جرحى انفجار بيروت يواجهون إهمال الدولة "القاتل"

04 اغسطس 2022
انفجار مرفأ بيروت أودى بحياة أكثر من 230 شخصاً (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

يؤكد أهالي ضحايا وجرحى انفجار مرفأ بيروت، بمناسبة الذكرى الثانية للفاجعة، أن "الدولة اللبنانية قتلت شعبها مرّتين، الأولى يوم 4 آب 2020، بتفجير أودى بحياة أكثر من 230 شخصاً، والثانية، بإهمال متعمّد للمصابين وتقصيرها الفاضح في تغطية فاتورتهم الصحية رغم كثرة الوعود والبيانات وقوانين بقيت حبراً على ورق".

وتقول رئيسة جمعية أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ماريانا فاضوليان (شقيقة الضحية غايا)، لـ"العربي الجديد"، إن السلطات اللبنانية تواصل التسبب بوفاة وأذية المواطنين نتيجة تقاعسها وإهمالها وتقصيرها، وهي لم تكن على مستوى الاستجابة المطلوبة، حتى إعلان وزارة الصحة، عند وقوع الانفجار، تغطيتها تكاليف علاج الجرحى سرعان ما تبخّر.

وتشير فاضوليان إلى أنه رغم مرور سنتين على التفجير، ما زال هناك العديد من الجرحى بحاجة إلى الطبابة والاستشفاء والأدوية والمتابعة والعلاجات على اختلاف أنواعها، وهناك حالات حرجة منها من توفي قبل أشهر قليلة، وأشخاص في غيبوبة وكثيرون أصيبوا بإعاقة دائمة، هؤلاء للأسف متروكون أيضاً رغم أنهم خسروا وظائفهم.

وتلفت إلى أن "كل نفقات العلاج هي على حساب الجرحى أو جمعيات تقدمت للمساعدة، ومنها من توقف عن الدعم نتيجة الأزمة الاقتصادية، في حين أن تغطية الفاتورة الصحية يجب أن تكون على الدولة المسؤولة عن التفجير وعن معاناة الجرحى".

وتقول فاضوليان: "هناك مثلاً لارا الحايك، التي ترقد في غيبوبة منذ تفجير 4 آب، ووضعها الصحي دقيق جداً، وقد لا تستفيق من غيبوبتها، نتيجة التلف الذي لحق بدماغها، فإلى جانب هذا العذاب، فإن فاتورة الاستشفاء اليوم التي باتت مرتفعة جداً هي على عاتق عائلتها، والدولة غائبة كلياً عن وضعها أو متابعة حالتها".

تحتضن دمية  

من جهتها، تخوض ليليان شعيتو، التي تحوَّلت غرفة المستشفى إلى بيتٍ لها، منذ انفجار المرفأ، معارك عدة جسدية ومعنوية بعد عامَيْن على دخولها في غيبوبة، وآخرها معركة رؤية طفلها في ظل محاولات زوجها المستمرّة لحرمانها من هذا الحق، متذرعاً بوضعها الصحي، وأنها غير مؤهلة لرعايته.

بتعرفوا ليش #ليليان_شعيتو حاضنة لعبة ومش ابنها؟ لأنه زوجها حارمها تشوف الطفل أو تحضنه.كل شوي حدا بيطلع يخبرنا ما بتعرفوا القصة.مبلا منعرفها وكتير منيح. انتوا ظالمين وجبروتكن فاق الوصف.انتوا حارمين ام من ابنها ومن فرصة تحسّن وضعها الصحّي يللي عم يتأثر بفراقها عن ابنها. #4_آب pic.twitter.com/5dS7UKmRJO

— alia awada (@AlyaAwada) August 3, 2022

وبدأت شعيتو تتجاوب مع العلاج وتتفاعل مع الأشخاص الموجودين حولها، خصوصاً عائلتها التي لا تترك غرفتها في المستشفى، وأصبحت قادرة على تحريك يدها اليسرى وقدمها اليسرى، بعكس حال يدها اليمنى وقدمها اليمنى شبه المشلولتين، على حدّ تأكيد شقيقتها نوال لـ"العربي الجديد".

ليليان شعيتو من وقت الانفجار ومازالت بالمستشفى
ليليان بس بتقدر تحرك ايدها وترمش بعيونها
ليليان من وقت الانفجار ما شافت ابنها
عائلة ليليان احضرت طفل لعبة لتعوض ليليان عن فراق ابنها https://t.co/fSSSsMuWPM
@GebeilyM #beirutexplosion #مرفأ_بيروت #Reuters #Beirut pic.twitter.com/sDEuNNJa0U

— Issam Abdallah - عصام العبدالله (@LbIssam) August 1, 2022

وتقول نوال: "أشعر بأن شقيقتي تعرفني، هي تتفاعل معنا، وكثيراً مع والدتها، أحدثها دائماً وأسألها عمّا إذا كانت تعرفني فتحرّك عينيها، حالها إلى تحسّن، وليست في غيبوبة كما يقول زوجها في محاولةٍ منه لحرمانها من رؤية ابنها علوشي".

