تضع التونسية ريم حامد، البالغة من العمر 42 سنة، وهي مدرّسة سابقة، الاندماج في سوق العمل والحصول على سكن مستقل في بلدها في صدارة أولوياتها بعدما أجبرها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على المغادرة مع أولادها الستة، تاركة وراءها بيتها ووظيفتها وذكريات عيشها نحو 30 عاماً في القطاع.
وأجلى الهلال الأحمر التونسي ريم وعائلتها من غزة قبل أكثر من شهرين، وهي تمكث حالياً في مركز مؤقت لاستقبال القادمين من غزة في محافظة نابل (شمال شرق). وتقول لـ"العربي الجديد": "بعد أكثر من 60 يوماً من رحلة إجلاء شاقة، غادرت غزة مع أطفالي الستة، ولا أفكر حالياً إلا بتعزيز مستقبلي المعيشي، وقدرتي على الاندماج وتكوين حياة جديدة. أرى أن الحصول على وظيفة في اختصاصي، وتوفير سكن هما الوسيلتان الوحيدتان لضمان عيش كريم لي ولأطفالي، علماً أنني أصبحت مجبرة أيضاً على الاضطلاع بدور الأم والأب، فزوجي ظل عالقاً في معبر رفح".
تضيف حامد: "يحتاج أبنائي الستة إلى استكمال تعليمهم مع بداية العام الدراسي الجديد، وهذه مسؤولية كبيرة سأتحملها من أجل توفير ظروف عيش لائقة لهم. الهلال الأحمر التونسي يبذل جهداً كبيراً لتسهيل دمج الأسر العائدة من غزة، لكنني أريد أن أعتمد على نفسي في بناء حياة جديدة بعدما خرجت من النفق المظلم للحرب الظالمة على غزة".
وكانت ريم تعمل كمدرسة للتربية البدنية في غزة، وهي تخشى أن يتم قطع راتبها من قبل الجهة المشغلة لها بعد أن غادرت القطاع، ما يزيد من الأعباء النفسية عليها، خاصة وأن زوجها الذي كان يعمل مهندساً في جهاز الرقابة الجوية لم يتمكن من المغادرة معهم، وبقي عالقاً في معبر رفح.
ومنذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أجلت السلطات التونسية العديد من الأسر المقيمة في القطاع، ونقلت أكثر من 130 جريحاً على دفعتين لتلقي العلاج في مستشفيات البلاد.
يقول رئيس جمعية الصداقة التونسية الفلسطينية، وليد نحّال لـ"العربي الجديد": "تصنّف الجالية التونسية باعتبارها الثالثة من بين الأكثر عدداً في غزة بعد الجاليتين المصرية والأردنية، وتضم أكثر من 340 فرداً، وقد فضّل بعضهم البقاء رغم ظروف الحرب".
ويوضح نحّال أن "الأشخاص الذين عادوا من غزة يستعدون للاندماج مجدداً في المجتمع عبر استكمال الدراسة، أو دخول سوق العمل بعد تجاوز صدمة الحرب التي أجبرتهم على ترك كل ما يملكونه، وتفاصيل وذكريات حياتهم في القطاع، معتبراً أن "عوامل عدة قد تسهّل الاندماج المجتمعي لأفراد العائلات التونسية العائدة من غزة، بينها مستواهم التعليمي الجيد، وحصول غالبيتهم على شهادات جامعية، وقد قدمت جامعة خاصة فرصة عمل لحامل شهادة دكتوراه في الهندسة".
ويمثل الاندماج المجتمعي للعائلات التونسية العائدة من غزة أحد أبرز أهداف عمل المنظمات الأهلية بالتعاون مع الهلال الأحمر التونسي، وهي تهتم بالدرجة الأولى بتسهيل حصول العائلات العائدة على سكن مستقل تمهيداً لخروج أفرادها إلى سوق العمل وعودة الطلاب إلى المدارس أو الجامعات.
ويرى نحّال أن "بناء حياة جديدة هو الحلّ الأمثل للأسر التونسية العائدة من غزة لتجاوز صدمة الحرب الأكثر بشاعة التي عاشوا يومياتها، علماً أن بعض هذه الأسر عاشت حروباً سابقة في غزة من دون أن تفكر بالمغادرة، لكن الظروف مختلفة هذه المرة".
وفي نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، قالت المتحدثة باسم الهلال الأحمر التونسي بثينة قراقبة، لـ"العربي الجديد"، إن غالبية العائلات التي عادت إلى تونس ليست لديها أسر قادرة على استقبال أفرادها في البلاد، ما يزيد حاجتهم إلى مساعدات الهلال الأحمر الذي يتولى توفير المستلزمات الحياتية للعائدين في انتظار اندماجهم المجتمعي مجدداً في وطنهم الأم".
واعتبرت قراقبة أن تعليق دول عدة تمويل وكالة أونروا يضع مسؤوليات أكبر على عاتق المنظمات الوطنية والأهلية لتقديم المساعدات للفارين من غزة، ولسكان القطاع.