حرب الأشجار

10 أكتوبر 2024
هل تصمد الأشجار في ظل الحرب؟ (غي بيترسون/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ظل الحرب السودانية الأخيرة، أصبحت التكايا ملاذاً للفقراء والمحتاجين، حيث تقدم الطعام وتضمد الجراح النفسية والجسدية، مستندة إلى مبدأ التكافل الاجتماعي، رغم التحديات الاقتصادية والانهيار المالي.

- التكايا، التي نشأت في العصر العثماني، عادت لتسد فجوة السلطات المنشغلة بالقتال، وتعمل بفضل دعم المتصوفين والشباب، رغم صعوبات الإنترنت وارتفاع الأسعار، مما أدى إلى توقف بعضها.

- مع انقطاع الكهرباء والغاز، لجأ المتطوعون لقطع الأشجار للطهي، مما يعكس صمودهم في مواجهة الظروف القاسية، متسائلين عن إمكانية إعادة غرس الأشجار يوماً ما.

أزاح الهاتف جانباً، وخاطبني ساهماً "في التَّكِيّة جَنِيَّة".
حسبته في حاجة إلى جلسة علاج نفسي كما الكثيرين الذين عبروا الحدود بعد شهور الصمود التي تجاوزت نصف العام قضى جلها في إحدى التكايا متطوعاً، حيث ظلوا يطعمون الطعام، ويضمدون الجراح الجسدية والنفسية لدى من تبقى من سكان أحياء المدينة الكبيرة في ظل طول أمد الحرب. وها هو يماثل حالهم في معسكر للجوء عبر الحدود.
التكيّة مصطلح مشتق من المتّكأ، حيث يجد الفقراء والمساكين، وعابرو السبيل والدراويش ملاذاً ومأوى يوفر لهم ما يسد الرمق، ويسكّن النفس التّعِبة. والتكيّة من العمائر الدينية المهمة التي ترجع نشأتها إلى العصر العثماني، وظلّت من المعالم والمدارس والمستشفيات الدينية التي يلجأ إليها أيضاً من يصابون باضطرابات نفسية وعصبية وعقلية نتيجة لما أصابهم من بلايا ورزايا وكوارث. وهل من كارثة أكبر من الحرب؟ وفي حرب السودان الأخيرة عاد الموروث الاجتماعي التكافلي ليسد فجوة السلطات المنشغلة بالقتال، والمنظمات الإنسانية التي لا تجد فرصة للعمل في ظل انعدام المسارات لتأمين وصول المساعدات، وعدم ضمان حياة العاملين في المجال الإنساني، مثلما هو الحال في كل الحروب.

موقف
التحديثات الحية

انتشرت التكايا (جمع تكية) في المناطق التي يسيطر عليها الجنود من الطرفين، عبر مبادرات بدأها أهل التصوف، وتلقفها الشباب في ما سُمِّي بالمطابخ الشعبية، أو غرف الطوارئ، والتي ظلّت تعمل على هدى المبدأ التكافلي الشعبي (الجود بالموجود)، تتلقى الدعم من الخيّرين، وبعض المنظمات الداعمة، وعبر التحويلات المالية لأبناء السودان المنتشرين في المناطق الآمنة وخارج حدود البلاد، وذلك رغم صعوبات استمرار خدمة الإنترنت، وانهيار العملة المحلية والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية اللازمة لاستمرارية هذا العطاء. فقد قلّص التصاعد المتسارع في معدلات التضخم قدرة هذه التكايا، لتتوقف بعضها عن العمل. 
ولكن ما الجنِيّة في التّكِيّة التي أشار إليها هذا القادم للتو من ذاك الجحيم؟
حدثني أنه بعد انقطاع التيار الكهربائي، وصعوبة الحصول على غاز الطهي بعد انعدامه في محال التوزيع، وتوقف إنتاج مصفاة النفط الرئيسة التي كانت تغطي 50% من إنتاج الغاز للاستهلاك المحلي، بينما تتم تكملة النقص عبر الاستيراد، لم يجدوا أمامهم سوى قطع أشجار الشوارع والبيوت المجاورة، إذ لا قبل لهم بالخروج من الأحياء المحاصرة بين طرفي الحرب. وقد بات اتهام الانتماء إلى هذا الطرف أو ذاك سبباً كافياً للقبض على المتطوعين، والزج بهم في السجون، وربما تصفيتهم جسدياً. 
"عموماً الأشجار تموت واقفة"! 
لعله أراد أن يبرر أنه في ظل انقطاع خدمة الماء لشهور، تموت الأشجار جراء العطش، لا كما تموت أشجار "أليخاندرو كاسونا" واقفة، في رمزية الثبات أمام عواصف الحياة، والموت وقوفاً على الأقدام. فهل نصمد، ونعيد يوماً غرس أشجارنا؟
(متخصص في شؤون البيئة)

 

 

المساهمون