عام 2000، لانتهاكات إسرائيلية متكررة، ويجبَرون في كل عدوان على القطاع على النزوح، ويدمر الاحتلال منازلهم، فيما يُعاد إعمار منازلها عقب كلّ عدوان إسرائيلي، وبعض تلك المنازل دمرها الاحتلال أكثر من أربع مرات على مدار العقدين الأخيرين.