افتتحت حديقة "أورتشارد" الاستوائية داخل مطار حمد الدولي في جنوب العاصمة القطرية الدوحة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بالتزامن مع استضافة مونديال قطر لكرة القدم لأول مرة في الشرق الأوسط، وتحتل الحديقة مساحة 6 آلاف متر مربع، لتمثل واحة من الهدوء تسمح للمسافرين بأخذ قسط من الراحة، إلى جانب ما يوفره المطار من خدمات مثل التسوق، ومحال الأطعمة والمشروبات، والإنترنت اللاسلكي المجاني.
وتضم الحديقة أكثر من 300 شجرة، ونحو 25 ألف نبتة جرى استيراد معظمها من غابات مستدامة في ماليزيا وتايلاند وسنغافورة، ويمنح تصميم الحديقة فرصة لتأقلم الأشجار والنباتات مع ظروف الزراعة الداخلية، والاستمرار في النمو، فيما يوفر الضوء الطبيعي المنساب عبر السقف الشبكي الزجاجي أجواء هادئة داخل المطار.
وتأتي إقامة الحديقة الاستوائية داخل "مطار حمد الدولي" ضمن جهود المطار لتحقيق الاستدامة البيئية. يقول رئيس مجلس إدارة جمعية "أصدقاء الطبيعة" السفير الدولي للمسؤولية الاجتماعية سيف الحِجري، لـ"العربي الجديد"، إن "مطار حمد الدولي من أبرز المطارات الخضراء حول العالم، ويسعى إلى تطبيق معايير البيئة في مقومات البنية التحتية من ناحية الأمن والسلامة، وكذلك الجماليات"، لافتاً إلى أنه "من بين الجماليات احتضان المطار حديقة من الأشجار الطبيعية الحيّة، وليس من أشجار الزينة الاصطناعية، ما يتيح توفير المزيد من الأوكسجين".
يضيف الحجري: "تتيح الحديقة للمسافرين عبر مدينة الدوحة، وخاصة لمسافري الترانزيت الذين يقضون ساعات داخل المطار، متنفساً طبيعياً، وتشعرهم كأنهم يتجولون في مكان مفتوح وليس في صالات الانتظار المغلقة، وجرى اختيار الأشجار والنباتات التي تحتويها الحديقة من بين النباتات التي تنمو في الأماكن المغلقة ضمن درجات حرارة وإضاءة مناسبة، وكل هذا يضفي المزيد من التنوع البيولوجي على النباتات الموجودة في البيئة القطرية".
وتضم حديقة أورتشارد الاستوائية مسطحاً مائياً أنيقاً، ومسارات مشي متعددة، ومناطق جلوس مختلفة، كما تضم عشرات المتاجر التي توفر تجربة تسوق استثنائية فاخرة، وتوفر أشهى المأكولات المحلية والعالمية عبر أكثر من 65 مطعماً ومنفذاً للبيع بالتجزئة من أصل 180 موجودة في المطار، وكل ذلك داخل بيئة خضراء تزخر بأشكال متنوعة من الحياة الطبيعية.
ودعم مطار حمد الدولي خطط "اليوم العالمي للبيئة"، الذي اختارت له الأمم المتحدة خلال العام الماضي شعار "دحر التلوث البلاستيكي"، وتشمل أهداف الاستدامة البيئية للمطار الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحسن إدارة المخلفات، ويسعى إلى الوصول إلى أفضل طرق معالجة وإدارة النفايات، وتعزيز التواصل مع الشركاء التجاريين والهيئات الحكومية من أجل اعتماد أفضل المعايير البيئية ذات التأثير الإيجابي على البيئة.
ومن خلال نظامٍ معزز لإدارة النفايات، اعتمد المطار إعادة استخدام وتدوير نحو 40 في المائة من النفايات الناتجة من عمليات المطار في عام 2023، بما في ذلك 736 طناً من النفايات البلاستيكية، وجرى استخدام النفايات غير القابلة لإعادة التدوير في إنتاج الكهرباء، وتتيح محطة معالجة مياه الصرف الصحي المخصصة للمطار إعادة استخدام 100 في المائة من مياه الصرف الصحي في ري الأشجار والنباتات الموجودة داخل المطار، ما يؤدي إلى عدم تصريف تلك المياه في البحر.
وفي إطار هدف تحقيق "صفر نفايات"، يعتمد مطار حمد الدولي عمليات تعزيز أنظمة إدارة النفايات، ما يؤدي إلى نقل أكثر من 1200 طن من النفايات من المكبات إلى مراحل الفرز وإعادة التدوير وتوليد الطاقة شهرياً.
