تسابق السلطات في تونس الزمن لاعتماد بطاقات الهوية البيومترية التزاماً بتعهداتها الدولية الخاصة بتوفير وثائق سفر قابلة للقراءة الآلية تتضمن شريحة تحتوي على بيانات إلكترونية، لكن كثيرين يبدون قلقهم بشأن حماية المعطيات الشخصية للمواطنين.
شرع البرلمان التونسي في مناقشة النسخة الثالثة لمشروع قانون أساسي يتعلّق بتنقيح وإتمام قانون بطاقة التعريف الوطنية الصادر عام 1993، والذي سيمهد لاعتماد بطاقة التعريف البيومترية المزودة بشريحة إلكترونية.
ومنذ عام 2016 تداول مجلس النواب ثلاث نسخ لمشاريع قوانين تتعلق بإصدار بطاقات الهوية وجوازات السفر البيومترية، ووفق النسخة الثالثة للقانون التي يناقشها البرلمان الحالي، ينتظر تخفيض السن القانونية لحيازة بطاقة هوية من 18 إلى 15 عاماً، وتضمين شريحة بطاقة الهوية البيومترية بيانات إجبارية مثل الاسم واللقب واسم الأب والأم والجنس، وأيضاً صورة شخصية لصاحب البطاقة وبصمة الإبهام.
وينص مشروع القانون على حذف المهنة من بطاقة التعريف لضمان العدالة بين كل الفئات الاجتماعية باعتبار أنها ليست من عناصر تحديد الهوية، كما يقترح حذف بصمة الإبهام من البيانات المرئية للبطاقة لضمان الخصوصية، والاكتفاء بتخزينها ضمن الشريحة الإلكترونية لمنع استغلالها في تنفيذ غايات مشبوهة، واتخاذ تدابير لإبطال مفعول الشريحة الإلكترونية للبطاقة في حال ضياعها أو وفاة صاحبها، أو انتهاء فترة صلاحية شهادة المصادقة.
وتتحفظ منظمات مدنية على مشروع القانون بسبب مخاوف من عدم قدرة السلطات على حماية قاعدة البيانات لنحو 8 ملايين تونسي سيحملون بطاقات الهوية الجديدة وجوازات السفر بنسختها الإلكترونية. يقول محلل السياسات بمنظمة "أكسس ناو" التي تعني بالدفاع عن حقوق الإنسان في العصر الرقمي، شريف القاضي: "يتخوف المجتمع المدني من الانتقال إلى اعتماد بطاقات هوية وجوازات سفر بيومترية من دون توفير ضمانات كافية لحماية معطيات شخصية مهمة. تخزين بيانات مهمة على غرار صور المواطنين وبصماتهم في قاعدة بيانات يمكن أن يشكل تعدياً على الخصوصية إذا لم تتوفر ممارسات جيدة لاستعمالها، ومن الضروري تقديم توضيحات في شأن الشركة أو المؤسسة التي ستكلف مهمة إعداد قاعدة البيانات، فالأمر يتعلق بالسيادة الوطنية، علماً أن الصيغ السابقة لمشروع القانون لم تحدّد أيضاً مكان حفظ البيانات البيومترية ومدة الاحتفاظ بها، والجهات التي يُرخص لها الاطلاع عليها، وآليات تأمين قاعدة البيانات".
يضيف القاضي لـ"العربي الجديد": "تعرضت بلدان عدة سابقاً لقرصنة قواعد البيانات البيومترية، في حين لم تكن تونس في مأمن من الجرائم السيبرانية التي استهدفت البنك المركزي ومصارف خاصة، لذا من المهم أن يأخذ البرلمان الذي يدرس مشروع القانون بآراء منظمات المجتمع المدني، ويشركها في النقاشات الخاصة بالمشروع المطروح للمصادقة".
وأكدت رئيسة لجنة الحقوق والحريات في البرلمان، هالة جاب الله، في تصريحات إعلامية، أن اللجنة تعتزم توسيع الاستشارات الخاصة بمشروع القانون كي تشمل لجان الدفاع والأمن والرقمنة والحوكمة ومكافحة الفساد داخل البرلمان، كما ستستمع إلى وزارة الداخلية ووزارة تكنولوجيات الاتصالات والهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية.
وتعتبر المشاورات العامة والحوار مع المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية والخبراء المعنيين ضمانة لتأكيد توافق مشروع القانون مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وامتثاله لدستور عام 2014 الذي ينص على أن الدولة "تحمي الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية".
وفي إبريل/ نيسان الماضي، أوضحت منظمة" أكسس ناو" في دراسة نشرتها، أن قلق المجتمع المدني من مشروع قانون بطاقات الهوية البيومترية سببه تشكيل البطاقات تهديداً لحق الخصوصية وحقوق أساسية أخرى، خصوصاً أن إصدارها يستند إلى قانون تجاوزه الزمن يتعلق بحماية المعطيات الشخصية، كما يفتقر المشروع إلى الضمانات الكافية لحماية الخصوصية".
وتمثل بطاقة التعريف الوطنية وثيقة أساسية يجب أن يحملها كل تونسي تجاوز سن الـ 18 بموجب القانون الساري حالياً. من هنا سيُضطرّ جميع التونسيين إلى إعطاء بياناتهم البيومترية للدولة، في سبيل الحصول على بطاقات تعريفهم أو تجديدها، ويقول مسؤولون في وزارة الداخلية إن إنشاء قاعدة بيانات بيومترية يهدف إلى تجنب استنساخ بطاقة تعريف مفقودة أو مسروقة.
وتعتزم السلطات في تونس الجمع بين بطاقة التعريف البيومترية وجواز السفر البيومتري للوفاء بالتزامات تونس الدولية، خصوصاً تعليمات المنظمة الدولية للطيران المدني التي تقضي بالعمل على إصدار وثائق سفر قابلة للقراءة الآلية تحمل شريحة تحتوي على بيانات بيومترية. لكن منظمة "أكسس ناو" تقول إن "لا مبرر لإجبار التونسيين على الحصول على بطاقة تعريف بيومترية، لإصدار جواز سفر بيومتري".