جماعة القربان تنشط في جنوب العراق... تحدٍّ أمني وحالات انتحار

19 يونيو 2024
خلال حفل موسيقي في العراق، 10 مارس 2023 (مرتجى لطيف/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أجهزة الأمن العراقية تتخذ إجراءات ضد جماعة "القربان" التي تقدم الأشخاص كقرابين للإمام علي، مع اعتقال رموزها وإثارة اضطرابات في محافظات جنوب العراق.
- الجماعة تستغل المراهقين والشباب في طقوس انتحارية، مع تسجيل 12 حالة انتحار وتواجدها القوي على مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقات مشبوهة بإيران.
- الدستور العراقي يجرم هذه الجماعات بعقوبات تصل للمؤبد أو الإعدام، مع مخاوف من تمددها وجهود السلطات لملاحقتها قانونيًا وأمنيًا لحماية المجتمع.

تتعامل أجهزة الأمن العراقية بجدية وُصفت بأنها متأخرة في ملف جماعة القربان أو "العلاهية" التي تنفذ طقوساً قاسية ومتطرفة تتضمن تقديم أشخاص بصفة قرابين إلى الإمام علي بن أبي طالب من خلال انتحارهم بأشكال بشعة. والاثنين الماضي، اعتقلت قوات الأمن عدداً من رموز هذه الجماعة وأحالتهم على القضاء، ما سبّب اضطرابات اجتماعية وأمنية في محافظات الجنوب.

ويكثر وجود أعضاء هذه الجماعة في مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار (جنوب)، وينتشرون باعتبارهم دُعاة في محافظات قريبة، منها محافظات ميسان والبصرة والقادسية (الديوانية)، ويتخذون من منازل وجوامع مقارّ، وينفذون أنشطة علنية تتمثل باللطم والضرب على الرؤوس، ويتحدثون في أناشيدهم التي تشبه موسيقى "الراب" عن ألوهية الإمام علي بن أبي طالب، في حين تتعامل السلطات معهم باعتبارهم "جماعة دينية منحرفة".

والأحد الماضي، اعتقلت الشرطة في مدينة الديوانية شخصاً قالت إنه "مسؤول في حركة العلاهية الدينية المنحرفة" في أثناء توجهه إلى مدينة كربلاء. وأوضحت أن هذا المتهم الذي لم تكشف اسمه اعترف بقتله شخصين من الحركة "قرباناً لله". وسبق ذلك اعتقال شرطة محافظة ذي قار، في مايو/ أيار الماضي، 6 من أعضاء الجماعة بتهمة إقناع 3 من رفاقهم بالانتحار، ما أثار مخاوف في المجتمع المحلي، ولا سيما أن الانتحار يحصل من دون تردد، وأن التحقيقات أثبتت أن بعض المنتحرين يدمنون المخدرات وتورطوا بقضايا جنائية.
وخلال الأشهر الماضية، سجلت مدن جنوب العراق نحو 12 حالة انتحار من أعضاء هذه الجماعة، وترك أغلبهم رسائل مكتوبة تحدثت عن كونهم "قرابين للإمام علي"، في حين أظهرت منشورات لهم على تطبيق "تيك توك" بعض قادتهم بأسماء وألقاب غريبة، مثل "خادم علي" و"قربان ابن الحسن" و"أبو ليو" و"أبو قمبر".

ويخشى مراقبون تمدد هذه الجماعة، خصوصاً أنها تستغل مراهقين. والأسبوع الماضي، انتحر مراهق في الـ 15 من العمر شنقاً بواسطة سلك كهربائي داخل منزله بقضاء الرفاعي شماليّ محافظة ذي قار.

ويبدو أن هذه الجماعة تملك تنظيماً واضحاً وقنوات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويحظى بعض رموزها وقادتها باهتمام كبير.

وأظهرت لقطات المدعو "أبو ليو" الذي اعتُقل أخيراً، خلال تجوله في محافظات عراقية، وسفره إلى إيران التي لم تُعرف أهداف زيارته لها للسياحة أو لتنفيذ مهمات تخصّ جماعته.