وانتشر فيديو مؤثر لليليان وهي تحتضن دمية وتتحسّس أطرافها، في وقتٍ تُحرَم من رؤية ابنها على رغم وجود حكم لصالحها يمنحها هذا الحق، خصوصاً أنه يفيد كثيراً في وضعها الصحي، وهنا تؤكد نوال أننا "أحضرنا الدمية بناء على نصيحة طبية، ولكنها على إدراك أن تحتضن دمية وليس طفلها علي".

كذلك، تشير إلى أن المحكمة الجعفرية أعلنت أخيراً في بيان أنه في العام 2021، صدرت أحكام نهائية وقطعية تبيح لليليان وذويها رؤية ابنها، وأن تنفيذ هذه الأحكام مرتبط بدائرة التنفيذ العدلية والمستشفى الذي تتلقى العلاج فيه، بيد أن زوجها يواصل الطعن بكل قرار يصدر لصالحها.

من ناحية ثانية، تلفت شعيتو إلى أن علاج ليليان بدعم من جمعية تابعة للجامعة الأميركية في بيروت ونحن نأتي بالأدوية والأغراض التي تحتاجها، لكنها في المقابل بحاجة لعلاج فيزيائي لا تقبل وزارة الصحة أن يكون على نفقتها، مشيرة إلى أن هذا هو حال كل الجرحى، الذين بعكس كل الوعود والمواقف، يعالجون على نفقتهم الخاصة أو بمساعدة جمعيات وأطراف أخرى.

الدولة غائبة  

الجرحى المعوقين أيضاً متروكون، وعذاباتهم مضاعفة، هم الذين أصيبوا بإعاقة دائمة، وخسروا وظائفهم التي يعتاشون منها وعائلاتهم، بعضهم رحل بصمتٍ نتيجة عدم قدرته على تغطية تكاليف علاج يفترض أن تكون على عاتق الدولة.

وتقول رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس، لـ"العربي الجديد"، إنه "في الفترة الأولى من انفجار مرفأ بيروت، كنا نتابع بحدود 500 شخص من الذين أصيبوا بإعاقة دائمة، وبقي على اتصال معنا حوالي 75 شخصاً، 42 منهم ما تزال حالتهم بحاجة لمعالجة صحية ومتابعة طبية وعمليات، بينهم 10 تقريباً وضعهم دقيق".

وتشدد على أن "هؤلاء الأشخاص كلهم متروكون، ويواجهون صعوبات كبيرة في تلقي العلاج، التي باتت تكاليفها مرتفعة جداً وتفوق قدرتهم وإمكاناتهم المادية، وقد خسروا وظائفهم، ولديهم عائلات كانت تعتمد عليهم".

وتلفت اللقيس إلى أن شخصين توفيا منذ أكثر من شهرٍ نتيجة عدم خضوعهما للعلاج بسبب الأرقام المالية الكبيرة جداً التي تُطلَب استشفائياً، في وقتٍ أن الدولة غائبة ولا تضع الأشخاص المعوقين في سلم الأولويات أو حتى في دائرة الاهتمام، مشيرة إلى أن "هذين الشخصين توفيا من جراء المضاعفات، فالانفجار لم يقتلهما إنما إهمال الدولة، حتى إن إعاقتهما لم تكن قاتلة وكان يمكن أن يكونا معنا اليوم فيما لو تلقوا العلاج".

وتضيف رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً أن هناك حالات تحتاج إلى عمليات في الرأس وفي الأطراف، وكلها باتت مكلفة، حتى الأدوية أسعارها مرتفعة جداً، وهناك أشخاص يحتاجون إلى عمليات في محاولة منهم لاستعادة بعض وظائف جسدهم، وكلهم متروكون ولا أحد يغطي تكاليف علاجهم، حتى المنظمات التي كانت تتابع وضعهم في السابق لم تعد موجودة اليوم لعدم توفر الإمكانات.

وتتوقف اللقيس عند صعوبة الوضع، وسوء حال الأشخاص المعوقين الذين أصبحوا بلا عمل بينما كانوا أساس المنزل ومعيلين لعائلاتهم، وتجدد المطالبة بوضع ملفهم الصحي كأولوية، إذ على الدولة التي استثنتهم من التعويضات التي أعطيت لأهالي الضحايا، أن تؤمن الدعم لهم وتغطي نفقات علاجهم، وإلا فهي ترتكب جريمة يومية بحقهم، مشيرة إلى أن الدولة يمكن أن تخصص نسبة من عائدات مرفأ بيروت لتغذية صندوق يدعم الذين تضرروا بالانفجار وأصيبوا بإعاقة من جرائه، فهؤلاء يحق لهم تعويض يمكّنهم من عيش لائق مدى الحياة.

المساهمون