استمع إلى الملخص
- تعاني المدينة من تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب ارتفاع البطالة وإغلاق حاجز الجلمة، وتواجه البلدية تحديات مالية في إصلاح البنية التحتية المتضررة.
- يعيش سكان مخيم جنين في ظروف صعبة مع تشرد 17 ألف لاجئ ونقص في الخدمات الصحية، حيث استهدفت عيادة الأونروا عدة مرات.
تتكرّر اقتحامات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة جنين ومخيمها، وزادت وتيرة الاقتحامات بعد "طوفان الأقصى" مع توسع سياسة العقاب الجماعي للفلسطينيين.
شهدت مدينة جنين ومخيّمها في شمال الضفة الغربية المحتلة، منذ مطلع العام الحالي، 1276 اقتحاماً، وفقاً لمركز المعلومات الفلسطيني "معطى"، كان العشرات منها يمتدّ طوال أكثر من 24 ساعة. وتتعمّد آليات الاحتلال الإسرائيلي خلال الاقتحامات المتكررة تدمير البنية التحتية، فيما يوصف بأنه تخريب ممنهج، بما يشمل خطوط المياه، وشبكات الكهرباء، فضلاً عن أبواب المحال التجارية، وعشرات المنازل، ويتركز التدمير في المناطق المحيطة بالمخيم والمداخل المؤدية إليه.
وشهد الأسبوع الماضي اقتحاماً إسرائيلياً لمدينة جنين ومخيمها استمر على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، وقالت مصادر محلية إن الاقتحامات رافقتها مواجهات عنيفة واشتباكات مسلحة بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال، فيما داهمت قوات الاحتلال عدداً من المنازل، ما أدى إلى اعتقالات، بالتزامن مع قيام جرافات الاحتلال بتجريف الشوارع والبنية التحتية.
وتشير التقديرات إلى أن نحو نصف مساحة مدينة جنين ومخيّمها باتت غير صالحة للعيش على إثر تدهور الأوضاع الحياتية والخدماتية على جميع المستويات، إذ طاول الدمار المياه والكهرباء والبنية التحتية، وسط تقلص أشكال الدعم الفلسطيني والدولي.
بلغت الخسائر في جنين ومخيمها نحو 40 مليون دولار منذ بداية 2024
يؤكد مدير العلاقات العامة والإعلام في بلدية جنين، بشير مطاحن، لـ"العربي الجديد"، أن أكثر من 40% من مساحة المدينة التي تمتد على نحو 37 كيلومتراً مربعاً طاولها دمار كبير في كل مقومات العيش، وبلغت خسائر الدمار الحاصل نحو 40 مليون دولار منذ بداية العام الحالي، في حين تعاني المحافظة من أوضاع اقتصادية متردية بسبب ارتفاع معدلات البطالة مع منع آلاف العمال الفلسطينيين من دخول الأراضي المحتلة عام 1948، إضافة إلى إغلاق حاجز الجلمة الذي يعيق تدفق الوافدين إلى جنين".
يضيف مطاحن: "طاولت الاعتداءات الإسرائيلية بالدرجة الأولى الخدمات الأساسية التي توفرها بلدية جنين للمواطنين، وعلى رأسها خدمات المياه، إذ دمّرت جرّافات الاحتلال وآلياته العسكرية نحو 23 كيلومتراً من خطوط المياه وشبكات الصرف الصحي، ويعود هذا الحجم الكبير من الخسائر إلى أن العديد من تلك الشبكات تم إصلاحها مرات متكررة، بينما تعرض عدد من الشوارع للتدمير أكثر من 10 مرات. على سبيل المثال، دُمّرت شبكة المياه في مخيم جنين أكثر من 10 مرات، وهناك خطوط رئيسية استُهدفت نحو 12 مرة".
يتابع: "يكرر جيش الاحتلال تدمير البنية التحتية للكهرباء، بما يشمل كوابل الضغط العالي والمتوسط والمنخفض، إضافة إلى نحو 50 محولاً كهربائياً، و200 عمود كهرباء، و12 كيلومتراً من الكوابل. إلى جانب الأضرار في داخل المنازل، والشبكات الداخلية في الشوارع، ما دفع بلدية جنين إلى التعامل مع الشوارع في الحالات الطارئة فقط، بحيث يتم توفير حد أدنى من المرور للسكان من دون إجراء التعبيد النهائي".
