تونس: عادات "العيد الصغير" تتحدى الأزمات

09 ابريل 2024
يصرّ التونسيون على الاحتفال بأعيادهم على أكمل وجه (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في تونس، تعتبر الأعياد الدينية وخاصة عيد الفطر فترة مهمة تتجلى فيها العادات والتقاليد المتوارثة، حيث تبدأ الأسر التحضيرات في النصف الثاني من رمضان مع التركيز على شراء الحلويات والملابس وتنظيم اللمة العائلية.
- رغم الضغوط المالية وارتفاع أسعار الملابس بنسبة 25%، يلجأ المجتمع التونسي إلى التخطيط المسبق وشراء ملابس البالة كبديل للحفاظ على الطقوس الاحتفالية، مع التأكيد على أهمية فرحة الأطفال.
- الاحتفال بالعيد يشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية مثل زيارات العائلة و"المِرْواح للبلاد"، وتُعتبر هدية "حق الملح" تقليدًا يعبر عن التقدير لجهود النساء، لكن فرحة العيد تظل متأثرة بالأحداث الجارية مثل العدوان على غزة.

تتحدى الأعياد الدينية صعوبات الحياة التي يكابدها طيف واسع من التونسيين. وتصرّ غالبية الطبقات الاجتماعية على التمسك بعاداتها مهما كانت كلفتها المادية. ولعيد الفطر أو "العيد الصغير" كما يُسمى محلياً مكانة خاصة لديهم.

مع دخول الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان تعدّل الأسر التونسية عقارب ساعاتها على موعد عيد الفطر، وتحوّل كل اهتماماتها إلى تجهيز كل ما يحتاج إليه العيد من حلويات وملابس وتنقلات، وتوفير لوازم اللمّة العائلية في "العيد الصغير".
وتؤكد خولة عباسي (44 عاماً)، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "التونسيين لا يستغنون بسهولة عن عاداتهم المتوارثة، ويبدون صلابة كبيرة في مكابدة أزماتهم للتمسك بطقوس الأعياد المكلفة لإنجاح هذا التحدي".
وتذكر أن "التحضيرات تنطلق عادة في النصف الثاني من شهر رمضان، وتتكثف خلال الأسبوع الأخير من هذا الشهر، علماً ان أسراً كثيرة تخفف الأعباء المالية التي تواجهها خلال شهر رمضان وعيد الفطر عبر شراء ملابس الأطفال في وقت مبكر من السنة".
وتعتبر خولة أن "فرحة الأطفال أولوية مطلقة في عيد الفطر، علماً أن عبارة العيد الصغير مستوحاة من سهر الأسر على تلبية احتياجات أطفالها من ملابس وحلويات وألعاب، حتى من المهبة (العيدية) مهما كان وضعها المادي. وكل قدير وقدره، أي إن الإنفاق يحصل غالباً بحسب ما يستطيع كل شخص، والمهم ألا تغيب فرحة العيد عن أي بيت".
وتوضح منظمة "إرشاد المستهلك" أن "كلفة شراء ملابس العيد لطفل واحد قد تصل إلى 500 دينار (165 دولاراً)، ما يتجاوز القدرة الشرائية للتونسيين". ويقول رئيسها لطفي الرياحي لـ"العربي الجديد": "هناك مبالغة في تحديد أسعار الملابس التي زادت قيمتها نحو 25 في المائة مقارنة بالعام الماضي، ما جعل الملابس المستعملة أو ما يعرف بملابس البالة ذات الجودة العالية تمثل بديلاً لمئات الأسر".
ويؤكد الرياحي "إصرار التونسيين على الاحتفال بأعيادهم وإحياء الشعائر الدينية على أكمل وجه، رغم الظروف المالية الصعبة ما يعكس امتلاك المجتمع قدرة كبيرة على التأقلم مع الأزمات وإيجاد حلول لها كي لا تنقطع عاداته".
ويُشير إلى أن "الغلاء طاول هذا العام حلويات العيد أيضاً، ما يدفع الأسر خلال العيد إلى إعداد حلويات تقليدية منخفضة الكلفة على غرار الغريّبة والمقروض، وأصناف من البشكوطو التي يحتاج تحضيرها إلى فواكه جافة".
ولا تزال عائلات كثيرة تصرّ على إعداد حلويات في المنازل، في حين يشتريها آخرون من محلات خاصة لكسب الوقت.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتعتبر مريم الشواشي (59 عاماً)، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "أجود الحلويات هي تلك التي تصنعها النساء في البيوت رغم أن هذه العادات تراجعت بسبب ضغوط العمل وغياب المساعدة، ففي السابق كان أفراد الأسر والجيران يتشاركون في إعداد حلويات العيد من اجل تخفيف بعضها أعباء بعض، لكن ظروف السكن والعيش لم تعد تسمح بذلك".
وتؤكد أهمية الحفاظ على عادات العيد ونقلها إلى الأجيال الجديدة، "فهي جزء من الهوية العربية والإسلامية". 
ورغم سطوة التكنولوجيا الحديثة على العلاقات الأسرية، لا تزال زيارات العيد أو "المِرْواح للبلاد" والتنقل بين المحافظات لقضاء الإجازة مع الأهل نشاطات رئيسية خلال العيدين الصغير والكبير في تونس (عيدي الفطر والأضحى). وتفضل الأسر التي تسكن خارج محافظاتها الأصلية العودة إلى الجذور للاستمتاع بأجواء العيد في محيطها الطبيعي.

