قبل نحو 13 عاماً، تحديداً في سبتمبر/ أيلول من عام 2008، افتُتحت "حديقة القرآن النباتية" وسط المدينة التعليمية في الدوحة. وغرست الشيخة موزا بنت ناصر، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، الشجرة الأولى في الحديقة وهي السدرة التي صارت رمز المؤسسة وشعارها. ويصل عدد النباتات والأشجار التي تضمها الحديقة اليوم إلى نحو 12 ألف نبتة وشجرة.
يقول مسؤول تنظيم الفعاليات وبرامج التواصل الاجتماعي في "حديقة القرآن النباتية" في قطر، عبد الرحمن الحمادي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحديقة التي تقوم على مساحة 40 هكتاراً، هي الأولى من نوعها التي تهتم بجمع النباتات التي ذُكرت في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الشريفة وكذلك تلك التي تنمو في البرّ القطري، إلى جانب الأدوات التراثية المرتبطة بالإنبات أو التي تُستخرج (وتُصنَّع) من النباتات، كالأدوات التي كانت تُستخدم قديماً في الأكل والشرب، أو الحراثة والزراعة. كل ذلك يُعرض في المتحف النباتي المصغّر في داخل الحديقة".
ويسعى القائمون على الحديقة إلى أن تصير مركزاً شاملاً لنشر المعرفة والتعليم والبحث، عن طريق حملات التوعية الخاصة بها وبرامجها التعليمية والمجتمعية. ويوضح الحمادي أنّ "الحديقة تضطلع بخمسة أدوار رئيسة، وتسعى إلى تحقيق ذلك عن طريق برامجها التي تقدّمها لتلاميذ المدارس إلى جانب البرامج والحملات المجتمعية، ومنها حملة غرس التي تهدف إلى غرس 2022 شجرة بحلول عام 2022"، لافتاً إلى أنّ "عدداً أكبر من ذلك غُرس حتى الآن لكنّ الاسم اختير تماشياً مع استضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022".
ويفصّل الحمادي أدوار الحديقة الخمسة، قائلاً إنّ "الأوّل تعليمي، إذ هي تقدّم برنامجاً تعليمياً فريداً من نوعه في قطر، يهدف إلى إنتاج معلومات أساسية وتطبيقات عملية حول النباتات والبيئة. أمّا الدور الثاني فهو بيئي، إذ تساهم برفع الوعي البيئي والتشجيع على صون الموارد الطبيعية. والدور الثالث علمي، من خلال برنامج يهدف إلى البحث والتطوير في علوم النبات، وصونها في داخل وخارج موائلها الطبيعية، واستخدام التقنية الحيوية، وتعظيم الاستفادة من القيمة الطبية والاقتصادية والتراثية للنباتات من خلال دراسة الأبعاد والتحديات التي تواجهها. والدور الرابع ثقافي تتبنى الحديقة من خلاله إحياء التراث الثقافي، عبر التركيز على الاستخدامات التقليدية للنباتات ودورها في حياة الإنسان. والدور الخامس ترفيهي، إذ تتفرد الحديقة في تصميمها ومحتوياتها، وتهدف إلى أن تكون الوجهة الأولى لأفراد الأسرة، خصوصاً الأطفال والتلاميذ الذين يجدون في أنشطتها المتعة والمعرفة معاً".
وتُقسم هذه الحديقة إلى ستّ حدائق رئيسة رُبطت بحواس الإنسان وسمّيت حدائق الحواس كحديقة الصوت وحديقة الأعناب والحديقة المائية والحديقة الصحراوية وحديقة الأطفال. وهي تتميّز عن الحدائق العامة، بلوحات تعريفية خاصة بكل نبتة على حدة، تتضمّن اسمها العلمي وكيف ذُكرت في القرآن أو في الأحاديث، وهي مفتوحة مجاناً أمام الزائرين. وما تحويه هذه الحديقة يأتي من بيئات جغرافية ومناخية متباينة، من قبيل النباتات الصحراوية ونباتات المناخ المعتدل والنباتات الاستوائية، منها الخردل والعصفر والكمون والشعير والعدس والحبة السوداء والأرز، بالإضافة إلى النباتات المعمّرة من قبيل القتاد والإذخر والحنظل والزقوم وسنامكي وقصب الذريرة والقسط والزعفران والبردي والزنجبيل والزرنب.