ويوضح مطاحن أن "التقديرات الدولية تشير إلى أن تكلفة تجهيز متر واحد من البنية التحتية، بما يشمل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي إضافة إلى تعبيد الطرق، تصل إلى ألف دولار، لذا فإنه مع كل عملية تدمير للشبكات والشوارع، تتكرر التكلفة الباهظة، وقد جرى في آخر عدوان طاول المدينة استهدف (دوّار البطيخة) في منطقة وسط البلد، والتي تبلغ كلفة إصلاح خطوط المياه فيها نحو 150 ألف دولار. وسط ذلك كلّه، لم يصل كامل الدعم الذي كان مقرراً أن يصل إلى بلدية جنين من قبل الجهات الداعمة، لا سيما السلطة الفلسطينية التي أقرّت 15 مليون شيقل (4 ملايين دولار) لجنين، ولم يصل منها سوى ما يقارب 2,5 مليون شيقل، ما جعل البلدية تواجه تحديات مالية كبيرة، إضافة إلى النزيف المالي المستمر في إصلاح البنية التحتية. شهدت مدينة جنين 57 عملية اقتحام طويلة ومدمرة خلال العام الحالي، وكانت العملية الواحدة تمتد لأكثر من 24 ساعة، ويتم خلالها تجريف البنى التحتية وتدمير مقومات الحياة".
بدورها، تقول عضو اللجنة الشعبية في مخيم جنين، فرحة أبو الهيجاء، لـ"العربي الجديد"، إن "قرب حلول فصل الشتاء يفاقم من سوء الأوضاع التي يمرّ بها سكّان المخيم، خاصّة وأن ما لا يقل عن 500 منزلٍ تعرضت للهدم، سواء جزئياً أو بالكامل، خلال مراحل عدوان الاحتلال على المخيم في العام الحالي، وقد انعكس ذلك على أعداد الفلسطينيين الموجودين في داخل المخيم، إذ اضطرت نحو 40 عائلة إلى المغادرة بفعل الأضرار التي طاولت ممتلكاتهم الخاصّة، والتي من دونها يصعب البقاء في المخيم الذي يعاني جميع سكانه من ظروف معيشية صعبة".
تضيف أبو الهيجاء أن "17 ألف لاجئ يعيشون داخل مخيم جنين باتوا في حالة أشبه بالتشرّد، نظراً لعدم وجود منظومة إعمار. يجرى الحديث عن إعادة تأهيل المخيم، وبناء المنازل والمرافق المتضررة فيه من جديد، سواء السلطة الفلسطينية أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لكن هذه عملية بطيئة للغاية، ولا نعرف متى تبدأ إعادة الإعمار".
تتابع: "الأهالي الذين تهدمت منازلهم منذ شهر يوليو/ تموز 2023، على سبيل المثال، ما زالوا يعانون من الدمار الذي طاول منازلهم، وبعض هذه العائلات اضطرت للانتقال إلى منازل مستأجرة تتحمّل تكاليفها جزئياً، إضافة إلى مشاكل التنقل من وإلى المخيم، إذ أصبح وصول الأطفال إلى مدارسهم أمراً معقداً بفعل غرق الشوارع بمياه الصرف الصحي".
وفيما يخص الأوضاع الصحية، تؤكد أبو الهيجاء أن "الأوضاع شديدة التردي، إذ استهدف الاحتلال عيادة (أونروا) في المخيم أكثر من مرة، ما أدى إلى إغلاقها لفترات طويلة، ونقلها مؤقتاً إلى قباطية، ومع إعادة فتحها مجدداً، ظلت الأدوية والخدمات الصحية المقدمة لا تغطي احتياجات الأهالي، إذ لا يوجد حليب للأطفال، ولا إسعافات أولية كافية، والخدمات الأخرى التي توفرها (أونروا) محدودة للغاية، وعلى الرغم من كونها متواصلة لكن يشوبها القصور، وعدم الدقة في إيصال المساعدات إلى المحتاجين".