منذ بداية الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة والتي تتواصل لليوم 114، تجهد وكالة أونروا لتأمين احتياجات الفلسطينيين المستهدفين في القطاع، وسط المجزرة القائمة والحصار المطبق، علماً أنّ 152 من موظّفيها قُتلوا بالنيران الإسرائيلية بحسب البيانات الأخيرة الصادرة قبل يومَين.
وتواصل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التحذير، منذ ما يقارب أربعة أشهر، من تواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وبينما وصف المفوّض العام للوكالة فيليب لازاريني الوضع في غزة بأنّه "جحيم على الأرض" ودعا مراراً وتكراراً إلى "وقف المجزرة"، أكّد في أكثر من مناسبة أنّ ما يحصل "يدفعنا جميعاً إلى إعادة التفكير في قيمنا" وأنّ الحرب "تلطّخ إنسانيتنا المشتركة"، وقد توجّه إلى قادة العالم محذّراً من أنّ "التاريخ سيحاكمنا إذا لم يُوقَف إطلاق النار في قطاع غزة". كذلك انتقد لازاريني "تجريد الفلسطينيين في غزة من إنسانيتهم"، الأمر الذي لا يؤدّي إلا إلى "الانهيار".
وعلى خلفيّة مواقف "أونروا" هذه، شنّت جهات إسرائيلية مختلفة حملات ضدّها وكذلك ضدّ الأمم المتحدة عموماً. وفي ما يشبه "ثمن" وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولا سيّما في قطاع غزة المستهدف والمحاصر، تأتي الحملة الأخيرة عليها، ليس من قبل دولة الاحتلال فحسب إنّما من قبل داعميها الكبار، الأمر الذي جعل دولاً مساهمة في تمويل وكالة أونروا تعلن عن تجميد مساهماتها، لعلّ أبرزها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا وألمانيا.
وقبل أن تدّعي إسرائيل احتمال مشاركة 12 موظفاً من وكالة أونروا في عملية "طوفان الأقصى"، لم تترك مناسبة إلا ووجّهت اتهامات مختلفة إلى وكالة أونروا، فيما استهدفت مقارها بالصواريخ والقذائف، وغير ذلك. وأعلنت إسرائيل، أمس السبت، أنّها لا تريد أن تؤدّي أيّ دور في قطاع غزة بعد الحرب. كذلك صرّح أكثر من مسؤول، صراحةً، بأنّ "تفكيك" وكالة أونروا أمر ضروري.
وفي هذا الإطار، أتت مداخلة قامت بها المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الإسرائيلية نوغا أربل، في خلال نقاش جرى في الكنيست الإسرائيلي في أوائل شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، قالت فيها إنّه "من المستحيل أن نربح الحرب في غزة ما لم ندمّر أونروا"، مشدّدةً على "وجوب أن يكون هذا التدمير فوراً".
"It will be impossible to win the war if we do not destroy Unrwa, and this destruction must begin immediately"
— Middle East Eye (@MiddleEastEye) January 28, 2024
Earlier this month on 4 January, Noga Arbell, a former Israeli official, called for the destruction of Unrwa during a discussion in the Israeli parliament. pic.twitter.com/VooVg39fVL
أونروا الضامنة الوحيدة للاجئين الفلسطينيين
تُعَدّ وكالة أونروا جهة فاعلة أساسية بالنسبة إلى ملايين الفلسطينيين منذ إنشائها، بعد نحو عام من نكبة 1948. وهي كانت قد تأسّست تحت اسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1949، بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى التي اندلعت غداة إعلان قيام الدولة العبرية.
وقبل تأسيس الوكالة، كان برنامج الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين الذي أُنشئ في عام 1948 يؤدّي مهامّ إغاثية للفلسطينيين الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية. وبالتالي تولّت الوكالة الوليدة المهام التي كانت موكلة لهذا البرنامج، وإلى جانب ذلك كُلّفت الاستجابة بطريقة أكثر فعالية للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لمجمل اللاجئين الفلسطينيين. فأكثر من 760 ألف فلسطيني هُجّروا وطُردوا من منازلهم بالقوة أو أُجبروا على الفرار من منازلهم أمام تقدّم العصابات الصهيونية، في خلال النكبة، وقد لجأ هؤلاء بمعظمهم إلى دول مجاورة.
ومنذ ذلك صارت وكالة أونروا، في غياب أيّ جهة أخرى ذات صلاحية، الهيئة الوحيدة الضامنة للوضع الدولي للاجئ الفلسطيني في أقاليم عملياتها الخمسة الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة، في انتظار التوصّل إلى حلّ نهائي لقضيّتهم. وفي غياب أيّ حلّ لقضية اللاجئين الفلسطينيين، عملت الجمعية العامة للأمم المتحدة وبصورة متكررة على تجديد ولاية وكالة أونروا.
وثمّة 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني مسجّلين لدى وكالة أونروا ويمكنهم الاستفادة من خدماتها، التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية للمخيّمات والتمويلات الصغيرة والمساعدات الطارئة، بما في ذلك في الفترات التي تشهد نزاعاً مسلّحاً.
