أجبرت آلاف الأسر الفلسطينية على النزوح المتكرر من منطقة إلى أخرى، من جراء التهديدات والتحديات الخطيرة، سواء بفعل تواصل الغارات الإسرائيلية التي تهدد حياتهم، أو بفعل التقلبات المناخية التي باتت تشكل خطراً كبيراً على استقرارهم، خصوصاً الأسر التي تسكن داخل خيام بلاستيكية هشة، والتي تعاني بشدة مع بدء المنخفضات الجوية وهطول الأمطار.
وخلق تكرار النزوح حالة من التكدس داخل مراكز ومدارس ومخيمات الإيواء محدودة المساحة والخدمات في المحافظة الوسطى ومحافظة خانيونس، الأمر الذي دفع مئات الآلاف إلى شاطئ البحر، حيث قاموا بإنشاء الخيام على الرغم من قساوة الظروف المعيشية.
ويواجه قاطنو الخيام تحديات إضافية من جراء التغيرات المناخية، وما يصاحبها من رياح شديدة، وحركة الأمواج، ما بات يهدد أمان أسرهم، وتدفع تحديات الطقس الإضافية المفروضة على سكان الخيام إلى تكرار نقل خيامهم على الرغم من اهتراء وتحطم أجزاء منها بفعل الانتقال المتكرر، في محاولة للابتعاد عن أمواج البحر المرتفعة، وتجنب الأمطار والرياح العاتية التي تسببت بتدمير كثير من الخيام.
ويصطدم النازحون الراغبون بتأمين أسرهم إزاء التقلبات المناخية بأزمة قائمة تتمثل في اكتظاظ الشوارع والأراضي الزراعية ومدارس ومراكز الإيواء بمئات آلاف النازحين، ما يؤدي إلى تفكير طويل في الوجهة القادمة في ظل محدودية الأماكن المتاحة.
نزح الفلسطيني وديع إنشاصي ثماني مرات منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وقد استقر لفترة داخل خيمة بلاستيكية على شاطئ البحر في مدينة دير البلح (وسط)، بالقرب من محطة تحلية المياه، لكنه اضطر إلى المغادرة بسبب الأحوال الجوية الصعبة التي يفرضها بدء المنخفضات الجوية، والتي جعلت الحياة على الشاطئ أزمة كبيرة.
يقول إنشاصي لـ "العربي الجديد": "لا تتوقف الصعوبات عند انخفاض درجات الحرارة خلال ساعات الليل، إذ يمكن التغلب على تلك الأزمة عبر زيادة عدد الأغطية، على الرغم من شحها في الأسواق وارتفاع أسعارها، بل يتمثل الخطر الحقيقي في ارتفاع الأمواج وشدة الرياح، والتي يمكنها مع الأمطار إغراق الخيمة الهشة، أو تحطيمها فوق رؤوسنا. تسبب العدوان في أشكال مختلفة من المعاناة والمخاطر والتحديات التي لا نتمكن من التأقلم معها، أو التغلب عليها، وجاءت التقلبات المناخية لتكمل فصول المعاناة، إذ خلقت تحديات إضافية تهدد حياة وأمن النازحين على طول الشريط الساحلي".
بدوره، نزح الفلسطيني محمد عبد اللطيف، رفقة أسرته من حيّ تل الهوا جنوبي مدينة غزة، ويؤكد أن "أهالي القطاع تعرضوا على مدار أربعة عشر شهراً لمختلف الصعوبات، سواء فقدان بيوتهم، أو النزوح من مناطقهم، والنقص الشديد في مختلف مقومات الحياة، من مأكل ومشرب وملبس، أو غلاء الأسعار الذي طاول كل شيء، وانعدام الأمن والاستقرار بسبب تواصل التهديدات، والمطالبات بالإخلاء، وأخيراً يلاحقنا الشتاء الذي كنا نحبه في السابق، لكننا اليوم ندعو الله ألّا تُمطر السماء حتى لا تزيد المعاناة".
ويوضح عبد اللطيف لـ "العربي الجديد" أن "السبب الأساسي للقلق من التقلبات المناخية والأمطار والرياح يعود إلى ضعف الخيام المصنوعة من القماش أو النايلون والشوادر الضعيفة، والتي لا يمكنها مواجهة تلك الأجواء العاصفة، أو الأمطار الشديدة، أو ظواهر المد والجزر الطبيعية، ما يهدد الأسر التي أجبرها عدم وجود أماكن إيواء على إنشاء خيامها على شاطئ البحر".
وتتزايد التحديات التي تواجه ما يزيد عن مليوني نازح فلسطيني فقدوا بيوتهم ومناطق سكنهم يوماً تلو الآخر، في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي من دون أي فترات راحة تمكنهم من التقاط أنفاسهم، ولو بشكل مؤقت.
يقول الفلسطيني صبحي الرفاتي، وهو رب أسرة مكونة من ستة أفراد، إن "التحديات ستزداد على النازحين في ظل الأمطار والمنخفضات الجوية، فالخيام تهشمت، والنايلون أصبح ممزقاً، ولا يوجد ما يقي الناس أو يعينهم على تجاوز الشتاء". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنه أُجبر على الانتقال بأسرته مجدداً بفعل التهديد الذي تشكله أمواج البحر على سلامتهم، خاصة مع المنخفضات الجوية والأمطار.
ويشير الرفاتي إلى تحديات إضافية يفرضها النزوح إلى شاطئ البحر، إذ يتعرض الأطفال خلال فترات الليل وبعض أوقات النهار إلى موجات قاسية من البرد الشديد الذي من شأنه إصابتهم بأمراض مثل الإنفلونزا الموسمية والنزلات المعوية، في ظل شلل تام في المنظومة الطبية، واختفاء الأدوية والمسكنات.