تاريخياً، ظهرت جماعات عدة في فترات متفرقة مارست الغلو في حب الإمام علي بن أبي طالب، واستخدمت شعارات طائفية وأخرى خارجة عن الدين والقانون. وواجه أعضاؤها في العادة اعتقالات وملاحقات، لكن عودتها عبر نشاطات علنية في محافظات جنوب العراق تُفسر بأنها ضعف في تطبيق القانون وترهيب للمجتمعات المحلية. وتدور تساؤلات عن مصادر دعم هذه الجماعات، لكونها تملك "حسينيات" خاصة، وتصدر منشورات يروجها مكتب إعلامي منظم، وتصنع محتوى مصوراً وأناشيد "لطميات"، كما تسمى محلياً.

وقال رجل دين من مدينة الناصرة بمحافظة ذي قار يدعى بلال محسن لـ"العربي الجديد": "لا تمثل هذه الجماعة التشيّع، وهي منحرفة ونحذر منها باستمرار ولا نتردد في اتهامها بأنها إحدى وسائل ترهيب المجتمعات المحلية الآمنة والفقيرة في جنوب العراق. يريد أشخاص توريط الشباب بحالات انحلال وتخلف وانحراف، وصولاً إلى دفعهم إلى الانتحار من أجل أفكار غير سوية تخدم جهات تريد الاستيلاء على عقول أهل العراق".

وأضاف: "ظهرت الجماعة في محافظة البصرة قبل أعوام، لكنها واجهت الضغط الأمني والاعتقالات، ووصلت إلى محافظة ذي قار، واستقر قادتها في أكثر من مدينة، منها مركز المحافظة وأقضية الرفاعي وسوق الشيوخ، وتستهدف المراهقين والشباب والعاطلين من العمل، عبر شعارات لا علاقة لها بالدين الإسلامي". وأكد أن "بعض رموز هذه الجماعات يرتبطون بجهات شبيهة لها في إيران، ويزور أفرادها إيران. ومن الضروري مكافحتها بقوة".

من جهته، قال مسؤول سابق في محافظة البصرة: "الجماعة تنظيم فكري إرهابي ومتخلف يشعر أفرادها بأنهم مسؤولون عن تحقيق الوقت المناسب لظهور الإمام المهدي المنتظر، ولا بدّ أن يقدموا على أفعال مريعة لإجباره على الظهور. وسبق أن اعتقلت السلطات الأمنية في البصرة عدداً منهم عام 2020، في حين أن وجودهم الحالي في الناصرية والديوانية يمنحهم حرية أكبر في ممارسة طقوسهم، لأن الأمن في هذه المناطق غير منضبط، لكن المجتمع في البصرة يرفضهم قبل الحكومة المحلية".

وأبلغ مصدران أمنيان من محافظة ذي قار "العربي الجديد"، أن "المعلومات تفيد بانتماء نحو ألفي شخص من محافظتي ذي قار والديوانية إلى جماعة القربان، وصدرت توجيهات بإنهاء الظاهرة بالطرق القانونية والأمنية".

وأوضح أن "الجماعة تستهدف المراهقين أساساً، وتقيم لأجلهم مجالس العزاء التي تحمل موسيقى صاخبة يسهل إدمانها، مع ترديد عبارات وشعارات تدعو إلى الانتحار قرباناً للإمام علي لتسريع ظهور المهدي. وتواصل القوات الأمنية، بالتنسيق مع المحاكم والأجهزة القضائية، ملاحقة هذه الجماعة".

ويجرّم الدستور العراقي ظهور هذه الجماعات. وتصل عقوبة تأسيسها أو الانتماء إليها إلى السجن المؤبد أو الإعدام وفقاً لأحكام المادة رقم 372 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969. وتنص المادة السابعة من الدستور على حظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرّض أو يمهّد أو يمجد أو يروج أو يبرر له.

المساهمون