"العيد الصغير" للأطفال اولاً في تونس (ياسين قايدي/ الأناضول)
"العيد الصغير" للأطفال اولاً في تونس (ياسين قايدي/ الأناضول)

ويقول كريم الفطناسي (32 عاماً) لـ"العربي الجديد": "حجزت مبكراً رحلة العودة من العاصمة تونس إلى مدينة كسرى بمحافظة سليانة (شمال غرب) حيث أنوي قضاء الإجازة مع والدي وأشقائي". ويشير إلى أن "عيد الفطر يكاد يكون المناسبة السنوية الوحيدة التي ألتقي فيها أسرتي مجتمعة، إذ يحرص أشقائي الذين يعيشون في المهجر على العودة لقضاء العيد". ولتفادي أزمة النقل يحجز الفطناسي مسبقاً على متن حافلة النقل العمومي أو عربة نقل خاصة.
ورغم الجهد الكبير الذي تبذله التونسيات خلال شهر رمضان في إعداد الإفطار لأسرهن لا يمنعهن التعب من الظهور بأبهى حلة يوم عيد الفطر، خصوصاً أن النساء يحرصن على ضرب موعد مع الجمال في الأيام التي تسبق العيد.

وتشهد صالونات الحلاقة والتجميل خلال هذه الفترة إقبالاً كبيراً من النساء اللواتي يردن تصفيف الشعر وصبغه وطلاء الأظافر للخروج في أبهى حلة يوم العيد، وذلك بعدما أكملن واجباتهن في إطعام أسرهن وإعداد حلويات على امتداد الشهر الكريم.
واللافت أن النساء في تونس يطالبن بحقوق في العيد، بحسب عادة هدية "حق الملح" التي تلحظ منح الزوج المرأة يوم عيد تقديراً لتعبها طوال شهر الصيام في إعداد وجبة الإفطار.
ويقدّم الزوج هدية "حق الملح" لزوجته في شكل قطعة حليّ من الذهب، علماً ان التسمية تعود إلى اضطرار الزوجة خلال إعدادها طعام أسرتها إلى تذوّق الأكل من دون أن تتناوله للتأكد من أن كمية الملح فيه معتدلة.
وإذ تبدو الاستعدادات لعيد الفطر مكتملة الأركان في تونس، لكن كثيرين يؤكدون أن فرحتهم ستكون مبتورة هذا العام مع تواصل العدوان على غزة.

المساهمون