ودشن أخيراً "سوق المطار" الذي يعتبر السوق التراثي الأول، وهو يضفي لمسة قطرية تقليدية أصيلة على المطار، وقال مصمم السوق، المهندس القطري إبراهيم الجيدة، خلال حفل الافتتاح: "كان هدفي عند تصميم سوق المطار اصطحاب المسافرين في رحلة عبر مكان مميز ينبض بالحياة، تماماً كما لو كانوا يزورون قطر".
وأطلق على متاجر ومطاعم السوق أسماء تراثية متعددة، فنرى متجر "خنين"، ومعناها الرائحة الفواحة باللهجة الخليجية، وهو يحوي زيوتاً عطرية منسقة حصرياً، ومصنوعة من المكونات والعناصر المحلية التقليدية. وتظهر "الدرزة"، وهي المصطلح الخليجي المعبر عن الخياطة والتطريز، ويحمل الاسم متجر أزياء نسائي يعرض مجموعة من الملابس التقليدية، من الجلابيات والعباءات والشيلة وغيرها.
ويحمل متجر ثالث اسم "البشت"، وهو عباءة يرتديها الرجال في منطقة الخليج العربي خلال المناسبات الخاصة والاحتفالية، ويقدم متجر "دُكّان" مجموعة مختارة من الحلويات والوجبات الخفيفة التقليدية، في حين يقدم "بسطة" الطعام التقليدي مع لمسة عصرية، ويوجد مقهى ومطعم "جباتي وكرك" الذي افتتح أول فرع له في قطر قبل 50 عاماً، ويقدم مأكولات مستوحاة من المطبخ الهندي التقليدي، ويعرض متجر "صوغة"، التي تعني باللهجة الخليجية "الهدية"، مجموعة من التذكارات والهدايا والمقتنيات الشخصية.
كما تتزين جنبات المطار بالعديد من الأعمال والمجسمات الفنية، ومنها عمل "عوالم أخرى" للفنان الأميركي توم أوترنس، و"أكذوبة" للفنان الأميركي كاوس، و"كون" للفنان الفرنسي جان ميشيل أوثونيل، و"رسالة سلام للعالم" للفنان العراقي أحمد البحراني، و"الدب المصباح" للفنان السويسري أورس فيشر، والعديد من الأعمال الفنية الأخرى التي تهدف إلى إلهام المسافرين، والتواصل معهم بلغة الفن العالمية التي تتخطى حواجز اللغات والثقافات المحلية، إضافة إلى تعزيز تجربة السفر لتكون أكثر حماسة، بحسب موقع الخطوط الجوية القطرية.
تجدر الإشارة إلى أن مطار حمد الدولي افتتح رسمياً في عام 2014، ويحمل اسم أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وقدرت التكلفة الإجمالية لإنشائه بـ15 مليار دولار أميركي، وقد صمم ليكون صديقاً للبيئة، وأقيم على مساحة تعادل ثلث مساحة العاصمة الدوحة، وبشكل هندسي يعبر عن الانسيابية، ويشتهر بمنحنياته التي تشبه أمواج الخلجان، أو تموجات الواحات الهادئة، وأصبح المطار لاحقاً مقراً رئيسياً للخطوط الجوية القطرية التي تسير رحلاتها إلى أكثر من 170 وجهة حول العالم.
وصمم سقف مبنى المسافرين على شكل موجة ليجاري حركة المياه الانسيابية السلسة، والمناظر الخارجية المحيطة بالمطار الذي حقق رقماً قياسياً في أعداد المسافرين في عام 2023، بلغ أكثر من 45.9 مليون مسافر، بزيادة قدرها 31 في المائة مقارنة مع أرقام عام 2022، الذي شهد استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم "قطر 2022".
وحصد المطار العديد من الجوائز العالمية، إذ حل في المرتبة الثانية كأكثر المطارات اتصالاً في الشرق الأوسط وفقاً لمؤشر مجلس المطارات الدولي "ACI"، وحصل على ترتيب "ثاني أفضل مطار في العالم"، وجائزة "أفضل مطار للتسوق في العالم"، و"أفضل مطار في الشرق الأوسط" لتسعة سنوات على التوالي، وجائزة "أنظف مطار في الشرق الأوسط" من قبل مؤسسة "سكاي تراكس" العالمية للمطارات.