جلود الأضاحي

28 يوليو 2021
قبل ذبح الأضاحي في الخرطوم (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

ثلاثة عوامل كفيلة لدى اتحادها، بتحويل فرحة العيد لدى سكان عاصمة السودان، الخرطوم، وبعض المدن الكبيرة، إلى خوف مستبطن قد ينجم من تدهور مريع في صحة البيئة، من بينها عامل طبيعي، وآخر سياسي، وثالث اجتماعي. العامل الطبيعي يتمثل في ترافق العيد مع بداية موسم الأمطار، وفي ظلّ سوء تصريف المياه، تزداد المخاطر البيئية من جراء تعرُّض مخلفات الذبائح، ونفايات أسواق الخراف العشوائية عند تقاطعات الشوارع وميادين الأحياء للعطن، الذي من شأنه تكوين مفارز توليد الحشرات والهوام، إلى جانب الروائح الكريهة والغازات الضارة بصحة الإنسان.
العامل السياسي هو الفشل في التعامل مع ملف النفايات، الأمر الذي اعترف به أكبر مسؤول في الولاية قبل أيام، حين أعلنها في وسائل الإعلام: "فشلنا في التخلص من النفايات". ويعدّ عدم اهتمام المواطن وتصالحه مع الوجود الكثيف للنفايات عاملاً اجتماعياً، يشير إلى ضعف الثقافة والسلوك البيئي، ويفسره البعض بظاهرة "ترييف المدن".
في طفولتنا الباكرة، كنا مولعين بمتابعة طقوس الذبح، ضمن مظاهر اجتماعية ودينية عديدة في موسم الأضاحي وغيرها. يملأنا الفرح حين يطلب منا الكبار المساعدة، كأن نكلّف بإحداث حفرة عميقة بعيداً عن الدار تُطمر فيها المخلفات، أو أن نقوم بإزالة الدم المتيبس، أو أن نشارك في عملية فرد وتمليح الجلد، تمهيداً لتعريضه للشمس، وفي مقابل مراقبته نُمنح حق الاحتفاظ بالمقابل المالي الضئيل حين يمر تاجر الجلود في الأيام التالية. ولاحقاً، أصبحت هذه الجلود مصدراً لدعم المؤسسات والمبادرات المجتمعية في القرية، نساهم فيها بذات القدر من الاهتمام والتفاعل، بيد أنّها باتت الآن من الثروات المهدورة، بعدما قل الإقبال عليها بسبب توقف معظم المدابغ التقليدية والحديثة في السودان.

موقف
التحديثات الحية

ما يحدث الآن على صعيد صحة البيئة يفوق قدرات التحليل. من هو الضحية؟ هل هي بيئة المدينة أم المواطن أم المستقبل؟ ها هو جيل بأكمله لا يرى في موسم الأضحية من الإيجابيات سوى توفّر كميات أكبر من اللحوم، وما يمكن أن يتبعها من طقوس غذائية، وفرص للتلاقي مع الأهل. ويلاحظ المرء التجاهل التام لمبادرات جمع جلود الأضاحي، ذلك لارتباطها بمفاسد النظام السياسي السابق، في وقت تضيع وسط هذا دعوات التخلص السليم من مخلفات الذبائح.
يؤكد الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية والريفية، بشرى حامد أحمد، أنّ جلود الأضاحي تمثل ثروة قومية تستوجب المحافظة عليها "فإذا افترضنا أن ولاية الخرطوم تنحر مليونا وخمسمائة ألف أضحية في هذه الفترة، ما يعني مليونا وخمسمائة ألف جلد، أي 150 مليون دولار على أقل تقدير، لذلك يجب الاستفادة منها". كما تبنت الإدارة العامة للتوعية والإعلام البيئي في المجلس التوعية عبر الوسائل كافة، خصوصاً وسائل التواصل، بوصفها الأكثر انتشاراً ووصولاً للمواطنين. فهل ينجح الأمر هذه المرة؟
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون