ارتفعت نسبة الجرائم في ألمانيا إلى مستويات تبلغها للمرّة الأولى منذ خمسة أعوام، بعد أن كانت قد تراجعت بصورة ملحوظة في خلال أزمة كورونا الوبائية. وفي تقرير أخير أصدره مكتب الإحصاءات الفيدرالي في ألمانيا، كشف أنّ 5.6 ملايين جريمة ارتُكبت في عام 2022 الماضي. وقد تنوعّت ما بين نشل، وجرائم عنصرية وكراهية ذات دوافع سياسية أتت بمعظمها بتوقيع حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي وحركة "مواطني الرايخ"، وارتكابات مختلفة أقدم عليها ناشطو المناخ ومدافعون عن البيئة.
وتبيّن بالأرقام أنّ نسبة زيادة الجرائم في عام 2022 بلغت 11.5 في المائة مقارنة بعام 2021 الذي سبقه، فيما بلغ عدد مرتكبي الجرائم 1.9 مليون شخص، علماً أنّ 612 ألف شخص من بين هؤلاء هم من غير الألمان المقيمين في البلاد. وبحسب بيانات الشرطة الجنائية الفيدرالية فقد ارتفع إجمالي عدد المشتبه فيهم بنسبة 7.6 في المائة. أمّا بالنسبة إلى المشتبه فيهم الذين وصلوا إلى ألمانيا من ضمن موجات اللجوء، فقد ارتفع عددهم بنسبة تقارب 11.9 في المائة، وتنوّعت الجرائم التي اتُّهموا بارتكابها ما بين نشل وسطو وقتل. تجدر الإشارة إلى أن مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية يعمل على تجميع البيانات ذات الصلة، وإحصاء الجرائم على أساس البيانات المقدّمة من مكاتب التحقيقات الجنائية التي تتبع الولايات الألمانية الست عشرة.
تورّط الأطفال
وأوردت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية الألمانية أنّه، وفقاً لإحصاءات الشرطة الجنائية الفيدرالية، سُجّلت الزيادة الكبرى في عمليات النشل والسطو وسرقة محال تجارية والدخول إلى المنازل والممتلكات بطريقة الخلع. أضافت أنّه، بحسب السلطات المعنيّة، من المحتمل أن يرتبط ارتفاع نسبة الجريمة والانتهاكات ذات الصلة بقانون اللجوء وحرية الحركة والحقّ في الإقامة بالاتحاد الأوروبي وبحالات الدخول غير المصرّح به إلى ألمانيا. وتابعت أنّ الزيادة الملحوظة في عام 2022 تعود كذلك إلى واقع أنّ الناس أمضوا وقتاً أطول من المعتاد في منازلهم في عامَي 2020 و2021 بسبب أزمة كورونا الوبائية، بالتالي قلّت حينها "فرص" النشّالين واللصوص.
وفي ما يتعلق بجرائم العنف، فقد بيّنت إحصاءات الشرطة الجنائية الفيدرالية أنّ الزيادة في العام الماضي أتت مماثلة لتلك المسجّلة في عام 2021. وقد سُجّلت 197 ألف جريمة عنف في عام 2022، بزيادة قدرها 20 في المائة مقارنة بعام 2020 ونحو تسعة في المائة مقارنة بعام 2019. وقد لوحظ اتّجاه يتمثّل في مشاركة الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن 14 عاماً في الجرائم، علماً أنّ ثمّة 93 ألف مشتبه فيه بعمليات سرقة وأذى جسدي وإلحاق الضرر بالممتلكات هم من هذه الفئة.
جرائم أيديولوجيا وكراهية
بحسب أرقام وزارة الداخلية الألمانية ومكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية، فقد ارتفع عدد الجرائم ذات الدوافع السياسية في العام الماضي للمرّة الرابعة على التوالي، وسجّل رقماً قياسياً جديداً. وقد زادت تلك الجرائم بنسبة سبعة في المائة ليصل عددها إلى 58 ألفاً و916 جريمة، في حين يُربَط السبب الرئيسي لذلك بأزمة كورونا الوبائية وحرب أوكرانيا.
وفي سياق متصل، أشارت وزيرة الداخلية نانسي فيزر في تصريح صحافي أخير إلى أنّ ثمّة تواطؤاً ما بين حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي وحركة "مواطني الرايخ" والمتطرّفين اليمينيين. وشرحت أنّ البديل مسؤول جزئياً عن أعمال العنف في البلاد، وأنّ الحرب العدوانية التي شنّتها روسيا ضدّ أوكرانيا منتهكة القانون الدولي كانت نقطة تحوّل للأمن الداخلي في ألمانيا. وقد سُجّلت 5510 جرائم ذات دوافع سياسية تتعلق بالحرب الأوكرانية.
إلى جانب ذلك، كشف مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالية أنّ ثمّة 1716 جريمة مرتبطة بناشطي حماية المناخ، وهي في العادة إلحاق أضرار بالممتلكات من خلال رشّ جدران بالطلاء وتدوين عبارات على مبانٍ رسمية ومقرّات أحزاب، بالإضافة إلى تهديدات وانتهاكات تطاول قانون التجمّع والتعدّي على أملاك الغير. وفي هذا الإطار، قالت الوزيرة فيزر إنّ "حماية المناخ مصدر قلق مهمّ نتشاركه جميعاً، لكنّني لا أوافق على أنّه يتعين ارتكاب جرائم وإيذاء أشخاص آخرين"، لافتة إلى "عرقلة سيارات الإسعاف" على سبيل المثال.
أمّا جرائم الكراهية، فقد سجّلت زيادة ملحوظة في الفترة الأخيرة، بحسب ما نقلت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية التي أشارت إلى أنّها تحمل دوافع معادية للأجانب أو عنصرية وفقاً للشرطة الجنائية الفدرالية. كذلك صُنّفت 340 جريمة كراهية بأنّها معادية للألمان.
من جهة ثانية، سُجل تراجع في عدد جرائم الكراهية المعادية للسامية بنحو 13 في المائة، إلا أنّ نسبة هذا النوع من الجرائم ما زالت مرتفعة نسبياً، وقد بلغت في عام 2022 نحو 2641 جريمة. وقد نُسب أكثر من 80 في المائة من الجرائم والخطابات المعادية للسامية للطيف اليميني. وحذّرت الوزيرة فيزر من التقليل من أهمية هذه الخطابات، مشيرة إلى الزيادات الحادة في الجرائم المرتكبة ضدّ طالبي اللجوء واللاجئين. وبحسب البيانات الأخيرة، سجّل مكتب التحقيقات الفيدرالي زيادة في الجرائم الجنائية التي ارتكبها من يطلقون على أنفسهم "مواطنو الرايخ" بنحو 40 في المائة، لتصل إلى 1865 جريمة، خصوصاً تلك المتعلقة بالإكراه والتهديد والشتائم.
وفي ما يتعلق بالجرائم الجنائية القائمة على الأيديولوجية الدينية، سُجّلت 481 جريمة، مع خمس هجمات عنفية يمينية تقريباً في اليوم الواحد. يُذكر أنّ "مواطني الرايخ" لا يعترفون بالجمهورية الاتحادية ولا بهياكلها الديمقراطية. وبيّنت رئيسة مكتب ولاية برلين لمناهضة التمييز والمساواة في المعاملة دوريس ليبشر، بحسب ما نقل موقع "شتيرن" الألماني، أنّه في مرّات عديدة لم يُصَر إلى التبليغ عن أعمال العنف اليمينية وذات الدوافع العنصرية والمعادية للسامية، كذلك لم يتمّ التعرّف في غالب الأحيان إلى الدوافع من قبل الشرطة أو الادعاء العام.
وأفاد مكتب حماية الدستور، في هذا الإطار، بأنّ نحو 400 شخص من "مواطني الرايخ" ما زالوا يملكون رخص حمل أسلحة، الأمر الذي ما زال يلقى اهتماماً من قبل وزارة الداخلية، وتطالب الوزيرة فيزر بالإسراع في إجراء تعديلات على قانون حيازة الأسلحة بحسب ما طلبته الوزارة، علماً أنّ الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم أي "الحزب الليبرالي الحرّ" لديه تحفّظات على بعض النقاط في هذا السياق.
الهجرة واللجوء وانعدام الأمن
استناداً إلى البيانات المتوفّرة حول نسبة الأجانب الذين ارتكبوا جرائم في ألمانيا، ذكر موقع "فوكوس أون لاين" أنّ الأشخاص الذين هاجروا إلى ألمانيا أو الذين وُلدوا فيها لأبوَين أجنبيَّين هم أكثر عرضة لارتكاب جرائم من السكان الأصليين. وعمّا إذا كان ارتفاع نسبة الجريمة لدى اللاجئين بحدود 11.9 في المائة يشكّل إنذاراً للسلطات المعنية، رأى الباحث في شؤون الجريمة في جامعة "مونستر" كريستيان فالبورغ، في حديث إلى صحيفة "تاغس تسايتونغ"، أنّ هذه الزيادة "متوقعة" نظراً إلى حقيقة أنّ عدداً كبيراً من الأشخاص فرّوا إلى إلمانيا في عام 2022 مقارنة بالأعوام السابقة، لكنّ في حالات الجرائم الخطرة لا اختلافات تُسجّل مقارنة بعام 2021 لجهة النسبة المطلقة، بل ثمّة انخفاض في بعض الجرائم.
وأوضح فالبورغ الذي يمسك بهذا الملف منذ سنوات أنّه ومن خلال المقارنة ما بين أرقام عامَي 2015 و2016، الفترة التي شهدت فيها البلاد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين، فإنّ ثمّة زيادة كبيرة في الجرائم البسيطة مثل النشل وسرقة المحال، لكنّ سرعان ما انخفض ذلك بصورة ملحوظة في حين كان معدّل الجريمة أعلى عموماً. وكان من الواضح أنّ نسبة المشتبه فيهم من بين اللاجئين أعلى بكثير من نسبتهم من مجموع السكان، كذلك كان لافتاً أنّ عدد المشتبه فيهم من دول مثل أفغانستان وسورية والعراق أقلّ بكثير ممّا تشير إليه نسب اللجوء.
أمّا بالنسبة إلى المشتبه فيهم من دول المغرب العربي، فالعكس هو الصحيح. على سبيل المثال، بلغ عدد المشتبه فيهم من بين اللاجئين الجزائريين 56.6 في المائة، وقد كرّروا فعلاتهم مرّات عدّة. وشرح فالبورغ أنّ الشبّان الذين أتوا إلى ألمانيا من شمال أفريقيا، بحسب الإحصاءات، يميلون إلى العيش على هامش المجتمع، ومن بينهم من جلب معه تجارب سابقة في مجال الجريمة، في حين أنّ معدّل أرقام الجريمة في صفوف اللاجئين السوريين أقلّ نسبياً.
ولفت فالبورغ إلى ضرورة إيلاء اهتمام خاص بالأشخاص الذين رُفضت طلبات لجوئهم في ألمانيا لكنّهم ما زالوا في البلاد. فهؤلاء محرومون من أيّ فرصة اندماج، وبالتالي فإنّ الوضع مرهق بالنسبة إليهم، لا سيّما أنّ احتمالات بروز العنف لديهم تزداد.