في هذا الإطار، يقول الباحث المساعد في "حديقة القرآن النباتية"، أحمد الدسوقي غريب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحديقة تشمل 60 نوعاً، 20 منها ذُكر في القرآن الكريم وأكثر من 40 نوعاً نباتياً في صحيح الحديث النبوي"، موضحاً أنّ "أكثر النباتات ذكراً في القرآن هي النخلة مع 20 مرة، بالإضافة إلى مصطلحات نباتية كثيرة متعلقة بها من قبيل القنوان، وهو ذلك الشمراخ الزهري الذي يحمل الثمار، والأكمام جمع كمّ وهو الذي يحيط بالطلع عندما تخرج الأزهار، وكذلك التين والزيتون والرمان والأعناب. ومن أغربها الطلح المنضود، والطلح هي شجرة ذات أشواك ووُصفت بالمنضود لأنّ ثمارها متراكبة من الأعلى إلى الأسفل، وهي شجرة الموز. ومن خصائص الطلح المنضود أنّها ذات ساق حقيقية، مع تراكب من أنصال الورقة يكوّن الساق الكاذبة. والساق الحقيقية تكون تحت الأرض ولونها أحمر من قبيل القلقاس، وهو من الأنواع التي تنبت في المناطق الصحراوية وعرفه العرب في خلال رحلات الشتاء والصيف وجلبوه من الهند وبلاد الشام. وهو يحتاج إلى درجات حرارة معتدلة ورطوبة عالية طول الوقت، لذا يُزرع في المشتل النباتي ومركز صون الموارد النباتية التابع لحديقة القرآن النباتية. أمّا أبرز الشجيرات المذكورة في القرآن والسنّة والتي تحتضنها الحديقة، فهي الغرقد والأراك والكتم والحناء والعرفط والطلح والسمر والأثل والعود والكافور والورس والموز والأترج والتين والزيتون والنخيل والرمان والعنب والسدر". يضيف غريب أنّ "ستة أنواع من الأشجار الخشبية استُنبتت في المركز وهي السَلَم والسمر والغاف والسدر البري والعوسج والقرز، فيما أنتجت سبعة آلاف شتلة جاهزة لإعادة استنباتها وإعادتها مرّة أخرى إلى البرّ. وفي ذلك محاولة لحفظ التنوّع البيولوجي، إذ جُمعت البذور وحُفظت في البنك النباتي الخاص بالحديقة"، مشيراً إلى "مبادرات لإعادة النباتات البرية في موائلها الطبيعية، ومنها مشروع روضة الفرس على طريق دخان غرب قطر، لزراعة النباتات البرية، إلى جانب إحياء الروضات في داخل حرم مؤسسة قطر".
وتنظّم الحديقة برامج سنوية تعليمية ومجتمعية، من قبيل برنامج "امرح وتعلم" لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وبرنامج "الأمن الغذائي" و"الباحث النباتي اليافع". وبسبب تداعيات أزمة كورونا، عمدت إدارة الحديقة إلى تغييرات جذرية. وبعدما كان التلاميذ يحضرون بأنفسهم الى الحديقة، وتفادياً للاختلاط ومنع انتقال فيروس كورونا الجديد، استُحدث برنامج "الجولة الافتراضية"، وقد نُظّمت في خلال شهر مارس/ آذار الماضي خمس جولات استقطبت 1500 تلميذ، علماً أنّ المتخصص في الحديقة يستقبل التلاميذ عبر التواصل الإلكتروني ويتفاعل هؤلاء من أماكن وجودهم والتي تكون المنازل في معظم الأحيان.
وتتعاون الحديقة مع مؤسسات عدّة في داخل دولة قطر أو خارجها، بهدف تعزيز التعاون والعمل المشترك في إطار حماية البيئة والطبيعة، وذلك عبر اتفاقيات أبرزها اتفاقية تعاون مشترك مع الحدائق النباتية الملكية "كيو" في بريطانيا، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم مع المؤسسة الإسلامية للثقافة في إسبانيا، واتفاقية تفاهم مع المتحف الوطني في مدينة سان بطرسبرغ الروسية. كذلك أبرمت الحديقة اتفاقية مع مركز الدراسات والعلوم الاجتماعية في جامعة قطر بالمشاركة مع الحدائق النباتية الملكية في مدينة إدنبره في المملكة المتحدة، إلى جانب بروتوكول تعاون مشترك مع إدارة البحوث الزراعية في وزارة البلدية والبيئة بدولة قطر.