كذلك تعترف وكالة أونروا بما مجموعه 58 مخيّماً للاجئين تتوزّع بالطريقة الآتية: 19 مخيّماً في الضفة الغربية المحتلة، و8 مخيّمات في قطاع غزة، و10 مخيّمات في الأردن، و12 مخيّماً في لبنان، و9 مخيّمات في سورية.
وفي مجال التعليم، ثمّة 706 مدارس تابعة لوكالة أونروا تضمّ 544 ألف تلميذ وتلميذة. أمّا في المجال الصحي فثمّة 140 مركزاً حتى نهاية عام 2023، تُسجَّل فيها سنوياً نحو 7 ملايين زيارة.
📍#Gaza Images taken yesterday of people queuing for food in the rain & cold at our shelter in Deir al-Balah.
— UNRWA (@UNRWA) January 28, 2024
At our schools turned shelters, @UNRWA continues to provide canned food, flour, hot meals & more- but shelters are 4x over capacity.
There is simply not enough food. pic.twitter.com/1bJ5xUVK7M
أونروا في قطاع غزة
ومنذ ما قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، كان الوضع الإنساني فيه حرجاً. وبحسب بيانات الأمم المتحدة الصادرة في أغسطس/ آب 2023، فإنّ 63 في المائة من الفلسطينيين في القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويعتمدون على المساعدات الدولية، علماً أنّ أكثر من 80 في المائة من السكان يعيشون تحت خطّ الفقر.
ويضمّ القطاع الصغير ثمانية مخيّمات ونحو 1.7 مليون نازح، أي الأغلبية الساحقة من السكان، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. أمّا إجمالي عدد سكان غزة فنحو 2.3 مليون نسمة.
ومن بين موظفي الوكالة البالغ عددهم 30 ألفاً، يعمل 13 ألف شخص في قطاع غزة، موزَّعين على أكثر من 300 منشأة مُقامة على مساحة 365 كيلومتراً مربّعاً.
أونروا وسط أزمة 2018
في عام 2018، أوقفت الولايات المتحدة الأميركية، المساهم الأكبر في تمويل وكالة أونروا، مساعدتها المالية السنوية البالغة 300 مليون دولار أميركي في عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب.
وقد رحّبت إسرائيل بالقرار الأميركي، حينها، متّهمة الوكالة الأممية بـ"إطالة أمد النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني" من خلال تكريسها مبدأ أنّ فلسطينيين كثيرين لاجئون ولهم الحقّ في العودة إلى ديارهم، أي الأراضي التي طُردوا أو فرّوا منها عند قيام دولة إسرائيل. إشارة إلى أنّ دولة الاحتلال تعارض مبدأ وكالة أونروا هذا.
في المقابل، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تقدّم سنوياً أكثر من ثلاثة مليارات دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل، وقد تخطّى الأمر ذلك في خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، مع استمرار واشنطن بإمداد دولة الاحتلال بالمقاتلات والذخيرة وما إليها.
وفي مايو/ أيار 2019، دعا مستشار ترامب للشرق الأوسط، إلى إنهاء عمل وكالة أونروا، متّهماً إياها بأنّها "فشلت في مهمّتها". وقد ردّت الوكالة مؤكدةً أنّه لا يمكن تحميلها مسؤولية الطريق المسدود الذي آلت إليها عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لكنّ واشنطن استأنفت تقديم التمويل في عام 2021، بعد انتخاب جو بايدن رئيساً.
Nine countries suspend funding to @UNRWA in a middle of a war as humanitarian needs for people in #Gaza deepen
— Juliette Touma (@JulietteTouma) January 27, 2024
It is indeed a stain on humanity…… it is indeed the last thing that people in #Gaza need right now, collective punishment 👇👇 https://t.co/kQan6JVCK5
مصادر تمويل أونروا
وتحصل الوكالة على الأموال اللازمة لنفقاتها السنوية، في أقاليم عملياتها الخمسة، من خلال المنح المالية التي يقدّمها أعضاء في الأمم المتحدة، لعلّ أبرزهم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا والسعودية والاتحاد الأوروبي والسويد واليابان والإمارات وقطر.
وتمثّل المساعدات المالية الدولية ما نسبته 93 في المائة من مجمل نفقات وكالة أونروا، فيما تتوزّع النسبة المتبقية على منظمات دولية إغاثية وإنسانية.
وبحسب ميزانية وكالة أونروا لعام 2023 الماضي، بلغ إجمالي النفقات 1.6 مليار دولار، من دون احتساب النفقات الإضافية التي تسبّبت فيها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، البالغة 481 مليون دولار في الربع الأخير من عام 2023، الأمر الذي يعني أنّ المبلغ يتجاوز مليارَي دولار.
وتتوزّع نفقات وكالة أونروا بالطريقة الآتية: 58 في المائة للتعليم، و15 في المائة لقطاع الصحة، و13 في المائة لإسناد العائلات معيشياً، و6 في المائة للإغاثة الاجتماعية، و4 في المائة لتحسين البنية التحتية للمخيّمات، و4 في المائة أخرى لحالات الطوارئ.
(العربي الجديد، فرانس برس، الأناضول)